الإعلامي والخبير السياسي التشادي في الشؤون الإفريقية ، إبراهيم زين كونجي في حوار مع “أفريكا نيوز”:
حاوره : الدكتور رضوان بوهيدل

“فرنسا ليس لها أيّ دور ، ولن يكون لها دور في المستقبل القريب في منطقة الساحل”
“الجزائر شقيقة كبرى وهي دولة مركزية ومحورية لها تاريخ في قيادة المنطقة”
“الجزائر تعاملت بشكل مسؤول وبشكل أكثر من المطلوب ، دبلوماسيا واستخباراتيا”
“انسحاب قوات فرنسا من بعض الدول هو في الحقيقة طرد وليس انسحاب”
“الأوضاع في تشاد لم ترتق إلى مستوى الدولة ، وهي أقرب أن تكون مجموعة “عصاباتية”
“السلاح منتشر في الشارع التشادي في كل مكان ، بنفس المستوى المتواجد في أيدي الترسانة العسكرية للجيش”
“الدور الفرنسي تقلص بشكل عام بمنطقه الساحل الافريقي بالذات وبشكل غير مسبوق”
تحدث الإعلامي والخبير السياسي التشادي في الشؤون الإفريقية، إبراهيم زين كونجي، عن الأوضاع الأمنية السائدة في الوضع الراهن بمنطقة الساحل الإفريقي، والتي تعاني من انفلاتات وتوترات في الفترة الأخيرة بمباركة فرنسية على حد تصريحاته في الحوار الذي خص به “أفريكا نيوز”، حيث فتح النار على فرنسا وقياداتها السياسية والعسكرية، مشيدا في الوقت ذاته، بالدور الريادي الذي تلعبه الجزائر، سواء بمنطقة الساحل أو القارة الإفريقية، على كافة الأصعدة، الدبلوماسية والسياسية.
كيف تقيّمون الوضع الأمني والسياسي الرّاهن في منطقة الساحل الإفريقي ؟
الوضع الأمني والسياسي في منطقة الساحل الإفريقي هو مرحله انتقالية، وهو نتاج لمراحل سابقة ومستمرة لعقود، سواء سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا وأمنيا، وبالتالي فإن عدم الاستقرار والاختلال الأمني والسياسي لعقود من الزمن، من الصعب جدا محوه في فترة وجيزة، وإيجاد الحلول له، وهي مرحلة مؤقتة، ومن السابق لأوانه أن نحكم عليها بالنجاح أو بالفشل في آن واحد، وعلينا أن نترقب وننتظر المزيد من الوقت، والفترات القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت، وسنرى الكثير والكثير من التغيرات، حينها لكل حادث حديث.
ما انعكاسات هذا الوضع على الداخل التشادي، خاصّة في ظلّ التّحدّيات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها البلاد ؟

تشاد ليست بمنأى أو بعيده عن الأوضاع في المنطقة، فهي جزء من هذه المنطقة، بل وفي قلب الأحداث، وحتى فهي في قلب المنطقة جغرافيا، وخاصة الأوضاع في السودان، ونحن قد دخلنا في العام الثالث من الأزمة المستعرة والنيران المشتعلة، دون أن ننسى التداخل الاثني والعرقي والقبلي والترابط الاجتماعي الضارب في الجذور، حتما ستكون هناك تأثيرات، ولكن الأوضاع الداخلية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية في الداخل التشادي هي متباينة بشكل كلي مع دول العالم أجمع، وخاصة في المنطقة،
واختلال الموازين وغياب الحكومة ونظام الحكم الرشيد والعادل والإدارة المسؤولة والشفافية والقانون والعدل والإدارة السوية والمؤسساتية جلها تغيب في تشاد، فمع الأسف الأوضاع في تشاد أو في الداخل تشادي لم ترتقي إلى مستوى الدولة، وهي أقرب إلى أن تكون مجموعة عصاباتية، في نظام فاشي عائلي الديكتاتوري مستبد. فالأمور أصلا ليست قائمة على ميزان من الموازين المؤسساتية، وبالتالي تشاد في وضعية حرجة جدا، وستظل حرجة ولطالما كانت هكذا، وستظل حرجه جدا، إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن.
هل ترون أن تشاد أصبحت اليوم في موقف أكثر ضعفا أم أكثر مركزية في خارطة الساحل ؟

تشاد لم تكن دولة مركزية في خارطة دول الساحل الإفريقي، لا في السابق ولا في الحاضر، لكن وفي فترة مؤقتة من 2014 فما فوق لعبت دور محوريا بالتجارة بالجيش أو المحاربين أو المقاتلين التشاديين أو الارتزاق، وذلك في التدخلات الفرنسية في دول المنطقة، فبدأت تزج بالمقاتلين بهذه الدول والبعض يسميه بالجيش، لكن لدي تحفظ على مسمى “جيش” في داخل تشاد، فما في داخل التشادي لا يتماشى مع الأعراف العسكرية في التاريخ الجيوش، فالجيش ليس مدرب المسميات العسكرية، وليس متعلم ولا يعترف بالقوانين العسكرية،
فإن القائد في الجيش التشادي تجده وصل إلى هذه المناصب فقط بالعلاقات الاجتماعية وليس بالكفاءة العسكرية، تجده رجل أمي، أكبر عدد من الجنرالات في جيوش العالم تجده في الجيش التشادي، ففي جيش قوامه أقل من 50.000 فرد عسكري نجد حوالي 400 جنرال، وأغلبهم لا يجيد القراءة ولا الكتابة، وصلوا لتلك الرتب فقط انتمائهم العرقي وصلاتهم الشخصية، وحضورهم الميداني في المجتمع التشادي، والذي يعتبر مجتمع متناحر ومتقاتل وشرس منذ القدم، يعرف القتال، وبالتالي يستطيعون القتال، خاصة أن السلاح منتشر في الشارع تشادي في كل مكان بنفس المستوى المتواجد لا في أيدي ترسانة الجيش، ولذلك نجدهم في التدخلات العسكرية الفرنسية في المنطقة، ولهذا كسب شعبية لكنها مجرد زوبعة إعلامية من قبل الإعلام الفرنسي، وإلا فإن هناك اعتراضات كثيرة وخروقات كثيرة وتجاوزات أكثر، وأشياء لم تعد اليوم لا في صالح تشاد ولا في صالح التشاديين ولا الجيش التشادي، وباختصار وضعية تشاد هي أصلا هامشية، ستتلاشى حتما بغياب اللاعب الأساسي وهو الجيش الفرنسي، بحكم أن القواعد الفرنسية أغلقت والجيوش الفرنسية طردت من مناطق مختلفة من الساحل الإفريقي، فلا مكان لتشاد ولا الجيش التشادي إقليميا.
تراجع النّفوذ الفرنسي في الساحل بات واضحا ، كيف تنظرون إلى هذا التحوّل ؟ وهل هو انسحاب حقيقي أم إعادة تموضع ؟

إن دور الفرنسي تقلص بشكل عام بمنطقه الساحل الافريقي بالذات، وبشكل غير مسبوق، وهذا التقلص له أسباب وتداعيات وحتى قبل الوصول إلى هذه المرحلة فان التجاوزات الفرنسية والسيطرة الفرنسية والتدخل السافر في الشؤون الداخلية والاستحواذ الكلي على الموارد والثروات وسيادة القرار في منطقة الساحل الإفريقي بشكل خاص، والمستعمرات الفرنسية في إفريقيا وجنوب الصحراء، هو ملحوظ بشكل كبير منذ زمان بعيد، وهناك وعي وإدراك من طرف الشارع الإفريقي وتذمر كبير جدا ومحاولات حديثة منذ فترة طويلة، على قدم وساق، من أجل التخلص من هذا العبء الثقيل، من هذا الاستعمار القائم بشكل مفرط ومجحف، والسلطات الفرنسية حقيقة عجزت أن تتفهم مستوى الوعي والادراك لهذه الشعوب، وفشلت في التعامل مع هذه الأوضاع لفترات طويلة،

إلى أن وصلت إلى المرحلة التي وصلنا إليها، بداية بقطع العلاقات مع فرنسا بشكل عام وبتر العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، وكذلك طرد القوات الفرنسية التي كانت متواجدة في هذه الدول منذ عقود من الأزمنة، فهذا الانسحاب من بعض الدول هو في الحقيقة طرد، خاصة من مالي وبوركينافاسو والنيجر مثلا، وهذه هي الحقيقة، بأن القوات الفرنسية أجليت قهرا خاصة في النيجر، ففرنسا حاولت بقدر ما تستطيع وبكل ما يمكن من السبل للبقاء،
حتى لا يتكرر المشهد في بقية الدول، ولكنها عجزت وفشلت وما وصلت إليه من مراحل هو في الحقيقة كان صراع وأزمه ومعارك، فقط غاب عن المشهد الاقتتال والتصادم المباشر، بسبب قوه التلاحم بين معسكر دول التحالف، ولكن في المقابل فرنسا حاولت أن تسرع وتحفظ شيء من ماء الوجه وبطريقة غير مباشرة في بعض الدول، حيث أدعت أنها انسحبت أو أوقفت التعاون العسكري، في تشاد مثلا وكوديفوار وغيرها، وفي الحقيقة هي مجرد ذر الرماد في العيون، وإعادة تموضع ومحاولة الالتفاف على مطالب الشعوب بالتخلص عن الهيمنة الفرنسية، ومرة أخرى دول الساحل الثلاث النيجر بوركينافاسو ومالي هي من قطعت العلاقات مع فرنسا، وهذه الأخيرة ليس لها أي دور ولن يكون لها دور في المستقبل القريب في منطقة الساحل الإفريقي.

هل لا تزال فرنسا تعتبر شريكا استراتيجيا لتشاد ؟ أم أن هناك اتجاها نحو تنويع الشراكات مع قوى جديدة ؟
في المستعمرات الفرنسية في إفريقيا، جنوب الصحراء، فرنسا ليست شريكة، بل هي مهيمنة على هذه الدول ومسيطرة على القرار السيادي، الذي بقي في يد فرنسا، ومصادر وثروات وخيرات دول المنطقة بيد فرنسا، وهي تتحكم فيها بشكل كلي، ففرنسا لا تريد خيرا لهذه الدول، ولن تتركهم ليكون لهم فرصة حتى في تقرير مصيرهم أو حتى لاستفادة من ثرواتهم، ولا في اختيار من يحكمهم، فرنسا متسلطة ومتحكمة في هذه الدول وتشاد من بينها، فهي إل غاية الساعة لا تملك قرارها، والسلطات التشادية ومثلها في بقية الدول المستعمرات الفرنسية في جنوب الصحراء إذا استثنينا ثلاثي تحالف الساحل التي استقلت وتحررت من السطوة الفرنسية، مالي وبوركينافاسو والنيجر، أما بقية الدول الإفريقية جنوب الصحراء مازال قرارها في يد فرنسا، وهذه الأخيرة من تتحكم فيهم كما تشاء، وإداراتهم وسياساتهم باتت مسلوبة الإرادة، كما لا أنسى السنغال أيضا بعد الانتخابات الأخيرة.
كيف تفسّرون الحضور الروسي المتزايد في دول الساحل ، خاصة بعد الانقلابات في مالي وبوركينافاسو ؟
أعتقد أن الحضور الروسي عسكريا في منطقة الساحل الإفريقي هي نتيجة طبيعية للانقلابات العسكرية المتسارعة، فعندما وقع الانقلاب العسكري في جمهورية مالي في عام 2021 بوحدة القوات الخاصة، وهي مجموعة رافضة للتواجد الفرنسي، فبالتالي لا بد من الاستقواء بقوة دولية، وإلا فرنسا ستتعامل كما تعاملت مع الدول الإفريقية أخرى، في أمور أقل من هذا عسكريا، والدول الكبرى سواء الولايات المتحدة الأمريكية أو الصين أو بريطانيا، وحتى إقليميا كالجزائر مثلا ليس عندهم الاستعداد لاحتواء الوضع على الأرض، أو على الأقل في مواجهة فرنسا، فهم غير مستعدين، فهذه المجموعة العسكرية هم قوات خاصة وخبراء عسكريين وهم على دراية بالنوايا المبطنة الفرنسية، لم يستعينوا بقوة أخرى، لكن مالي دولة صغيرة يملك جيش صغير،
ولا يملكون التجربة أو الخبرة العسكرية أو التمرس في القتال، وبالتالي كان من السهل جدا على فرنسا تتدخل وتتغطى بغطاء الدول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، فتعيث فيها الكثير من الخراب والدمار، لذلك استعانوا بروسيا، وبمجيء قوات روسية، فرنسا لم ولن تستطيع أن تتدخل، وكانت هناك حاجة ملحة للجوء إلى الروس، كما أن المجموعة الانقلابية كانت مضطرة للاستعانة بالقوات الروسية لدفع شر فرنسا، وبعد ذلك بعام وقع انقلاب عسكري آخر في بوركينافاسو، وبنفس الأسباب وبنفس الوسيلة وبنفس المعطيات واستعانوا بالوجود الروسي، وروسيا حقيقة كثفت وجودها في تلك الفترة عسكريا بقوات “فاغنر”، وبعد ذلك من خلال “الفيلق الإفريقي” الدول الماسية الروسية ووزارة الدفاع الروسية كثفوا حضورهم وأمر طبيعي جدا، فبعد ذلك النيجر والتي في البداية لم تحتمي بالروس، ولكن بأمر الواقع هناك كونفدرالية الساحل، التي كانت عندهم علاقات مع روسيا، لكن لا نريد أن يتم فهمنا بالمفهوم الغربي، أي “إن لم تكن معنا فأنت ضدنا”، أو وجود الروس هو استبدال استعمار باستعمار آخر جديد، ولن يكون تواجد روسي على وزن التواجد الفرنسي السابق، الذي أضر بهذه المنطقة كثيرا، وأخذ منها كل ما عندها من موارد، وقد جعلت من تلك الموارد فرنسا من أقوى الاقتصاديات في العالم، وأكثر الدول العالمية صناعيا وتقدما وتطورا، وجعلت هذه الدول في المقابل صاحبة المصادر، من أفقر الدول العالمية وأكثرها تخلفا، فروسيا لن تصل إلى تلك المرحلة، ولن تتدخل في شؤونهم السياسية الداخلية، ولن تكون سيادة القرار الداخلي في يد الروس، وهي تحالفات عسكرية لمواجهة الاعتداءات الفرنسية المحتملة.
هل هناك حراك حقيقي داخل تشاد لفتح المجال أمام قوى دولية أخرى مثل الصين وتركيا ؟
لا أعتقد داخل تشاد إلى حد اللحظة، فالقرار السيادي الأول والأخير في يد فرنسا، والحكومة التشادية الحالية هي حكومة مسلوبة للإدارة، حيث انبثقت من الوصايا الفرنسية، التي تمتلك وتتحكم في كل شرايين هذا البلد، أما الوجود الصيني والتركي وغيره فهو مجرد وجود شكلي إلى حد اللحظة، وهو تعاون هامشي،
لن يصل إلى العمق، ولن يكون على حساب التواجد الفرنسي أبدا، فضلا أن هناك حتى بعض القوات المرتزقة الأخرى أتت من جمهورية المجر، باتفاقية عسكرية، يسهرون على حماية الرئيس ومن حوله وكذا القصر الرئاسي، لكن كل هذا مجرد حضور بسيط وطفيف، ففرنسا وإن زعمت أنها سحبت قواتها العسكرية هو مجرد ذر الرماد في العيون، فوجودها مكلف بالنسبة لهم اقتصاديا، بالإضافة إلى رفض الشعوب لهم في المنطقة تزداد يوما بعد يوم، وقد تكلف تواجد قواتهم أكثر من الخسائر السابقة، لذلك قاموا بسحبها، ولكن ما زال الرأي والأمر والقرار التشادي في يد فرنسا، فهي ما زالت تتحكم وفرنسا ما زالت جاثية على صدر هذا البلد وعلى شعبها وتدوسها في وحل التخلف والفقر والجوع، وحتى الانفلات الأمني.
ما موقف تشاد الرسمي والشعبي من التحالف العسكري الثلاثي بين مالي والنيجر وبوركينافاسو ؟
تشاد جزء من منطقة الساحل الإفريقي، وهناك ترابط كبير، سواء اجتماعي أو ثقافي بين تشاد و دول هذه المنطقة، والموقف الشعبي يبدو مؤيدا بشكل كلي، بل متمنيا أن تحصل في تشاد، مثل ما حصلت في هذه المنطقة الجارة، أما على الصعيد الرسمي، وهي الحقيقة الآن، أن القيادة التشادية وكأنها تستخدم من قبل فرنسا كحصان طروادة، قد تبدو أنها متحالفة أو متقاربة مع هذه المنطقة، ولكن طالما أن القرار السيادي في تشاد ما زالت في أيدي فرنسا، وهي من تتحكم في البلاد، فمن المستحيل أن تكون رسميا متوافقة مع ما يجري في منطقة الساحل وخاصة الدول الثلاث، وإن تظاهرت بذلك من خلال بعض الزيارات الطفيفة والخجولة بشكل طفيف، وإن كانت القيادة التشادية السياسية صادقة وفعلا متوافقة مع هذه الدول، لكانت انظمت إليهم في كونفدرالية الدول الثلاثة، لتصبح الرابعة بينهم، لكن لو كان هناك أي انقلاب عسكري، وقع خارج الإرادة الفرنسية، حتما ستنظم لهم، بين عشية وضحاها.
هل ترون أن هذا التّحالف يمكن أن يغيّر موازين القوى في الساحل ؟
نعم، هذا التحالف للدول الثلاث قادرة تغيير الوضعية، وخاصة في مواجهة المجموعات المسلحة التي عاثت في هذه البلاد كثيرا من الخراب والدمار والفساد، ومن ترويع الآمنين والأعداء للمواطنين العزل وتهجيرهم وقتلهم، فهذه الدول تضررت كثيرا وكثيرا، وبهذا التحالف في المستقبل القريب هناك تفاؤل كبير أن يأتي بشيء من الأمن، وكل ما دمر وخرب خلال عقد من الزمن، ليس من السهل أو اليسير أن تسترد في فترة وجيزة، وللأسف هذه المجموعات المسلحة المجرمة مدعومة من قبل جهات خارجية ودول عظمى،
المؤسف أن هذه المجموعات “المارقة” لها من التسلح ما هو أكبر وأعلى بكثير من جيوش هذه البلدان، أما القادة الجدد لدول التحالف يعرفون من أين أتى هذا السلاح، وأعلنوا في أكثر من مرة، وفي أكثر من صعيد، حيث اتهموا فرنسا حرفيا بأنها هي من تقف وراء هذه المجموعات المجرمة، لتساهم أو لتعزز اختلال الأمن وزعزعة الأمن وعدم الاستقرار، للإشارة فإن هذا التحالف العسكري ليس قوة معادية للمنطقة، أو لأي دولة شقيقة أو مجاورة، بقدر ما هي تبحث عن حماية أمنها الداخلي، ومواجهة التهديدات الخارجية من فرنسا وحلفائها في المنطقة، وقبل أيام صرح الرئيس البروكينابي “إبراهيم طراوري”، متهما دول مجاورة على غرار كوديفوار والبينين، وربطه بالتواجد الفرنسي هناك، وكيف يقومون بالتخطيط لقلب الموازين وزعزعة الأمن في بوركينافاسو، وكذلك هناك قادة عسكريين فرنسيين يشرفون ويدعمون المجموعات الإجرامية المسلحة النشطة في منطقة الساحل الافريقي، ومن خلال هذا التصريح كان من واضح جدا أن هناك مخاوف كثيرة، وهذه الدول هي صغيرة، وتكويناتها العسكرية صغيرة العدد والعتاد، لذلك وجب أن يتحالفوا معا، خاصة أن كلها جارة و”عدوهم” الداخلي والخارجي واحد، فأن يقفوا معا ليحموا أنفسهم، ومنه هناك تفاؤل كبير في الشارع في هذه الدول، لجلب الاستقرار والأمن والأمان وخاصة في المستقبل القريب.
كيف تنظرون إلى التوتّرات القائمة بين الجزائر ومالي ، خاصة بعد إسقاط الطائرة بدون طيار ؟

التوتر القائم بين الشقيقتين الجارتين الجزائر وفرنسا لم يسبق له مثيل في تاريخ الجارتين، وهو شيء مؤسف جدا، وشخصيا لم أتوقع أن تصل إلى هذه المرحلة من التصعيد المتبادل، وهو لا يعود إلى اسقاط الطائرة بدون طيار المالية، فالمسألة تعود إلى قبل ذلك بفترة، حيث أن الجزائر كانت راعية في الاتفاقيات المصالحة بين فرقاء الماليين، خاصة الأحزاب المتمردة في 2015، لكن بعد الانقلاب الأخير، فالأمور تغيرت على الأرض كثيرا، من 2015 إلى غاية 2021، حيث انقلبت الموازين والأمور في الميدان ولعدة أسباب، فمع الكثير من التقلبات فهذه المجمعات المتمردة في مالي بدأوا ينشطون، وكان هناك اجتماع لتلك القوة العسكرية والمدنية المعارضة في مالي، لتشاور والحديث عن “اتفاقية الجزائر” دون مشاركة المجلس العسكري الحاكم، ومن هنا بدأت الأزمة في اعتقادي، وأظن من بادرة حسن النية من الجزائر،
ولكن لا يعقل أن يكون هناك اجتماع وحديث عن وقف اطلاق النار، وعن اتفاقية سابقة دون اشراك المجلس العسكري الحاكم، وفي تقديري من هنا بدأ التوتر وسوء الفهم، واستمرت الأمور وإلى أن وصلنا مرحلة اسقاط هذه الطائرة، وبعد ذلك سحب السفراء وغيرها، ونتمنى أن يزول هذا التوتر، وأن يسود الاستقرار وأن تعود الأمور إلى سابق عهدها، فهناك علاقات ودية وأخوية بين الجزائر ومالي، خاصة قديما، وضاربة في الجذور، ففي حرب التحرير للنضال الجزائري، كانت مالي أكثر دولة وقفت في صف الجزائر من إفريقيا جنوب الصحراء، خاصة أثناء حكم الرئيس “موديبو كايتا”، والذي حتى انقلاب عسكري خسر سلطته وعانى حتى عذب وقتل، كما لعب أيضا دور الوسيط بين الجزائر والمغرب بعد 1963، والجزائر وفاء منها وردا للجميل أسقطت تأشيرات الدخول على حامل الجواز مالي طوال هذه الفترة، وبالتالي في الفترة الحالية أنا شخصيا أرى أن الكرة في ملعب الجزائر، فالجزائر شقيقة كبرى وهي ودولة مركزية ومحورية لها تاريخ في قيادة المنطقة، فهذا التوتر وهذا السجال وهذا التصعيد ليس من مصلحة أحد، لا يخدم الجزائر ولا يخدم مالي ولا يخدم المنطقة ولا يخدم القارة، لذلك أتمنى من القيادة في الشقيقة في الجزائر أن أن تكون مستوى المسؤولية ومراعاة مختلف الظروف والأمور، من أجل الأخوة والمودة وحتى يسود الحب والوئام والأمن والأمان والاستقرار في هذه المنطقة.
هل يمكن أن يؤدي هذا التوتّر إلى شرخ في جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة ؟
هذا الشرخ كما سلفت في الإجابة على السؤال السابق ليس من مصلحة أحد، وإن كانت مسألة تواجد ونشاط المجموعات المسلحة النشطة في المنطقة له خصوصية من منطقة إلى منطقة، وكل له طريقته الخاصة في التعامل معها، وحسب الظروف الخاصة لكل طرف، كما أن لهذه المجموعات المسلحة أساليب خاصة تتعامل بها،
من ترويع للآمنين وتهجيرهم وتشريدهم وتفجيرهم وقتلهم وذبحهم ونحرهم، وظروفها تختلف من دولة إلى أخرى، خاصة في منطقة المثلث الحدودي بين الدول الثلاثة مالي والنيجر وبوركينافاسو، أو ما يسمى بـ “الليبتاكوقرمة”، فهي منطقة بعيدة جدا من الجزائر، لذلك لم يكن هناك تعاون مباشر للمكافحة هذه الجماعات الإرهابية، وحتى مناطق نائية من مناطق صناعة القرار بين هذه الدول نفسها، وكذلك المجموعات المجرمة الأخرى مثل بوكوحرام والنشطة في منطقة بحيرة تشاد، والتي أيضا تبعد جغرافيا كثيرا عن الجزائر، فظروف مواجهة المجموعات المجرمة هذه تختلف من دولة إلى أخرى، وكما أسلفت، لم يكن هناك تعاون حقيقي بين الجزائر وبين هذه الدول ككتلة، ولكن التوتر ليس من صالح أي طرف من هذه الأطراف في المنطقة، وما تريده المنطقة وما تريده الشعوب هو الوئام والحب والود والتبادل المشترك الأخوي الودي، وليس هذا السجال القائم الحالي.
ما تقييمكم للدور الجزائري في الساحل؟ وهل تنظر الجزائر في تشاد كفاعل إقليمي مؤثر وموثوق ؟

في اعتقادي دور الجزائر في منطقة الساحل الإفريقي متفاوت، فهناك ما هو فوق الامتياز وهناك ما هو متوسط وهناك ما هو أقل من المأمول، إذا جئنا في مرحلة الحكم العسكري الحالي بعد الانقلاب في النيجر، الجزائر تعاملت بشكل مسؤول وبشكل أكثر من المطلوب دبلوماسيا واستخباراتيا، وحقيقة كان دور قيادي ودور ريادي وقيادي بمعنى الكلمة، دور مشكور لا ينساه من يعنيه أمر المنطقة على جميع الأصعدة، وذكرتنا بدورها بالمنطقة في فترة الجزائر الستينات والسبعينات، في حقبة الزعيم هواري بومدين عندما كان دور الجزائر وحده يوازي القارة، وكانت الجزائر حقيقة ممثل القارة على جميع الميادين وفي الصراعات الإقليمية والدولية،
وذلك الدور هو المطلوب من الجزائر، ومن الخطأ جدا عندما يكون دور الجزائر أقل من ذاك، وطبعا هناك ظروف كثيرة داخلية في الجزائر نفسها وإقليمية وخارجية أيضا قد تعيق، ولكن المطلوب من الجزائر ومن الدول المركزية على مستوى القارة وشعوب القارة، التي تعلق عليها كثيرا من الآمال، فالدور الجزائري في الحيلولة من التدخل العسكري ونشوب الحرب كان دور كبير جدا، ومشكورة في ذلك، الجزائر مسؤولة أكثر، كونها الشقيقة الكبرى والدولة المركزية إقليميا وقاريا، فالمطلوب منها هو أكثر من غيرها، أما على صعيد الدور التشادي كفاعل إقليمي، في الحقيقة ما رأيناه كثيرا أقل من المطلوب وأقل من المأمول، وكباحث تشادي وقارئ تشادي ومعني بشعوري القاري وتشادي خاصة، فالشعب تشادي يطلب الكثير والكثير من الجزائر بمساعدة الشعب التشادي، لأن السلطة القائمة في تشاد اليوم لم تمثل المجتمع التشادي، لا دولة ولا شعبا، وأقل بكثير من طموحات دولة تشاد، ونتمنى من الجزائر تلعب دورا في مساعدة هذه الشعوب المقهورة في المنطقة، خاصة الشعب التشادي، والجزائر لها تاريخ في النضال والوقوف في وجه الظلم والاستبداد والاحتلال، هناك دول كثيرة ساعدت ووقفت مع الشعب الجزائري في فترة الاحتلال الفرنسي، فجميع هذه الدول وتلك الشعوب التي وقفت وآزرت النضال الجزائري، شكرتهم وبادلتهم بالمثل في الشكر، ولم تنس جميلهم، فشعوب المقهورة في المنطقة حقيقة تأمل وقوف الجزائر مع تلك الشعوب في المنطقة بنفس الشكل، وخاصة في تشاد بعيدا عن سياقتها الإعلامية والدبلوماسية بأمانة الشعب التشادي بحاجة إلى التخلص من “الشرذمة” التي أتت بوصايا فرنسية، والتي لم ترتقي إلى طموحات الشعب التشادي، وليست معنية بشأن التشادي والشعب التشادي المقهور والمظلوم ويئن من وطأة هذا الظلم والبطش والتنكيل والخراب والتخريب، ويتطلع إلى التحرر والتخلص من هذه المجموعة المتسلطة وبحاجة إلى دعم إقليمي والدولي، كأنها تقول للجزائر أين أنت ؟
كيف يمكن للجزائر أن توازن بين دور الوسيط ودورها كقوة إقليمية ذات مصالح استراتيجية ؟
بكل التأكيد، ذلك ممكن، وممكن جدا، بل ذلك ما يجب أن يكون، إذا كانت دول أخرى في الشرق والغرب تتدخل في المنطقة وتأخذ مصالحها، على حساب مصالح هذه المنطقة، وتدعي أنها حامية وبقيت أنها وصية وهي متسلطة، فما الذي يمنع من الشقيقة الجزائر أن تكون شريكة في المصالح الاستراتيجية، وقوة إقليمية مرضية عنها، وأيضا تأخذ دور الوسيط في الوقت الذي يحتاج فيه الوساطة، ولابد من الوقوف مع صف المظلوم والمقهور كما عودتنا، وأن تكون مساندة ومؤيدة وراعية لحق المظلوم من هذه الشعوب.
كيف تنظر تشاد إلى مشروع “النيباد” والتكامل الإفريقي ؟ وهل هناك رؤية تشادية واضحة لدعم مشاريع تنموية إقليمية ؟
في تشاد ليست هناك حكومة مؤهلة للرعاية أو الدراسة أو المساهمة في المشاريع الإقليمية وتكامل الإقليمي والقاري، “حكومة فاسدة من أفسد الأنظمة في تاريخ البشر”، وهي مجموعة تتعامل بمستويات أسوأ من عصابات السطو، والخراب والدمار والفساد المالي والإداري والسياسي، وغياب المؤسساتي وغياب القانون وغياب الأمن وغياب أسس الدولة. فضلا أن هناك عرقية، وهناك قبلية، هناك عشائرية، هناك فئوية، هناك تسلط، هناك نهب للمال العام، هناك نهب للثروات، كما أن هناك هدم لمقدرات البلد. فبمثل هذه المجموعة من الخطأ أن يشارك في التكامل الإقليمي والقاري، ومن المجحف أن يطالب منها ما هي ليس أهلا لها.
برأيكم ، ما المطلوب من دول الساحل لإعادة بناء تعاون حقيقي بعيدا عن الاستقطاب الدولي ؟
الدول الساحل سواء تلك المجموعة التحالف الثلاثي، مالي وبوركينافاسو والنيجر وغيرها وبقية الدول الساحل تعتبر دول شبه وليدة، فلا تملك في الحقيقة الإمكانيات السياسية والإدارية والخبرات المهنية الكافية لتقف بنفسها، فهي بحاجة إلى التعاون الحقيقي فيما بينها، ولا ضرر أن يكون هناك تعاون دولي ومع الدول العظمى، والتي لها سبق سياسي وصناعي وتقني، على أن يتعاملوا معهم بالتبادل المشترك، وكذلك بتقاسم المنافع،
لا فلا بأس في ذلك. لكن ما ترفضه الشعوب في هذه المنطقة وكذلك السلطات خاصة في “كونفدرالية الساحل”، هو التسلط الفرنسي المطلق وأخذ جميع ثروات هذه البلدان بدون مقابل ومجانا، في مقابل استيراد الجهل والتخلف والنزاعات الداخلية وصناعة المجموعات الإجرامية المسلحة، العابثة المجرمة، وهذا هو المرفوض تماما من شعوب منطقة، وثروات المنطقة تكفي لهذه الدول وتكفي الاستفادة منها من طرف الدول الأخرى أيضا، لكن عندما تكون هناك معادلة حقيقية للتقاسم المشترك لهذه الثروات والتبادل المنافع، لكن عندما يكون هناك لطرف دون غيرها هو المستغل، هنا الاختلال وهنا المرفوض، فالشعوب وعدت وفهمت وأنها ضد هذا الاستغلال البشع.
هل هناك إرادة سياسية داخلية في تشاد لتقليص الاعتماد على الخارج وتعزيز الأمن الإقليمي الذاتي ؟
ليست هناك سياسة حقيقية داخل تشاد، وليست هناك سلطة شرعية داخل تشاد، فإدريس دبي قبل ثلاثين عاما أتى على ظهر الدبابات مدعوما بفرنسا، وأصبح مأمورا من قبل فرنسا ومسلوب الإدارة لأكثر من ثلاثة عقود، وخلال هذه الفترة خرب ودمر وأفسد في هذا البلد، أجرم في حق تشاد والتشاديين، ما لم يستطيع أن يقوم به حتى لو أتى “التتار” و”هولاكو” لو وصل إلى تشاد، ولن يستطيع أن يفسد بالقدر الذي أفسده “دبي”،
وطوال ثلاثة عقود، لم يهنأ لعام واحد دون ثورات مسلحة مناهضة لسلطته الفاشلة والفاسدة في نفس الوقت، وكل ما أتت حركة من الحركات المسلحة أو ثورة من الثورات أن تكون قابة قوسين أو أدنى من التخلص من حكم “دبي” الفاسد، حتى دخلت القوات الفرنسية برا أو وجوا لمعادلة الكفة لصالح عميلها، إلى أن قتل في معركة من المعارك على يد الثوار التشاديين، وقوات الفرنسية تدخلت وأيضا أرجحت الكفة لصالح قوات دبي ولم يقف إلى هذا، فالحكومة الفرنسية أتت من النافذة الخلفية بطريقة غير دستورية وبطريقة غير قانونية وبطريقة غير شرعية، برغم أنوف الشعب التشادي، حيث جاؤوا بطريقة استفزازية لا تتقبلها حتى الدكتاتوريات العظمى، وابن دبي من المؤسسة العسكرية أتت به فرنسا ووضعته على رأس السلطة، وما زال مستمر على نفس خطوات والده، من القضاء على النسيج الاجتماعي والتفكك الاجتماعي، الطبقية، القبلية، الفساد، نهب المال العام، من قبل مجموعة متسلطة تقوم بتدمير البنية التحتية وتدمير التعليم وتدمير الصحة، وكل ما لا يتوافق مع مفهوم الدولة، وبالتالي هي معتمدة على فرنسا بشكل كامل وإن زعمت أن هناك سحب للقوات الفرنسية وقطع العلاقات، لكن إلى الآن فرنسا هي المتحكمة بشكل كامل، وفرنسا غير مستعدة للتفريط في استحواذها على تشاد وسيطرتها على البلاد، ولكن للشعب التشادي رأي آخر، فهناك عدة حركات مسلحة ثورية مناهضة وهي حقيقة واعدة للتخلص من هذا النظام القائم الغير الشرعي واستبدالها، ولكنها تنقص الدعم الإقليمي والدولي.
أخيرا ، هل أنتم متفائلون بمستقبل الساحل الإفريقي ؟ أم أن المنطقة تتجه نحو مزيد من الانقسام والصراع ؟
التفاؤل موجود، نتفاءل في منطقة الساحل الإفريقي وبقية الدول أيضا، لأنه إذا أخذنا بعين الاعتبار منطقة الساحل خاصة ثلاثي الانقلابات التي حصلت في مالي والنيجر وبوركينافاسو، من الصعب أن تكون أسوأ مما كانت عليها، فهذه الدول كانت دول فاشلة ودول عانت كثيرا من الوصاية الفرنسية الغير الشرعية، عرفت الخراب والتدمير والتخلف والفقر والجوع، ومنه، يصعب أن تكون هذه الدول أسوأ مما كانت عليه، لذلك نحن متفائلون، ونتمنى أن يتوسع هذا التحالف، وأن لا يكون انغلاق وتحجر داخلي، وأن يكون هناك انفتاح على المنطقة إقليميا وقاريا وحتى دوليا، لتعم “الفائدة” المتبادلة بينها وبين الأشقاء وبقية الدول الحلفاء.