عميد كلية الشيخ زايد للآداب والفنون والعلوم الإنسانية بجامعة آدم بركة بتشاد ، الدكتور عطية جويد جار النبي لـ”أفريكا نيوز” :
“خروج القوات العسكرية الفرنسية من تشاد بداية حقيقية لمسارات إتمام عملية الاستقلال واسترداد السيادة”

“خطاب ماكرون المبتور والمليء بالحقد والكراهية تجاه الدول الأفريقية يبين مدى الفشل الذي وصلت إليه السياسة الفرنسية”

“المواعيد الانتخابية التي أجريت بنجاح في تشاد نقلتنا من المرحلة الانتقالية إلى الحكم الدستوري”

تتجه دولة تشاد بخطوات ثابتة نحو استقرار سياسي أنهت من خلاله السلطات فترة انتقالية حاسمة ونجحت في تنظيم انتخابات رئاسية ومحلية مما دعم موقف الرئيس الحالي إدريس ديبي الذي استطاع دفع القوات العسكرية الفرنسية للخروج نهائيا من البلاد مما أثار سخط الجانب الفرنسي الذي يرى نفوده يتهاوى مجددا مثل قصر من ورق.
الباحث في الشأن الأفريقي والدولي، وعميد كلية الشيخ زايد للآداب والفنون والعلوم الإنسانية بجامعة ادم بركة بأبشة تشاد الدكتور عطية جويد جار النبي، يفكك لنا في هدا الحوار الميكانيزمات التي تسير الساحة السياسية في تشاد ويحلل لنا الأبعاد الجيوسياسية لتراجع النفود الفرنسي في تشاد.
أنهت القوات الفرنسية الأسبوع الماضي خروجها من الأراضي التشادية بعد عدة سنوات من التواجد ، في رأيكم ماذا تمثل هذه الخطوة بالنسبة لتشاد وللمنطقة ككل ؟
إن خروج القوات الفرنسية تمثل لنا نحن كتشاديين بداية حقيقية لمسارات إتمام عملية الاستقلال واسترداد للسيادة المنقوصة إن لم نقل المفقودة.
أما بالنسبة للمنطقة فهو تحول في الاتجاه الصحيح من التخلص من براثن الاستعمار وبقاياه والتوجه نحو التنمية الاقتصادية المرجوة والتي تطالب بها جميع شعوب المنطقة والتي لا يمكن أن تتجسد على أرض الواقع دون التخلص من النظام الاقتصادي المتردي والذي لازالت فرنسا تهيمن عليه من خلال الفرنك الأفريقي LE FRANC CFA الذي جلبته فرنسا من سياسة ألمانيا عند احتلالها لفرنسا.
فرنسا خسرت نفوذها وتواجدها في منطقة الساحل وإفريقيا ككل، هناك نفور كبير من قبل الأفارقة من كل ما له علاقة بفرنسا، ما هي العوامل التي ساعدت على هذا الوعي وبالخصوص في هذا التوقيت ؟
هناك العديد من العوامل التي خلقت هذا الوعي اللا متناهي لدي جميع شعوب القارة وخاصة في منطقة الساحل، نذكر على سبيل المثال لا الحصر السياسة الفرنسية تجاه تلك البلدان والشعوب التي لم يطرأ عنها أي تغير ملموس على أرض الواقع، بل استمرت في نفس المضمون بإضافة قليلة ومحدودة عند الشكل، بحيث نجد أن جل المشاكل وخاصة المزمنة التي تعاني منها المنطقة نجد أن لفرنسا ضلع كبير في بلورة استمراريتها، الشيء الذي جعل الكثير من الأفارقة ينفرون من أحضان فرنسا البلد المستعر بالأمس الذي ظل ينهب خيرات شعوب تلك المنطقة بالإضافة إلى زرع كل بؤر التوتر والنزاعات القبلية في تلك المناطق إلى الفتن والإرهاب وما شابه، ولا ننسى انتشار المعلومة والخبر بشكل سريع عبر منصات وشبكات التواصل و الإعلام التي ساهمت هي الأخرى في خلق الوعي ورفع مستوى التفكير حول الممارسة السياسية الفرنسية تجاه هذه البلدان.
على إثر هذا النفور الإفريقي شن الرئيس الفرنسي مؤخرا هجمات على العديد من الدول الأفريقية من بينها تشاد التي ردت بسرعة وبلهجة شديدة … في رأيكم لماذا هذا التكالب الفرنسي على أفريقيا وعلى تشاد وبالخصوص في هذا التوقيت ؟
إن الخطاب المبتور المليء بالحقد والكراهية تجاه الدول الأفريقية الذي أدلى به ايمانويل ماكرون هو يبين لنا مدى الفشل الذي وصلت إليه السياسة الفرنسية أو المستوى المتدني الذي ألحقه ايمانويل ماكرون بفرنسا.
فالتكالب الفرنسي على أفريقيا وخاصة تشاد يعني أن فرنسا دون تلك البلدان لا تساوي شي وقد تتدحرج إلى أسفل السافلين من المكانة التي كانت تجعل منها دولة في الصدارة، ومن هنا نفهم مدى الاستخفاف والتهجم اللفظي الشديد تجاه تلك الدول، بحيث جاءت ردودها قوية خاصة الرد التشادي الشديد اللهجة موضحا أن لا حياة لمن تنادي، وأنه وداع بلا عودة لسياسة الماضي الاستغلالية والاستعلائية.
في رأيكم هل هناك علاقة بين خروج القوات العسكرية الفرنسية من تشاد وقبلها من النيجر وحملة التكالب هذه ؟
إن كل من تشاد والنيجر وحتى الجزائر وكذا دول أفريقية أخرى يربطهما ماضي استعماري شرس بحيث عملية خروج القوات العسكرية الفرنسية من البلدين أتت نتيجة هذا الواقع المر المعاش والمشترك لكليهما، في تشاد المطلب كان شعبيا قبل أن يكون رسميا أما في النيجر كان رسميا قبل أن يكون شعبيا، ثم ظهر لنا في ما بعد هذا التناسق الرسمي والشعبي معا بحيث أصبح التكالب على فرنسا وسياستها حالة استشفائية ضرورية لابد منها لو أرادت تلك البلدان بناء دول قوية ذات كرامة وسيادة.
الجزائر البلد الشقيق للتشاد يتعرض لنفس الهجومات مؤخرا ، والسبب هو اليمين المتطرف الفرنسي ، الذي يملي على ماكرون تصوره العنصري للحكم … في رأيكم إلى أين تتجه العلاقات الفرنسية مع الدول الأفريقية ؟
أولا إن اليمين الفرنسي بغض النظر إن يكون متطرف أو غير متطرف فهو لم يكن ديمقراطي في الأساس وعند النشأة على ماجاء به كل منظروهم مثل موراس وبارس، فإنهم لم يرضوا بأن تكون الجزائر وأفريقيا مستقلة تماما عن فرنسا ، ولم يرضوا آن تسير الجزائر وأفريقيا في الطريق الصحيح، ولن يرضوا بالجزائر وأفريقيا اللتان تحاربان الفساد والمفسدين، ولن يرضوا بالجزائر وأفريقيا اللتان تعيقان مشاريع قوى الشر والظلم والإرهاب، ولم يرضوا بالجزائر وأفريقيا اللتان تدافعان عن حقوق المظلومين، ولا يرضوا بالجزائر التي حققت خطوات جسام نحو الاكتفاء الذاتي، ولا يرضوا بالجزائر وأفريقيا اللتان تنموان اقتصادها بخطوات حثيثة وثابتة، إذن كل هذه المعطيات والمؤشرات تفرز لنا عن مدى تدهور العلاقات الفرنسية مع الدول الأفريقية والتي تصل ربما إلى قطعها في جميع الأصعدة خاصة لو ظل ماكرون وأتباعه تحت وطأة اليمين المتطرف.
شهد مقر الرئاسة التشادية بأنجامينا منذ أسابيع قليلة هجوما مسلحا ، هل هناك علاقة بين هذا الهجوم وتوتر العلاقات مع فرنسا ؟ بعبارة أخرى من وراء محاولة زرع حالة عدم الاستقرار في البلاد ؟
قد يكون كذلك على حسب ما أوردته بعض الجهات وقد يكون ذلك مرتبط بمحاور أخرى لو تمعنا في التصريحات الكلامية المتضاربة التي وردت على أفواه الكثير من كبار المسؤولين التشاديين، لكن الأمر المؤكد هو فعلا محاولة زرع حالة عدم الاستقرار في البلاد لتبين مدى حشاشة النظام هناك.
نظم تشاد في 29 ديسمبر الماضي انتخابات تشريعية ومحلية كللت بنجاح وكانت الهيئة المشرفة على هذه الانتخابات قد اعلنت قبل أيام النتائج الأولية التي فاز فيها الحزب الحاكم، كما أعلن عن آخر موعد إنتخابي للبلاد والمزمع تنظيمه في 25 من هذا الشهر ، نجاح كل هذه المواعيد الانتخابية وقبلها الرئاسيات هل يعتبر مؤشرا على استقرار تشاد سياسيا ؟
بالتأكيد أن جل هذه المواعيد الانتخابية التي أجريت وبكامل مساراتها بما فيها وعليها، نقلتنا من المرحلة الانتقالية إلى الحكم الدستوري حتى ولو ظلت هناك كثير من العوائق إلا أنها تعتبر خطوة نحو الاستقرار السياسي والذي بلا محالة يحتاج إلى مؤسسات محترمة من أجل بناء دولة قوية بالقانون وليس بالأشخاص.
حاورته : كاميليا أمير