تصعيد دبلوماسي خطير بين الجزائر وفرنسا
بقلم / كليبي بدرالدين
دخلت العلاقات الجزائرية – الفرنسية منعرجًا شديد الحساسية بعد إقدام السلطات القضائية الفرنسية على توقيف موظف قنصلي جزائري معتمد لدى قنصلية الجزائر بكريتاي، ووضعه رهن الحبس المؤقت، على خلفية مزاعم تتعلق بقضية المدعو “أمير بوخرص” المعروف إعلاميًا بـ “أمير دي زاد”، وهو شخصية ملاحقة قضائيًا من قبل الجزائر بتهم تمس أمن الدولة.
احتجاج رسمي جزائري وخرق فاضح للاتفاقيات الدولية
في بيان شديد اللهجة، دعت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية سفير فرنسا بالجزائر، السيد ستيفان روماتي، وأبلغته احتجاج الجزائر الرسمي على هذا الإجراء الذي وصفته بـ “غير المسبوق والخطير”، مؤكدة أن ما حدث يمثّل “خرقًا صارخًا للامتيازات والحصانات القنصلية، وتجاوزًا فاضحًا للأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها دوليًا”.
البيان أشار إلى أن الموظف القنصلي تم توقيفه في الطريق العام دون إشعار مسبق للسلطات الجزائرية، ما يتعارض مع اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لسنة 1963، ويؤكد أن هذا التحرك القضائي الفرنسي يفتقر إلى الأساس القانوني السليم، إذ استند فقط إلى وجود هاتف الموظف قرب مكان إقامة الشخص محل البحث.
“أمير دي زاد” .. ذريعة أم واجهة لتصفية حسابات ؟
الأوساط السياسية الجزائرية تعتبر أن فرنسا تجاوزت الخطوط الحمراء بإقحام موظف دبلوماسي جزائري في قضية قضائية ذات طابع سياسي، خاصة أن “أمير دي زاد” يُعد من أبرز الشخصيات التي استغلت مواقع التواصل لنشر محتويات تحريضية ضد مؤسسات الدولة الجزائرية، وهو مدان قضائيًا بملفات ثقيلة.
ولعل ما يثير التساؤل أكثر هو التوقيت. ففي الوقت الذي كانت فيه العلاقات بين الجزائر وباريس تعرف نوعًا من الانفراج النسبي، عقب مكالمة هاتفية بين الرئيس عبد المجيد تبون ونظيره إيمانويل ماكرون، تأتي هذه الحادثة لتنسف جهود إعادة الثقة، وتطرح علامات استفهام حول نوايا بعض الدوائر الفرنسية التي يبدو أنها غير راغبة في إعادة ترميم العلاقة التاريخية المعقدة بين البلدين.
الجزائر تحذّر : لن نترك الموقف دون تبعات
السلطات الجزائرية أكدت في بيانها أنها لن تلتزم الصمت أمام هذا “الاعتداء غير المقبول”، مشددة على أن حماية ممثليها بالخارج هي خط أحمر لا يمكن تجاوزه. كما لفتت إلى أن بعض الجهات الفرنسية تسعى لتقويض كل محاولة لبناء علاقة متوازنة وندية، من خلال افتعال أزمات دبلوماسية غير مبررة.
ومن المرتقب أن تتخذ الجزائر خطوات تصعيدية إذا لم يتم الإفراج الفوري عن الموظف المحتجز، وقد تشمل هذه الخطوات مراجعة مجالات التعاون الثنائي، أو حتى استدعاء السفير الجزائري بباريس للتشاور، في سابقة قد تعيد إلى الأذهان أزمات سابقة لا تزال تأثيراتها حاضرة في الذاكرة الدبلوماسية بين البلدين.
هل نحن أمام عودة مناخ ما بعد الاستعمار ؟
في نظر عدد من المحللين، فإن ما حدث يكشف عن خلل عميق في تعامل فرنسا مع شركائها المغاربيين، وتحديدًا الجزائر. فرغم الخطابات الرسمية حول “الشراكة الاستراتيجية” و”الاحترام المتبادل”، لا تزال الممارسات الميدانية تعكس منطقًا قديمًا قائمًا على الهيمنة والتفوق السياسي، وهو ما لم تعد الجزائر تقبله، خاصة في ظل ما تعرفه من تحولات داخلية وهيكلة جديدة لعلاقاتها الخارجية.
خلاصة : أزمة الثقة تتجدد
ما بين الاعتداء على الامتيازات القنصلية، واللعب بورقة شخصية مطلوبة من العدالة الجزائرية، وتجاهل الأعراف الدبلوماسية، تدخل العلاقات الجزائرية-الفرنسية مرحلة دقيقة قد تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، في مشهد لا يليق بتقاليد دولتين ترتبطان بتاريخ معقّد، لكنه يستحق أن يُبنى على الاحترام لا على الاستفزاز.
السؤال المطروح الآن: هل ستتدارك باريس خطأها، أم أن التصعيد سيُفتح على مصراعيه في واحدة من أخطر الأزمات الدبلوماسية بين البلدين خلال السنوات الأخيرة؟