المرتزقة الأفارقة في الاستراتيجية المغربية
بقلم : بدر الدين كليبي
انتشرت رسائل كثيرة هذه الأيام على منصات التواصل الاجتماعي يدعون فيها المهاجرين الأفارقة الى دخول المغرب، وهذا ما يطرح أسئلة كثيرة حول المغرب ومشروع مرتزقة الجيش الرمادي.
في قلب التحولات العنيفة التي تشهدها منطقة شمال إفريقيا والساحل، تتقدم بعض الدول بسياسات ظل تتقاطع مع مبادئ القانون الدولي والعدالة الإنسانية. المملكة المغربية، التي لطالما سعت لتكريس نفسها كقوة إقليمية صاعدة، لم تتردد في انتهاج أساليب غير تقليدية في معارك النفوذ والتموقع، خاصة أمام خصمها الإقليمي: الجزائر.
ضمن هذا السياق، تبرز مؤشرات مقلقة توحي بمحاولة المغرب تطويع المهاجرين الأفارقة غير النظاميين كأداة جيوسياسية، بل كمورد بشري لـ “جيش مرتزقة” صامت، يعمل خارج القانون، وبعيدًا عن أعين الرأي العام الدولي.
أولًا : الهجرة غير النظامية كأداة سيادية في يد النظام المغربي
لقد تعاملت المؤسسة المخزنية مع الهجرة الإفريقية بوجهين متناقضين. ففي العلن، سعت إلى تقديم صورة الدولة الحاضنة، الرائدة في “إدماج المهاجرين” و”تنظيم وضعيتهم القانونية”. لكن على الأرض، حافظت على وضع هش ومُعقَّد لآلاف المهاجرين الأفارقة الذين تكدسوا في مدن حدودية كشمال الناظور وطنجة، بلا حماية، ولا إطار قانوني واضح.
هذا الوضع لم يكن عفويًا. بل يمثل أرضية مثالية لخلق طبقة بشرية قابلة للتجنيد، والاستغلال، مقابل المال أو الحماية من الترحيل.
ثانيًا : تحالفات استخباراتية وحاجة إلى أذرع ميدانية غير رسمية
يأتي هذا التوجه في إطار طموح المغرب للعب أدوار أمنية وعسكرية في مناطق التماس الإفريقية.
فمنذ تطبيعه مع إسرائيل، دخل المغرب في شبكة مصالح أمنية تشمل التدريب، التجهيز، وحتى التنسيق العملياتي في قضايا الحدود والهجرة.
وفي منطقة كالساحل الإفريقي، حيث تزداد الفراغات الأمنية، يجد المغرب نفسه في حاجة إلى أدوات مرنة وغير رسمية للتحرك، دون تبعات قانونية أو دبلوماسية. وهنا، يظهر خيار “المرتزقة المهاجرين” كحل مفضل، يتيح له ممارسة تأثير غير مباشر، وتفادي الإدانة.
ثالثًا : المرتكزات الإيديولوجية: فلسفة الاستغلال والاحتقار
تقوم الرؤية المخزنية، تاريخيًا، على مبدأ التفوق الهرمي: الملك في القمة، ثم النخبة، فالشعب، وأخيرًا “الآخرون”.
وفي هذه المنظومة، لا يُنظر إلى المهاجر الإفريقي إلا كأداة: عبء داخلي، وفرصة خارجية.
ومن هذا المنطلق، يصبح تجنيدهم في مهمّات أمنية أو قتالية، عملية “تدوير للأزمة”، تُخفف الضغط الداخلي، وتخدم الأجندة الخارجية.
رابعًا : شهادات ميدانية ومؤشرات على التجنيد الصامت
وفق مصادر ميدانية، يتم تمرير رسائل وإغراءات عبر وسطاء، تستهدف مهاجرين من مالي، النيجر، وبوركينا فاسو تحديدًا. العروض تتضمن المال، الإقامة، أو “عدم الترحيل”، مقابل المشاركة في مهمات “غامضة”، غالبًا على الحدود أو داخل أراضي دول مجاورة.
في ظل غياب الشفافية، وغياب أي موقف رسمي من السلطات المغربية، يبقى هذا الصمت السياسي مؤشرًا على وجود تساهل — إن لم نقل تواطؤ — مع هذه الممارسات.
خامسًا : الغايات الجيوسياسية المحتملة من تشكيل هذا “الجيش الرمادي“
1/ الرد غير المباشر على الجزائر
استخدام عناصر غير نظامية في تحريض، استطلاع، أو حتى تفجير صراعات داخلية في مناطق حساسة من الجزائر، قد يمثل وسيلة لتخفيف الضغط الإقليمي عن الرباط، وفرض توازن رعب جديد.
2/ التوسع في الساحل الإفريقي
بعد الانقلابات المتتالية في مالي وبوركينا، وتسارع الانسحاب الفرنسي، أصبح الساحل مفتوحًا أمام قوى جديدة. وهنا، يجد المغرب في وحدات المرتزقة أداة تدخل مواربة، يصعب تتبعها.
3/ خدمة المصالح الإسرائيلية
في ظل التحالف مع إسرائيل، قد تُوكل لهؤلاء المرتزقة مهام لحماية بعثات إسرائيلية، أو تنفيذ عمليات أمنية تخدم مصالح تل أبيب في إفريقيا، دون كشف دورها المباشر.
سادسًا : خرق للقانون الدولي واستغلال فجّ للهشاشة الإنسانية
ما يجري يمثل انتهاكًا صريحًا لاتفاقية جنيف 1989 لمناهضة تجنيد المرتزقة، التي تُدين أي استخدام لأشخاص غير مواطنين في أعمال قتالية خارج القانون.
كما أنه ينتهك المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، لا سيما تلك المتعلقة بعدم استغلال الفئات الهشة، وضمان الحماية للمهاجرين واللاجئين.
سابعًا : المسؤولية الأخلاقية والسياسية للمجتمع الدولي
إن صمت أوروبا — وخاصة فرنسا وإسبانيا — على هذه الممارسات، لا يمكن تفسيره إلا ضمن منطق “التفويض بالوكالة”، حيث تُكلَّف دول الجنوب بضبط المهاجرين أو تحريكهم، وفقًا لمصالح الشمال.
وهذا الموقف ليس فقط غير أخلاقي، بل يُشكل تواطؤًا ضمنيًا مع سياسات استغلالية تمهد لانفجارات مستقبلية.
خاتمة : التحذير والرد
إن المشروع المغربي، في هذا السياق، لا يمثل فقط تهديدًا للجزائر، بل لكل النظام الإقليمي.
تجنيد المهاجرين كمرتزقة هو إعلان موت لفكرة “التضامن الإفريقي”، وانحدار خطير نحو عسكرة الفقر، وتسليع الإنسان.
وعليه، فإنّ التصدي لهذا المشروع يتطلب تحركًا جزائريًا حازمًا، دبلوماسيًا وحقوقيًا، وتفعيل آليات الاتحاد الإفريقي لكشف هذه السياسات، وفضح الصمت الأوروبي ومساءلة المتواطئين، وأخيرًا، حماية المهاجرين الأفارقة من أن يتحولوا إلى وقود لمعركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.