Africa news – أفريكا نيوز
آخر الاخبار أقلام بقلم الاعلامي : عمّـــار قـــردود

الجزائر وفرنسا…تباشير “الاِسْتِقْلاَلِ” اللُّغَوِي!

الجزائر وفرنسا...تباشير "الاِسْتِقْلاَلِ"

العام المقبل يحتفل الجزائريون بمرور 60 سنة على الاستقلال عن فرنسا، لكن يبقى السؤال الملح: هل استقل الجزائريين فعلًا، استقلالًا شاملًا كاملًا كما تقتضيه دلالة مصطلح الاستقلال؟ أو بمعنى آخر هل تحرر الجزائريون من كل تبعات الدخيل الاستعماري الفرنسي التي تعني المس بكرامة الأمة الجزائرية بشكل من الأشكال جغرافيًا، واقتصاديًا، وعمرانيًا، وسياسيًا، وثقافيًا ولغويًا… وغير هذا من المقومات الحضارية التي تميز الأمة وتضمن لها كرامتها؟.

وتعد اللغة والثقافة الفرنسيتين إحدى أبرز أدوات “الوصاية” والنفوذ الفرنسي في الجزائر، ويعتبر كثير من الجزائريين أن الفرنسية من مخلفات فترة الاستعمار الفرنسي لبلدهم (1830-1962)، وأنها من الشواهد على استمرار النفوذ الفرنسي في الجزائر.

لقد حاربت ولا تزال فرنسا ممثلة في اللوبي الفرنكفوني بالجزائر الذي كان ماسكًا برقاب الدولة الجزائرية في عهد النظام السابق ،التعريب والعربية. وأنهى اللوبي الفرنكفوني مهام الرئيس الشاذلي بن جديد لأنه وقّع قانون تعميم استمال اللغة العربية، وأنهى مهام الرئيس اليمين زروال لأنه ألغى تجميد القانون المذكور.

وبعد ستة عقود من استقلالها، ما زالت الجزائر تعاني من صراع خفيّ وحاد، بين الفرنكفونيّين والمعربين،  حيث بدأت اللغة العربية تأخذ طابعاً رسميّاً في سنة 1971 في عهد الرئيس هواري بومدين، وحقّقت اللغة الفرنسية في الجزائر أبرز انتصاراتها في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد،، لكن رضا مالك، قرر عند تعيينه رئيساً للحكومة خلفاً لبلعيد عبد السلام، بإلغاء قرار التعريب، الذي أصدره البرلمان، بحجّة أنّ الظروف الدوليّة لا تسمح بذلك.

للأسف رغم طرد فرنسا من الجزائر إلا أن الجزائريون لم ينعموا بعد بالاستقلال الشامل المبتغى،و نجحت فرنسا في “فرنسة” الكثير من القطاعات في الجزائر لعلى أخطرها هو الثقافة واللغة،فالجزائر كانت إلى وقت قريب تُصنف ثاني بلد يستعمل اللغة الفرنسية بعد فرنسا في العالم،ما جعل مجلس الشيوخ الفرنسي في 2017 يتساءل في تقريرًا له عن أسباب عدم انضمام الجزائر إلى منظمة الدول الفرانكفونية رغم الانتشار الواسع لهذه اللغة بين سكانها.

 

 

33 بالمائة من الجزائريون يستخدمون اللغة الفرنسية في حياتهم اليومية

 

 

أفاد تقرير حديث لمرصد اللغة الفرنسية التابع للمنظمة الدولية للفرنكوفونية،في مارس 2019، أن 33 بالمائة من الجزائريون يستخدمون اللغة الفرنسية في حياتهم اليومية. وتأتي الجزائر في المرتبة الثالثة مغاربيًا في عدد المتحدثين باللغة الفرنسية.

وبالرغم من أن الفرنسية ليست لغة رسمية في الجزائر لكن توارثتها الإدارة الجزائرية من العهد الاستعماري وبقيت تُستعمل كلغة رسمية من طرف مختلف مستويات الإدارة. وكان الوزراء وكبار مسؤولي الدولة خاصة في عهد بوتفليقة يتعرضون لانتقادات لاذعة لحديثهم باللغة الفرنسية في المناسبات الرسمية، سواء داخل أو خارج الجزائر.

وأشار التقرير إلى أن اللغة الفرنسية تظل في جميع دول المغرب العربي، وإن لم تكن رسمية، تُدّرس في المدارس الابتدائية أو الثانوية إلى جانب اللغة العربية أو اللغات الوطنية، إلاّ أنها تتطور في قطاع التعليم الخاص والتعليم العالي، كما توجد في الإدارة والعالم المهني ووسائل الإعلام والكتاب والصحافة.

وأكد التقرير أن إتقان اللغة الفرنسية يُعتبر من المهارات التي يسعى إليها العالَمان الأكاديمي والمهني في دول المغرب العربي، كما أنها مطلوبة بشكل خاص في قطاعات العلاقات التجارية والمبيعات والمنظمات الدولية والفنادق والسياحة.

وكشف ذات التقرير أن اللغة العامية في الجزائر هي لغة مستعملة على نطاق واسعة في المقام الأول، وتبقى مكانة الفرنسية هي المسيطرة والطاغية دون أي لغة أجنبية أخرى لأنها تصل دائماً على الأقل إلى المرتبة الثانية، سواء في البيت أو المدرسة أو العمل أو الأنشطة الترفيهية.

كما أظهر التقرير أن معظم الناطقين بالفرنسية في إفريقيا يجيدون لغات عدة، وتحاول اللغة الفرنسية في مختلف الدول الحفاظ على موقعها أمام زحف اللغات الأخرى، خصوصاً اللغة الإنجليزية، وتعمل مصالح فرنسا على ذلك من خلال مراكز اللغات والمعاهد الفرنسية والجمعيات التي تقدم خدمات التعلم للراغبين في تعلم الفرنسية، إضافة إلى المتعلمين الوافدين إلى البلدان التي توجد فيها الفرنسية لغة رسمية.

 

 

قانون تعميم استعمال اللغة العربية…بين التنفيذ والتجميد

 

في 16 جانفي 1991 وقع الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد على قانون تعميم استعمال اللغة العربية الذي صادق عليه المجلس الشعبي الوطني سنة قبل ذلك.

لكن القانون لم يجد طريقه إلى التجسيد بسبب تغييرات عرفتها الجزائر وقتها انتهت باستقالة الرئيس الشاذلي بن جديد ومجيء محمد بوضياف إلى السلطة كرئيس للمجلس الأعلى للدولة بداية من جانفي 1992.

ومن بين القرارات الهامة التي اتُخذت في هذه الفترة تجميد قانون تعميم استعمال اللغة العربية، وهو القرار الذي صادق عليه المجلس الاستشاري في جويلية 1992.

بعد مقتل محمد بوضياف استفاد مشروع التعريب بالجزائر من مجيء الجنرال ليامين زروال إلى الحكم، حيث قام الأخير شهر ديسمبر 1996 بإلغاء قرار التجميد وإعادة إحياء المشروع القديم، لكن لم يكتب له النور مرة أخرى بعد انتخاب عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للبلاد سنة 1999، حيث ظل جامدا بدون أي قرار رسمي لغاية الآن.

 

“الاِسْتِعْمَارُ” اللُّغَوِي الفرنسي في الجزائر وَحُلُمُ الاِسْتِقْلاَلِ

 

الفرنسية هي لغة مشتركة للجزائر وفقًا لكتاب حقائق العالم المؤلف من طرف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية .  والجزائر هي ثاني أكبر بلد في العالم من حيث المتحدثين والناطقين بالفرنسية.  وفي عام 2008 كان 11.2 مليون جزائري (33%) يستطيعون القراءة والكتابة باللغة الفرنسية.

كشف السفير الفرنسي الأسبق في الجزائر برنار باجولي (2006-2008) في كتابه “الشمس لن تشرق في الشرق” إن الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك (1995-2007) حذره من الحديث باللغة العربية مع الجزائريين.

وكتب باجولي “كرر جاك شيراك على مسامعي: لا تتحدث بالعربية.. أنت مستعرب وأنا لا أحتمل هذا في الجزائر ويجب أن تجعلهم في حالة مضطربة، ثم إنني من أجل هذا ترددت في تعيينك، وعليه فأنا أمنعك من الحديث بالعربية”.

وتجاهل باجولي في مرات عدة ما قاله شيراك، وقال “ألقيت خطبا عديدة باللغة العربية، بما في ذلك يوم العيد الوطني الفرنسي، ولا يعني ذلك أن الجزائريين لا يفهمون الفرنسية بل على العكس، فمعظم المسؤولين يتقنونها تماما، لكن مخاطبتهم باللغة العربية الفصحى كانت طريقة لإظهار مدى الاحترام الذي أكنه لثقافتهم التي احتقرتها فرنسا خلال 132 سنة من الاستعمار”.

اللوبي الفرنكفوني أنهى مهام الرئيس بن جديد لأنه وقّع قانون تعميم استعمال اللغة العربية وأنهى مهام الرئيس زروال لأنه ألغى تجميد القانون المذكور

وبحسب رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية الدكتور عثمان سعدي فإن “الفرنسيون يعتبرون خطا أحمر تعريب ثلاثة ميادين: إدارة الدولة الجزائرية، والاقتصاد، وتعليم العلم والتقانة بالجامعة. عندما صدر قانون تعميم استعمال اللغة العربية عن المجلس الشعبي الوطني يوم 27 ديسمبر 1990 أدلى وزير الفرانكفونية الفرنسي ألان ديكو في نفس اليوم بتصريح معاد للقانون، وشنت الصحافة الفرنسية حملة ضارية عليه. وعندما ألغى الرئيس اليامين زروال تجميد القانون تحرك النواب الفرنسيون في البرلمان الأوروبي، الذي أصدر في نوفمبر1997 بيانا بواسطة لجنته الفرعية لحقوق الإنسان جاء فيه: “إن سياسة التعريب جاءت نتيجة عمل فوج في ميثاق 1976، وإن اللغة العربية التي فرضت على المجتمع الجزائري هي اللغة الفصحى، وهي لغة مصطنعة بعيدة عن المجتمع، وعن العربية التي يتكلمها الشارع الجزائري، فالعربية الفصحى فرضت عنوة في التعليم والقضاء، وقد ألحق تعليم الفصحى الضرر بالفكر، ومكن الفكر الأصولي الظلامي الديني من الانتشار، وأدخل الحركة الإسلامية للبلاد”.

 

 

عثمان سعدي: “لوبي فرانكفوني وراء تجميد قانون استعمال العربية في الجزائر”

 

 

انتقد الدكتور عثمان سعدي تجميد قانون تعميم استعمال اللغة العربية، الذي صدر في 1990، وحمل “لنخبة الفرانكفونية النافذة” في الدولة مسؤولية ذلك. وقال إن “أعداء الحرف العربي استأسدوا في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة”، واعتبر أن “أسوأ فترة حكم عرفتها اللغة العربية هي فترة حكم عبد العزيز بوتفليقة”.

وانتقد بشدة أيضا موقف الرئيس الراحل محمد بوضياف من اللغة العربية، معتبرًا أنه “كان من أشد رؤساء الجزائر عداء للعربية”. لكنه في المقابل أشاد بموقفي الرئيسين السابقين الشاذلي بن جديد واليامين زروال، وقال إن “اللوبي الفرانكفوني أنهى مهام الرئيس الشاذلي بن جديد لأنه وقّع قانون تعميم استعمال اللغة العربية، وأنهى مهام الرئيس اليامين زروال لأنه ألغى تجميد القانون المذكور”.

ولاحظ سعدي أن “الفرنسيين الذين يحاربون قانون العربية بالجزائر لهم قانون حماية اللغة الفرنسية الصادر في 1994، بمناسبة ذكرى مائتي سنة لقانون تعميم استعمال اللغة الفرنسية، الذي أصدرته الثورة الفرنسية سنة 1794”. وأشار إلى أنه “في الجزائر وأقطار المغرب العربي أربع لغات، هي العربية الفصحى، والعربية الدارجة، والبربرية، والفرنسية. أما في فرنسا فهناك ست لغات جهوية أكثر عراقة من اللغة الفرنسية”، لكن الدولة الفرنسية “ترفض الاعتراف بها”.

طالع أيضا

زيارات تضامنية لمنتسبي الأمن الوطني بمناسبة عيد الأضحى ببشار

إدانة إطار سامي سابق بسوناطراك بــ10 سنوات حبسًا نافذًا

عرقاب: التعاون المشترك بين الدول المنتجة سيكون من أبرز الملفات في قمة الغاز

اترك تعليق