رصد 25 مليار دولار كميزانية للجيش الوطني الشعبي سنة 2025
احتفل الجزائريون بكل فخر واعتزاز بالذكرى السبعين لعيد ثورتِهم المجيدة المصادف للفاتح من نوفمبر ، حيث تحتفل الجزائر سنويًا بهذا التاريخ النّضالي المقدّس الذي يُعدّ إحدى أهمّ محطاتِ تاريخ الجزائر في العصر الحديث، كيف لا وهي الثورة التي أدت إلى الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي الذي جثا على صدورِ الجزائريين وعاثَ في أرضها فساداً زُهاء قرن واثنتين وثلاثين سنة، استقلال تطلّب من الشعبِ الجزائري التضحية بالنفس والنفيس، من خلال تضحياتٌ جسامٌ ناهزت المليون ونصفَ المليون شهيد خلال سبع سنوات ونصف السنة من الكفاح المسلّح، في ملحمة ثورية فارقة ومؤثرة وباتت مرجعية لكل الشعوب المتطلّعة للتحرّر من نيرِ الاستعمار والاضطهادِ في أصقاع الأرض.
ويأتي الاستعراض العسكري الضخم في الذكرى السبعين للثورة في سياق تبحث فيه الجزائر عن تأكيد “زعامتها العسكرية” في المنطقة المغاربية وقوتها عربيًا وإفريقيًا وحتى عالميًا (جيشها يحتل المرتبة 26 عالميًا كأقوى جيوش الأرض). وهي الرسائل الموجهة إلى عدة أطراف في الداخل هي رسائل طمأنة للشعب الجزائري بأن جيشه قويًا وقادر على حماية الوطن والشعب من أية مخاطر داخلية وخارجية، ورسائل إلى الخارج وخاصة المغرب الذي يتآمر ويستقوي بالصهاينة بمحاذاة الحدود الجزائرية.
وتعود حالة العداء الجزائرية – المغربية إلى ملفات متعددة، أهمها تطورات إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو، وكذلك التطبيع المغربي- الإسرائيلي الذي يشمل كذلك الجانبين الأمني والعسكري، خصوصًا ما يروج عن تعاون لإنتاج طائرات مسيرة إسرائيلية في المغرب، في وقت تعتبر فيه الجزائر نفسها مهددة من هذا التعاون.
لقد خلدت الجزائر ذكرى سبعينية ثورتها المجيدة، الجمعة الماضية، بطريقة مختلفة وغير عادية هذه المرة، فقد شهدت هذا العام استعراضًا عسكريًا ضخمًا بمشاركة مختلف قوات الجيش الجزائري البرية والجوية والبحرية، شاركت فيه أكثر من مئة طائرة مقاتلة، وطائرات مسيرة، ومئات الدبابات من المخزون الجزائري، كما تم خلاله عرض أسلحة جديدة غير مسبوقة، وشهد حضور الرئيسين التونسي قيس سعيد، والموريتاني محمد الغزواني، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي والرئيس الصحراوي إبراهيم غالي.
وليست هذه المرة الأولى التي تقوم فيها الجزائر باستعراض عسكري بهذا الشكل الضخم، فقبل سنتتين تقريبًا، وخلال الاحتفالات بمرور ستين عامًا على إعلان الاستقلال عن فرنسا، شهدت الجزائر استعراضًا مشابهًا، حضره ضيوف كبار من الخارج وشاركت فيه مئة تشكيلة عسكرية جزائرية.
وكان ذلك الاستعراض الأول من نوعه في البلاد منذ عام 1989، ما يؤكد بأن الجزائر في عهد الرئيس عبد المجيد تبون عازمة على إبراز قوتها العسكرية، خصوصًا مع رغبتها حسب تصريحات رسمية في تأكيد مكانتها الجيوسياسية في المنطقة وهي محقة في ذلك بالنظر لحجمها الجغرافي ورصيدها التاريخي والثوري ومكانتها في العالم.
وكانت تنوي الجزائر تنظيم استعراض بمناسبة الذكرى الخمسينية للثورة عام 2004، لكن الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة قال إنه اضطر إلى إلغاء الاستعراض العسكري “حتى لا يقول هؤلاء وهؤلاء إن الجزائريين يصبون الزيت على النار”، في إشارة حينها إلى الخلافات مع المغرب.
وخلال الاستعراض العسكري كشفت الجزائر عن امتلاكها منظومة الصواريخ الباليستية “إسكندر إي” الروسية، وهي أول مرة تظهر هذه المنظومة في دولة عربية حسب مواقع عسكرية متخصصة. ويبلغ مدى هذه الصواريخ 280 كلم، وهي قادرة على “تدمير أهداف دقيقة ذات قيمة كبيرة” حسب وزارة الدفاع الروسية.
رصد 25 مليار دولار كميزانية للجيش الجزائري سنة 2025
وتطورت ترسانة الجيش الجزائري البرية والبحرية والجوية بشكل لافت بداية من العام 2018، بعد بدء برنامج التطوير الثاني وتحديث قوات وإمكانات الجيش وأسلحته، واقتناء منظومات أسلحة متطورة، حيث شهدت ميزانيات الدفاع ارتفاعًا، فبعدما كانت الميزانية في حدود 18 مليار دولار أميركي عام 2023، وصلت إلى 22 مليار دولار عام 2024، ثم 25.1 مليار دولار في قانون المالية 2025.
فقد رصدت الجزائر 25 مليار دولار كحصة من الميزانية العامة للجيش سنة 2025، وهي الحصة الأكبر للمؤسسة العسكرية في تاريخ البلاد على الإطلاق، والتي تضاعفت 3 مرات في الثلاث السنوات الأخيرة.
وكالعادة حافظ الجيش على حصة الأسد من ميزانية 2025، إذ وصلت إلى 25 مليار دولار، بزيادة 3 مليارات على ميزانية الجيش في 2024، و18 مليار دولار لميزانية 2023.
وتضاعفت حصة الجيش الجزائري من الميزانية قرابة ثلاثة أضعاف حيث قفزت من 9 مليارات دولار سنة 2021 لتصل إلى 25 مليار دولار السنة القادمة، وفقًا لما ورد في مسودة قانون المالية لسنة 2025.
وتعد ميزانية الجيش الجزائري الأكبر في المنطقة المغاربية والقارة الإفريقية، كما يحتل الجيش الجزائري المرتبة الثانية في القارة من حيث القوة وذلك وفقًا لموقع “غلوبال فاير باور” الأمريكي المتخصص.
وتأتي هذه الزيادة غير المسبوقة في الإنفاق العسكري في سياق توترات شديدة بين الجزائر والمغرب، بعد أن قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في أوت 2021 بسبب الخلافات العميقة بين الجارتين حول الصحراء الغربية والتقارب الأمني بين المغرب وإسرائيل.
وحسب مسودة قانون المالية لسنة 2025، التي بدأت تعرض على البرلمان من طرف وزير المالية، قسمت ميزانية الجيش لسنة 2025 على ثلاثة أقسام :
– 1.5 مليار دولار للرواتب والنفقات المختلفة للقوات العسكرية والدرك
-6.5 مليار دولار للدعم واللوجستيات
-13.4 مليار دولار للإدارة العامة
وقد زادت ميزانية الجيش الجزائري بمقدار 3 مليارات دولار مقارنة بالعام السابق، حيث تجاوزت 22 مليار دولار سنة 2024، وتبقى ميزانية وزارة الدفاع في المركز الأول في بنود الموازنة العامة للدولة، التي ستلامس 112.8 مليار دولار (غير مسبوقة) أي ما يعادل قرابة 23% من الميزانية العامة.
ويعمل الجيش الجزائري خلال السنوات القليلة الماضية على عصرنة المؤسسة العسكرية وتنويع مصادر التسلح وفقًا للمستجدات الميدانية التي باتت تعرفها الحروب.
استعراض عسكري باهر
وشهدت العاصمة الجزائر الجمعة الماضية استعراضًا عسكريًا للجيش بمناسبة عيد الثورة التحريرية المظفرة، شاركت فيه مختلف القوات المسلحة، وهو الثاني من نوعه في غضون عامين، بعد عودة هذا النوع من الاستعراضات التي غابت منذ نوفمبر 1989، حتى جويلية 2022.
وتضمن الاستعراض العسكري، الذي حضره آلاف الجزائريين، عرض الجيش الجزائري لترسانة أسلحة دفاعية وهجومية ومنظومات صواريخ حديثة ومعدات تكنولوجية متطورة، بينها منظومة “سميرتش” الصاروخية ذات القدرات القتالية، ومنظومة صواريخ “إس-300″، وسرية من قاذفات الصواريخ “هاوتزر دي-30”. كما تم استعراض منظومة مزودة بصواريخ “برق”، ومضادة للدبابات والمدرعات مختصة في تدمير الأهداف المعادية المتحركة بصورة دقيقة، وجرى استعراض جوي يُحاكي تأمين عبور طائرة رئاسية، واستعراض لمجمع قتالي من طائرات “سوخوي-24” و”سوخوي-30″، كما شاركت غواصات وفرقاطات بحرية في الاستعراض العسكري.
وكانت السلطات قد قررت إغلاق المجال الجوي للعاصمة الجزائر في غضون الأربعة أيام التي سبقت الاستعراض، ووقف تحليق الطائرات المدنية في المنطقة قبل وخلال فترة الاستعراض العسكري، لضمان السلامة وإخلاء المجال للطائرات العسكرية، خاصة أن منطقة الاستعراض قريبة جداً من مطار الجزائر الدولي. كما اضطرت شركة الخطوط الجوية الجزائرية إلى إلغاء 12 رحلة دولية و22 رحلة داخلية حتى انتهاء الاستعراض العسكري، كما جرى تغيير توقيت 40 رحلة دولية و30 رحلة داخلية.
وجرى كذلك إيقاف العمل في ميناء الجزائر للسماح للبوارج البحرية والغواصات وفرقاطات بالمشاركة في الاستعراض العسكري، على الرغم من الخسائر المادية التي يمكن أن يسبّبها إغلاق الميناء في ما يخص الاقتصاد والشركات التي تستورد أو تصدر سلع وبضائع عبره. كما أعلنت السلطات إغلاق طريق المطار، وهو الطريق السريع الشرقي، وطلبت من المواطنين استخدام طرق بديلة، كما أغلقت محطة النقل البري الخطوط الطويلة التي تربط العاصمة بالولايات الأخرى.
الرئيس تبون خلال الاستعراض العسكري :
“سلاح الجيش للدفاع عن الجزائر حصرًا”
وقال رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في كلمة له خلال الاستعراض العسكري: “يجدر أن أؤكد على عقيدة الجيش الوطني الشعبي الدفاعية، وعلى أن سلاحه موجه حصرًا للدفاع عن الجزائر، وحماية سيادتها الوطنية، إلى جانب المساهمة في إحلال السلم والأمن الدوليين، طبعًا للالتزامات الدولية والجهوية للجزائر، واحتراماً للقانون الدولي، وفي إطار مبادئنا وقواعدنا الدستورية”.
وأضاف الرئيس تبون: “حرصنا أشد الحرص أن يكون الاستعراض العسكري في مستوى وأبعاد رمزية الذكرى وفي مستوى تضحيات صانعيها وفاء لمن صانوا الوديعة وتعبيراً عن تعزيز الرابطة المقدمة بين الشعب والجيش”، في رسالة على ما يبدو بعدم وجود أية نوايا لدى الجزائر لاستعراض القوة أو استخدام ذلك لتوجيه تهديدات إلى أي طرف.
وشدد على أن مشاركة عدد من رؤساء الدول، مثل الرئيس التونسي قيس سعيّد، والرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، “تعد تقديراً منهم لمكانة الجزائر ومشاركتها في إرساء الأمن والاستقرار بالمنطقة وثباتها على مساندة القضايا العادلة”.
خبراء : “الاستعراض العسكري يحمل دلالات رمزية ويبرز قدرات الجيش الوطني الشعبي”
أجمع خبراء وأساتذة الخميس الفارط، أن الاستعراض العسكري الذي جر الجمعة الأخيرة على مستوى الطريق الوطني رقم 11 المحاذي لجامع الجزائر تزامنا وذكرى سبعينية الثورة التحريرية، يحمل في طياته دلالات رمزية تؤكد قوة الرابطة بين الشعب الجزائري وجيشه، كما تبرز القدرات العسكرية الجزائرية للجيش الوطني الشعبي.
وفي ذات السياق، أكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية إدريس عطية، في تصريح خص به القناة الإذاعية الأولى، أن الاستعراض يحمل العديد من الدلالات الرمزية باعتبار ثورة نوفمبر رمزا للوحدة الوطنية والشجاعة، مضيفا أن الاستعراض يجسد روح الفداء التي ميزت فترة الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي.
وتابع عطية قائلًا: “الاستعراض سيوجه رسالة قوية مفادها بأن الجزائر دولة قوية وآمنة ومستقرة ”
من جهته أوضح الخبير الأمني علي روينة، في اتصال مع القناة الإذاعية الأولى، أن هذا العرض العسكري سيبرز القدرات العسكرية الجزائرية ومدى تطور مؤسسة الجيش الوطني الشعبي فيما يتعلق بالتسليح، مضيفا أن القيادة العليا في الجزائر عازمة على تطوير هذه المؤسسة وإيصالها إلى مصاف الدول المتقدمة.
جدير بالذكر أن الاستعراض المتزامن مع الذكرى الــ70 لاندلاع الثورة التحريرية المظفرة هي تظاهرة مهمة لاستذكار تضحيات شهداء الواجب الوطني والتأكيد على ضرورة المحافظة على رسالتهم، كما يعد مناسبة لإبراز جاهزية حماة الوطن وما بلغه سليل جيش التحرير الوطني من تطور في شتى الميادين.
توفيق قويدر شيشي – محلل سياسي وباحث جزائري في العلاقات الدولية – :
“الجزائر في خطر ومن حقها تسليح نفسها”
أوضح المحلل السياسي والباحث الجزائري في العلاقات الدولية، توفيق قويدر شيشي، أن السبب في تسلح الجزائر وشرائها للأسلحة المتطورة وتكثيف دوريات الحدود والاستعراضات، هو وجود شعور عام بأن “الجزائر في خطر، سواء من من جهة الحدود مع المغرب، أو من جهة الشرق حيث عدم الاستقرار في ليبيا”.
وهناك “تهديد أكبر يأتي من المنطقة الجنوبية” حسب المحلل، بدأ بعد وصول حكام عسكريين إلى السلطة في عدد من دول الساحل لا يتقاسمون السياسة ذاتها مع الجزائر، ومنها دول تملك حدودا مفتوحة مع معها مثل مالي والنيجر وتشاد”، لافتًا أن وقوع اختراقات للتراب الجزائري من هذه الحدود، وتحديدًا من مسيرات تركية أو من عناصر (فاغنر)، ساهم في رفع حالة اليقظة الجزائرية.
وبالحديث عن منطقة الساحل، فالعلاقة الجزائرية- المالية متوترة للغاية، بسبب رفض المجلس العسكري الحاكم في مالي، استمرار تواصل الجزائر مع المتمردين الطوارق، الذين توسطت الجزائر سابقا بينهم وبين باماكو في اتفاق سلام، ثم زادت استعانة العسكر المالي بمجموعة (فاغنر) في تنامي الخلاف، خصوصًا إثر الهجوم على مواقع للطوارق قبالة الحدود الجزائرية، ثم شراء باماكو طائرات مسيرة تركية لدعمها في هذا النزاع.
ويضيف قويدر شيشي إن الجزائر تتخوف من “تفوق المغرب عسكريًا وأن يتحول إلى القوة الأولى في المغرب العربي بدل الجزائر”، ويضيف بأن التسلح الجزائري يظهر أنه “عملية استباقية لضمان عدم وصول المغرب إلى هذه المكانة، وبالتالي عدم الإخلال بموازين القوى”.
توفيق بوقاعدة – أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر – :
“الرسالة موجهة إلى التحالفات الدولية الهجينة التي تحاول إرغام الجزائر على تقديم تنازلات”
بينما يقول توفيق بوقاعدة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، عن الاستعراض العسكري الضخم: “الرسالة موجهة كذلك إلى بعض الأطراف الاقليمية التي تحاول الاستثمار في السياق الاقليمي المتوتر خاصة في منطقة الساحل من أجل احداث اختراقات في المنطقة، ستكون الجزائر الأكثر تضررًا منها”، مضيفًا أن الرسالة موجهة كذلك إلى ما يسميها بـ”التحالفات الهجينة التي تحاول إرغام الجزائر على تقديم تنازلات”.
لكن بوقاعدة يشير إلى أن الرسالة الأهم من الاستعراض موجهة إلى الشعب الجزائري، وهي “رسالة طمأنة بأن القدرات العسكرية الجزائرية بمختلف أسلحتها قادرة على مواجهة التهديدات المحتملة لأمنهم القومي”، ومن ذلك تأكيد “احترافية المؤسسة العسكرية وقوة تنظيمها وتسليحها”، وقدرتها على مواجهة “التهديدات”، سواء الخاصة بالجماعات الإرهابية العابرة للحدود، وتهريب المخدرات والبشر، أو الاضطرابات في المنطقة، مشيرا من جانب آخر، إلى أن “حدة الخلافات الجزائرية المغربية قد تصل الى اشتباك مسلح”.
بن يامين ستورا – مؤرخ فرنسي – :
“الاستعراض العسكري مظهر من مظاهر صراع الذاكرة بين الجزائر وفرنسا”
وصف المؤرخ الفرنسي (جزائري المولد) بن يامين ستورا الاستعراض العسكري للجيش الجزائري في ذكرى سبعينية اندلاع الثورة التحريرية بأنّه “مظهر من مظاهر الصراع المتأجّج بين الجزائر والمستعمرة السابقة فرنسا.”
ولدى نزوله ضيفًا على “راديو نوتر دام” الفرنسية، قال بن يامين ستورا إنّ “الاحتفال بأول نوفمبر يعني بالنسبة لفرنسا بداية تاريخ تراجيدي (مأساة)، طبعه مغادرة نحو مليون أوروبي (يقصد الأقدام السوداء) الجزائر غداة الاستقلال في سنة 1962، وهو أمر صعب بالنسبة للفرنسيين لأنه أنهى حلم الجزائر فرنسية.”
أما بالنسبة للجزائريين، يضيف رئيس لجنة الذاكرة المعين من قِبل الرئيس ماكرون، أنّ “الأمر مختلف تمامًا، لأن الفاتح من نوفمبر يعتبر بداية لحرب انتهت بحصول الجزائر على استقلالها عن الاحتلال الفرنسي.”
وأشار إلى أنّ “وجهات النظر في التعاطي مع المسألة مختلفة تماما. لذلك بالنسبة لي، ينبغي العمل على بناء جسور للتواصل كجسور مدينة الجسور قسنطينة، التي ولدت فيها، من أجل الحصول على تقدُّم، ولاسيما بالنسبة للشباب الجزائري الموجود في فرنسا.”
ووفقه “ليس من الواقعي الحديث عن حلم الوصول إلى مصالحة للذاكرة، لأن 132 من الاحتلال هو أمر ليس بالهين. لا يمكن تحقيق ما نصبو إليه بمجرد خطاب أو لفتة أو إرادة سياسية،..الأمر جد معقد.”
ولدى تطرقه إلى هوية الجزائر الإسلامية لمرحلة ما بعد الاستقلال، أبرز، المؤرخ الفرنسي بأنّ “الإسلام أصبح مرادفًا للجزائر، لأن هناك مادة في الدستور تؤكد على أن “دين الدولة هو الإسلام”، ما دفع أتباع ديانات أخرى مثل اليهودية والكاثوليكية للحديث عن وضع الأقليات غير المسلمة بعد استقلال الجزائر.. وكثيرون غادروا الجزائر بعد سنة 1962.”
وهنا أشار إلى أنّ “الاحتلال الفرنسي لم يهزم عسكريًا فحسب، بل انهزم أيضًا دينيًا، لأنه وفي الوقت الذي كان فيه الجيش الفرنسي يغزو الأراضي الجزائرية بقوة السلاح، كان الكاردينال لا فيجري يحمل لواء تنصير الجزائريين في محاولة لخلق مجتمع منسجم مع المشروع الفرنسي.”
حافظ الغويل – مدير تنفيذي لمبادرة شمال إفريقيا في معهد السياسة الخارجية بجامعة “جونز هوبكنز” الأمريكية – :
“الجزائر ترسل إشارات في كل مكان بأننا أقوياء ولا نفتقر إلى حلفاء محتملين”
فيما أكد حافظ الغويل، مدير تنفيذي لمبادرة شمال إفريقيا في معهد السياسة الخارجية بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، أن “الجزائر تحاول إرسال رسائل جادة إلى المغرب، وفرنسا، بعد موقفها الأخير لصالح المملكة، وبشكل أقل إلى الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، بشأن تطور تقارب الجزائر مع كل من الصين وروسيا، وكذلك بشأن اعتراف واشنطن في عهد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية”.
ويوضح الغويل أن الاستعراض قد “يكون كذلك إشارة استباقية أيضًا لإدارة ترامب الجديدة المحتملة”، مضيفًا أن ” الجزائر كانت تحاول مؤخرًا إظهار قوتها قاريًا وإقليميًا، ومن ذلك قوتها في مجال الطاقة، كإعلان اكتشاف حقول جديدة للنفط والغاز، لذا فهي ترسل إشارات في كل مكان بأننا هنا، نحن أقوياء، ولا نفتقر إلى أي حلفاء محتملين، وإذا لم يكن الغرب، فلدينا روسيا والصين”.
أكرم خريف – خبير عسكري جزائري – :
“الميزانية المرصودة للجيش الجزائري مبررة في ظل استراتيجية إعادة التسليح”
ربط الخبير العسكري أكرم خريف عملية تطوير الجيش الجزائري بالحرب في أوكرانيا، خاصة وأن غالبية تسليحه من روسيا، حيث يعتقد أن الجزائر تعمل على إعادة تحديث الاستراتيجيات والمعدات المرتبطة بها مثل كل ما هو متعلق بالمسيرات ومواجهتها فضلًا عن تطوير منظومات الدفاع الجوي
ويرى الخبير العسكري ذاته أن الميزانية المرصودة للجيش الجزائري مبررة في ظل استراتيجية إعادة التسليح التي بات ينتهجها منذ 5 السنوات الأخيرة، على عكس السنوات الماضية.
ويضيف خريف أن الجزائر بدأت عملية تحديث لأسطولها الجوي من مقاتلات وطائرات النقل ومنظومات الدفاع الجوي وهذا ما يتطلب استثمارات كبيرة على حد تعبيره.
ولفت المتحدث أن الجيش الجزائري لم يعد يعلن عن مقتنياته منذ خمس سنوات تقريبًا، في حين يكشف عن بعض الأسلحة النوعية خلال العروض العسكرية والمناورات الحربية.
إعداد : القسم الوطني