ترامب يعود للبيت الأبيض
من المتوقع أن تؤدي عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض إلى إعادة تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وهو ما قد يؤدي إلى تغييرات جوهرية محتملة على جبهات عدة في ظل الحروب وحالة عدم الاستقرار في أجزاء من العالم.
وخلال حملته الانتخابية، قدم ترامب تعهدات سياسية واسعة النطاق، لكن غالباً ما كانت تنقصها تفاصيل محددة، استناداً إلى مبادئ عدم التدخل وحماية التجارة – أو كما يصفها “أمريكا أولاً”.
ويشير فوز ترامب إلى واحد من أهم الاضطرابات الكبيرة المحتملة منذ سنوات عديدة في نهج واشنطن تجاه الشؤون الخارجية، وسط الأزمات الحالية.
ويمكننا أن نفهم بعض ملامح نهج ترامب المحتمل في مختلف المجالات من خلال تصريحاته خلال حملته الانتخابية وسجله عندما كان رئيسا من 2017 إلى 2021.
خلال حملته الانتخابية، قال ترامب مراراً إنه يستطيع إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا “خلال يوم واحد”. وعندما سُئل عن كيفية تحقيق ذلك، اقترح الإشراف على صفقة، لكنه رفض تقديم تفاصيل.
وكتب اثنان من مستشاري ترامب السابقين للأمن القومي، في ورقة بحثية في ماي الماضي، أنه يجب على الولايات المتحدة الاستمرار في إمداد أوكرانيا بالأسلحة، لكنه دعم مشروط بدخول كييف في مفاوضات سلام مع موسكو.
ولجذب روسيا، سيعد الغرب بتأجيل دخول أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقال مستشارون سابقون إنه يتعين على أوكرانيا عدم التخلي عن آمالها في استعادة أراضيها التي تحتلها روسيا، لكن يتعين عليها التفاوض استنادا إلى خطوط المواجهة الحالية.
معارضو ترامب الديمقراطيين، الذين يتهمونه بالتقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قالوا إن نهج ترامب يعتبر بمثابة استسلام لأوكرانيا، وهو ما يعرض أوروبا بأكملها للخطر.
وقال ترامب مرارا إن أولويته هي إنهاء الحرب، ووقف استنزاف الموارد الأمريكية.
لكن من غير الواضح إلى أي مدى تعكس ورقة مستشاري ترامب تفكير الرئيس الأمريكي المنتخب نفسه، لكنها تعطي دليلاً على نوع النصيحة التي سيحصل عليها على الأرجح.
نهج ترامب “أمريكا أولا” الساعي لإنهاء الحرب، يتضمن قضية استراتيجية تتعلق بمستقبل حلف الناتو، التحالف العسكري عبر الأطلسي القائم على مبدأ “الكل من أجل واحد وواحد من أجل الكل” الذي أنشئ بعد الحرب العالمية الثانية كحصن ضد الاتحاد السوفيتي.
وكما في أوكرانيا، وعد ترامب بإحلال “السلام” في الشرق الأوسط – مما يدل على سعيه لإنهاء الحرب بين الكيان الصهيوني وحماس في غزة، والحرب بين الكيان الصهيوني وحزب الله في لبنان، لكنه لم يقل كيف.
وقال ترامب مرارا، إنه لو كان في السلطة بدلا من جو بايدن، لما هاجمت حماس الكيان الصهيوني، بسبب سياسته “الضغط الأقصى” التي ينتهجها على إيران، التي تمول حركة حماس.
وبشكل عام، فإن ترامب سيحاول، على الأرجح، العودة إلى سياسته التي أدت إلى انسحاب إدارته من الاتفاق النووي مع إيران، وتطبيق عقوبات أكبر على الجمهورية الإسلامية، وقتل القائد العسكري الأقوى في إيران قاسم سليماني.
وفي البيت الأبيض، تبنى ترامب سياسات مؤيدة بشدة للكيان الصهيوني، إذ أعلن القدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها، في خطوة عززت قاعدته من المسيحيين الإنجيليين، وهي مجموعة من الناخبين الرئيسيين في الحزب الجمهوري.
رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، وصف ترامب بأنه “أفضل صديق حصل عليه الكيان الصهيوني في البيت الأبيض على الإطلاق”. لكن منتقدي ترامب قالوا إن سياسته كان لها تأثير مزعزع للاستقرار في المنطقة.
وقاطع الفلسطينيون إدارة ترامب، بسبب تخلي واشنطن عن مطالبهم المتعلقة بالقدس – المدينة التي تشكل المركز التاريخي للحياة الوطنية والدينية للفلسطينيين.
وزادت عزلة الفلسطينيين عندما توسط ترامب فيما يعرف بـ “اتفاقيات أبراهام” التي أدت إلى اتفاق تاريخي لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الكيان الصهيوني ودول عربية وإسلامية عدة. ووقع الكيان الصهيوني الاتفاقيات من دون أن تضطر لقبول إقامة دولة فلسطينية مستقلة بجانبها مستقبلا، لتطبيق ما يعرف بحل الدولتين، وهو شرط سابق للدول العربية للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق الإقليمي.
وفي المقابل، مُنحت البلدان العربية الموقعة إمكانية الوصول إلى أسلحة أمريكية متطورة مقابل الاعتراف بالكيان الصهيوني.
وتُرك الفلسطينيون في واحدة من أكثر النقاط عزلة في تاريخهم من قبل القوة الوحيدة القادرة على ممارسة الضغط على كلا الجانبين في الصراع، وهو ما زاد من تآكل قدرتهم على حماية أنفسهم على الأرض.
وأدلى ترامب بتصريحات عدة خلال حملته الانتخابية قال فيها إنه يريد أن تنتهي حرب غزة.
لدى ترامب علاقة معقدة، وفي بعض الأحيان غير مستقرة، مع نتنياهو، لكنه يمتلك القدرة على ممارسة الضغط عليه.
ولديه أيضا تاريخ من العلاقات القوية مع قادة في دول عربية مهمة لديها اتصالات مع حماس.
لكن من غير الواضح كيف سيتمكن ترامب من التوفيق بين رغبته في إظهار الدعم القوي للكيان الصهيوني ومحاولته إنهاء الحرب.
يصور حلفاء ترامب، غالبا، عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته كميزة دبلوماسية، لكن في الشرق الأوسط المضطرب في خضم أزمة ذات أبعاد تاريخية، فمن غير الواضح كيف ستتطور هذه الأزمة.
وسيتعين على ترامب أن يقرر كيف، أو ما إذا كان، سيمضي في العملية الدبلوماسية المتوقفة التي أطلقتها إدارة بايدن للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة مقابل إطلاق سراح الرهائن لدى حماس.
ثمة ما يشبه اليقين لدى الجزائر بأن عودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض، أو بالأحرى عودة دونالد ترامب للرئاسة، تعني تغيرا في التعاطي الأمريكي مع الإقليم، حتى ومنطقة شمال إفريقيا لا تشكل لا بالنسبة إلى الديمقراطيين ولا الجمهوريين، عناوين رئيسية في السياسة الأمريكية.
حيث تملك الجزائر، نظرتان من فوز ترامب: نظرة تخوف كبير لفوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية، وما يمكن أن ترمز له هذه عودته للبيت البيضاوي من اتجاه بملف الصحراء في اتجاه الحسم النهائي وفق المقترح المغربي للحكم الذاتي. ونظرة أخرى مقابلة، ترى الجزائر في هذه العودة إيذانا بقرب التخفف من الضغط الذي كان تمارسه واشنطن وبروكسيل على الجزائر لمنعها من تقديم دعم لوجستي يساعد روسيا على التمدد في منطقة الساحل جنوب الصحراء، فسياسة دونالد ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وجعل التحدي الصيني الأكثر أولوية، ستقلص من حجم الضغوط الغربية على الجزائر، مقابل سياسة طاقية تخدم مصالح كل من واشنطن وبروكسيل.
أما النهج الأميركي تجاه الصين هو أهم مجال استراتيجي في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، وهو المجال الذي له أكبر الآثر على الأمن والتجارة العالميين.
وخلال فترة رئاسته الأولى، اعتبر ترامب، الصين، “منافسا استراتيجيا” وفرض رسوماً جمركية على بعض وارداتها إلى الولايات المتحدة، وهو ما دفع بكين إلى فرض رسوم جمركية على الواردات الأمريكية.
وكانت هناك جهود لتهدئة النزاع التجاري، لكن تفشي فيروس كورونا قضى على هذه الفرصة، وساءت العلاقات بعد أن وصف ترامب الفيروس بأنه “فيروس صيني”.
بينما قالت إدارة الرئيس بايدن إنها تتخذ نهجاً أكثر مسؤولية تجاه سياسة الصين، لكن في الواقع أبقت على كثير من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب.
وأصبحت السياسة التجارية مرتبطة بتصورات الناخبين في الولايات المتحدة بشأن حماية وظائف التصنيع الأمريكية، على الرغم من أن الانخفاض في عدد الوظائف في الصناعات الأمريكية التقليدية مثل الصلب كان يعود إلى أتمتة المصانع وتغييرات الإنتاج أكثر مما يعود إلى المنافسة العالمية ونقل الصناعات إلى الخارج.
وأشاد ترامب بالرئيس الصيني شي جينبينغ، ووصفه بأنه “عبقري” و”خطير” وزعيم فعال يسيطر على 1.4 مليار شخص “بقبضة من حديد” – وهو جزء مما وصفه معارضوه بإعجاب ترامب بـ “الديكتاتوريين”.
وسيبتعد ترامب، على الأرجح، عن نهج إدارة بايدن في بناء شراكات أمنية أقوى مع دول إقليمية أخرى في محاولة لاحتواء الصين.
لكن ماذا يعني فوز ترامب بسباق الرئاسة الأميركية لملفات المنطقة في الشرق الأوسط، وهي منطقة ملتهبة في ظل التصعيد الصهيوني والحرب الدائرة بين الكيان الصهيوني وإيران وأذرعها منذ أكثر من عام؟
هل سيُوقف دونالد ترامب الحروب في الشرق الأوسط؟، كيف تنظر الجزائر لعودة ترامب للبيت الأبيض؟، كيف سيحصد ترامب ما زرعه الديمقراطيون؟ وهل سيفي بوعوده؟.
المستشار بكلية القادة والأركان في مصر ، هيثم حسين :
“النّاخبون الأصغر سنّا يدعمون حقوق الفلسطينيين”
يقول المستشار بكلية القادة والأركان في مصر إن الانتخابات الأميركية تؤثر نتيجتها على أساليب وطرق التعامل مع قضايا الشرق الأوسط الذي يعتبر نقطة محورية في السياسة الخارجية الأميركية، وعامل مهم في تشكيل الرأي العام والنتائج الانتخابية، مضيفا أن هذا التأثير يرجع إلى عدة جوانب سواء على مستوى الأمن القومي الأميركي وأسعار الطاقة فضلا عن التحالفات الاستراتيجية.
وأشار إلى أن الوضع في الشرق الأوسط يشمل مجموعة من القضايا الحرجة بما في ذلك الإرهاب، وإمدادات النفط والعلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وكلها لها تأثير كبير على الحملات الانتخابية، مشيرا إلى أنه كثيرا ما يستخدم المرشحون الجمهوريون والديمقراطيون قضايا الشرق الأوسط لجذب الكتل الانتخابية الرئيسية، كما أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الناخبين الأصغر سنا يدعمون بشكل متزايد حقوق الفلسطينيين ما شكل ضغطا على المرشحين.
“ترامب سيسعى للسيطرة على إيران وكبح الصين”
وتابع الخبير المصري، أن الصراع الحالي في المنطقة له تأثير كبير على مواقف المرشحين خاصة في مجال السياسة الخارجية، ففي حالة فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب فإنه سيسعى بمعاونة قوى الاعتدال في المنطقة كما تطلق عليها الولايات المتحدة وهي مصر والسعودية والإمارات، إلى إيجاد تسويات في المنطقة لترتيب الأوراق واستعادة زمام السيطرة على إيران، ومنع الصين من التواجد بشكل مباشر أو غير مباشر حتى ينقل ساحة الصراع إلى أقصى الشرق.
وكشف الخبير المصري، أن كلا الحزبين يسعيان إلى استعادة الولايات المتحدة السيطرة الكاملة على منطقة الشرق الأوسط وعدم ترك أي فراغ قد تشغله الصين أو روسيا.
أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية ، جمال واكيم :
“فوز ترامب سيؤثّر على الوضع الداخلي في الولايات المتحدة”
قال أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، جمال واكيم، أنه بناءً على التجارب في الشرق الأوسط وحتى العالم مع الانتخابات الأميركية، فإن من غير المرجح ان تتباين السياسة الأميركية الخارجية بعد فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب وعودته إلى البيت الأبيض عن تلك التي سادت في ظل إدارة الرئيس جو بايدن. لكن، قد يكون لفوز ترامب تأثير في الوضع الداخلي في الولايات المتحدة، وخصوصاً لجهة ما يحكى عن علاقة ترامب السيئة بالدولة العميقة الأميركية.
يَعُدّ الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين أن مصطلح “الدولة العميقة” ظهر في خطابات الصحافيين والمحللين والسياسيين في الولايات المتحدة في أثناء رئاسة دونالد ترامب الأولى بين عامي 2017 و2021، بحيث بدأ أنصار ترامب، مثل ستيف بانون وآخرين، يتحدثون عن كيف واجه ترامب، بصفته رئيساً للولايات المتحدة، عقبات في إدارة سياستي الدولة الخارجية والداخلية من جانب قوى ومصالح غير منظورة في الولايات المتحدة.
هذا جعل ترامب وأنصاره ينظرون إلى أنفسهم ليس فقط كممثلين لأجندة الجمهوريين، لكن كمدافعين عن أميركا وهويتها ومصالحها. وأثار تركيزهم على القيم التقليدية وانتقاد الأجندة العالمية وتراً حساساً ليس فقط لدى خصومهم السياسيين المباشرين، “التقدميين” والحزب الديمقراطي، بل أيضاً لدى كيان غير مرئي وغير دستوري، قادر على التأثير في جميع العمليات الرئيسة في السياسة الأمير1كية – التمويل، والشركات الكبرى، ووسائل الإعلام، ووكالات الاستخبارات، والقضاء، والمؤسسات الثقافية الرئيسة، والمؤسسات التعليمية العليا، وما إلى ذلك ــ بطريقة منسقة وخفية.
وتبين أنه كانت هناك عمليات لا يمكن السيطرة عليها على مستوى أعلى من “القوة الخفية”، الأمر الذي أدى إلى كشف حقيقة وجود دولة عميقة داخل الولايات المتحدة نفسها. ويَعُدّ دوغين أنه يوجد في الولايات المتحدة كيان عسكري سياسي غير منتخب، مقيَّد بأيديولوجيا محدَّدة عابرة للأحزاب، تدير الولايات المتحدة من خلف الستار.
“المحافظون يرون في ترامب محاولة لتصحيح المسار الذي انحرف في الولايات المتحدة”
لقد دخل ترامب، بأجندته المحافظة القديمة، وتأكيده المصالح الأميركية، وانتقاده للعولمة، في صراع مباشر ومفتوح معه. ربما كان ترامب رئيساً للولايات المتحدة لفترة وجيزة، لكن مجلس العلاقات الخارجية لديه تاريخ طويل في تحديد اتجاه السياسة الخارجية الأميركية.
وبطبيعة الحال، على مدار مئة عام في السلطة وحولها، شكل مجلس العلاقات الخارجية شبكة واسعة من النفوذ، ونشر أفكاره بين العسكريين والمسؤولين والشخصيات الثقافية والفنانين، لكن في المقام الأول في الجامعات الأميركية، التي أصبحت أيديولوجية بصورة متزايدة بمرور الوقت. رسمياً، لا تعترف الولايات المتحدة بأي هيمنة أيديولوجية. لكن شبكة مجلس العلاقات الخارجية أيديولوجية للغاية. انتصار الديمقراطية الكوكبي، وإنشاء حكومة عالمية، والانتصار الكامل للفردية وسياسات النوع الاجتماعي، هذه هي الأهداف العليا، والتي لا يجوز الانحراف عنها. ويرى دوغين أن قومية ترامب، وأجندته “أميركا أولا”، وتهديداته بـ”تجفيف المستنقع العالمي”، مثلت تحدياً مباشراً لهذا الكيان، حارس قواعد الليبرالية الشمولية.
ويرى دوغين أن الأمور تغيرت مع ترامب، وخصوصاً بعد مواجهته للمحافظين الجدد، الأمر الذي جعل المحافظين التقليديين يميزون سياساتهم من المحافظين الجدد، ويدخلون في صدام معهم، مجبرين إياهم على إظهار مواقفهم الحقيقية عبر الانحياز إلى المرشحين الديمقراطيين/العولميين، مثل جو بايدن وكامالا هاريس.
لقد شكل ذلك مقدمة للعودة إلى فلسفة محافظة حقيقية، وإعادة الاعتبار لمفهوم الحكومة المحدودة، ونهاية الإنفاق بالديون، والمال السليم، وإزالة المنظمات غير الحكومية النخبوية من النفوذ السياسي، والموقف المتشدد ضد العولمة، والأمن الشرعي عند الحدود، والجدارة، ورفض التفكيك التقدمي والنسبية الأخلاقية، كل هذه الأشياء تشكل مبادئ محافظة أساسية. وبالنسبة إلى دوغين، كانت هذه الحركة تنمو قبل صعود نجم ترامب.
ويرى المحافظون التقليديون الأميركيون أن الدولة العميقة، في جناحيها اليساري واليميني، هي في حقيقتها تعتمد الأيديولوجيا الليبرالية المعولمة، التي تعمل لمصلحة الرأسمالي العالمي على حساب الرأسمالية الوطنية، وهم يَعُدّون أن الشيطان يتمثل اليوم بهيئة اليسار السياسي المتطرف.
وهم يرون في ترامب محاولة لتصحيح المسار الذي انحرف في الولايات المتحدة، كما يرون فيه مسعى لعودة الحزب الجمهوري إلى قيمه التقليدية المحافظة الحقيقية، على الرغم من النقد الذي يسوقونه بحقه. وهم يرون فيه تجسيداً للقيم التي يؤمنون بها لجهة تأمين الحدود، وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وتقليص دور الحكومة، وإنهاء المشاركة الأميركية في حرب أوكرانيا، وإنهاء عمليات تحويل الأطفال جنسياً.
أستاذ الصحافة والعلوم السياسية بكلية نيومارك ، بيتر بينارت :
“ترامب تعهّد بمساعدة الشّرق الأوسط على العودة إلى السلام الحقيقي”
تحدث الكاتب وأستاذ الصحافة والعلوم السياسية بكلية نيومارك، بيتر بينارت، عن كيف لعبت القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين والحرب على غزة دوراً في هزيمة الحزب الديمقراطي ومرشحته كامالا هاريس بالانتخابات.
فعلى مدار العام الماضي، أدّت مذبحة “الكيان الصهيوني” وتجويع الفلسطينيين بتمويل من دافعي الضرائب الأميركيين وبث مباشر على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى إشعال واحدة من أعظم موجات النشاط التقدمي في جيل كامل. والنظر إلى التداعيات السياسية لغزة من خلال عدسة الهوية فقط يغفل شيئاً أساسياً. فالعديد من الأميركيين الذين حفّزهم تواطؤ حكومتهم في تدمير غزة على التحرك ليس لديهم أي صلة شخصية بفلسطين أو “الكيان الصهيوني”. ومثل العديد من الأميركيين الذين احتجّوا على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا أو حرب فيتنام، فإن دوافعهم ليست عرقية أو دينية بل أخلاقية.
كان الغضب شديداً بشكل خاص بين الأميركيين ذوي البشرة السمراء والشباب. وكانت قد أقيمت مخيمات تضامنية مع الشعب الفلسطيني في أكثر من 100 حرم جامعي. وفي فيفري، وصف مجلس أساقفة الكنيسة الأسقفية الميثودية الأفريقية، إحدى أبرز الجماعات السوداء في البلاد، الحرب في غزة بأنّها “إبادة جماعية” وطالب إدارة بايدن-هاريس بالتوقف عن تمويلها. وفي جوان، حثّت الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين على وقف شحنات الأسلحة أيضاً. ووجد استطلاع رأي أجرته شبكة “سي بي إس نيوز” في جوان أنّه في حين أيّد معظم الناخبين الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً مبيعات الأسلحة لـ “الكيان الصهيوني”، فإنّ الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً عارضوها بنسبة تزيد على ثلاثة مقابل واحد. وبينما فضّل 56% فقط من الناخبين البيض قطع الأسلحة، كانت النسبة بين الناخبين السود 75%.
قد تفسّر أرقام استطلاعات الرأي قبل الانتخابات بعض ما رأيناه ليلة الثلاثاء. كامالا هاريس أصغر سناً بكثير من جو بايدن. ومع ذلك، تشير استطلاعات الرأي المبكرة من “سي إن إن” و”واشنطن بوست” و”فوكس نيوز” ووكالة “أسوشيتد برس”، إلى أنّها عانت من انخفاض حاد بين الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 29 عاماً مقارنة بنتيجة بايدن في عام 2020. السيدة هاريس سوداء، ومع ذلك، وفقاً لشبكة “سي إن إن” و”واشنطن بوست”، فقد كان أداؤها أسوأ قليلاً من بايدن بين الناخبين السود، يشير أحد استطلاعات الرأي، من “فوكس نيوز” ووكالة “أسوشيتد برس”، إلى أنّها كانت أسوأ بكثير.
من المؤكد أنّ العديد من الناخبين الشباب والسود كانوا غير راضين عن الاقتصاد. ربما انجذب البعض إلى رسالة ترامب بشأن الهجرة. ربما كان آخرون مترددين في التصويت لامرأة.
لكن هذه الديناميكيات الأوسع لا تفسر بشكل كامل ضعف أداء هاريس، لأنّها يبدو أنها فقدت أرضية أقل بكثير بين الناخبين الأكبر سناً والبيض، حصتها من الناخبين البيض تعادل حصة بايدن. لقد اكتسبت هاريس شعبية كبيرة بين الناخبين الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً. وهذا يعيدنا إلى دعم هاريس للحرب التي يشنها “الكيان الصهيوني” على غزة.
“أنصار الحزب الديمقراطي أرادوا إنهاء مبيعات الأسلحة إلى الكيان الصهيوني”
وعلى الرغم من الأدلة الساحقة على أنّ أكثر الناخبين تفانياً في الحزب الديمقراطي أرادوا إنهاء مبيعات الأسلحة إلى “الكيان الصهيوني”، استمرت إدارة بايدن في إرسالها، حتى بعد أن وسع رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو الحرب إلى لبنان. ولم تكتف هاريس بعدم كسر سياسة بايدن، بل بذلت قصارى جهدها لجعل الناخبين المهتمين بحقوق الفلسطينيين يشعرون بعدم الترحيب. وعندما قاطع ناشطون مناهضون للحرب خطاباً لها في أوت، قالت هاريس بحدّة: “إذا كنت تريد فوز دونالد ترامب، فقل ذلك”. وفي المؤتمر الوطني الديمقراطي، رفضت حملتها نداءً من الناشطين للسماح لأميركي فلسطيني بالتحدث من على المنصة الرئيسية. وقبل أيام قليلة من الانتخابات، قال نائب هاريس بيل كلينتون لحشد من سكان ميشيغان إنّ “حماس أجبرت الكيان الصهيوني” على قتل المدنيين الفلسطينيين باستخدامهم كدروع بشرية.
كل هذا وفّر لترامب فرصة. وقد استمال الأخير الولايات التي قد تتأثر بالحرب على غزّة، حيث تعهد بمساعدة “الشرق الأوسط على العودة إلى السلام الحقيقي” وانتقد النائبة السابقة ليز تشيني، وهي جمهورية اختارتها هاريس لخوض حملتها الانتخابية، ووصفها بأنّها “صقر حرب متطرف”. ومثل ريتشارد نيكسون، الذي ناشد الناخبين المناهضين للحرب في عام 1968 بوعد “بنهاية مشرفة للحرب في فيتنام”، صور ترامب نفسه – مهما كان ذلك غير صادق – على أنه مرشح السلام.
المحلل السياسي والخبير في القانون الدولي ، الدكتور إسماعيل خلف الله :
“الاحتلال المغربي للصحراء الغربية لن يحقّق مكاسب من إعادة انتخاب ترامب”
أكد المحلل السياسي والخبير في القانون الدولي، الدكتور إسماعيل خلف الله، أن الوضع الدولي قد تغير منذ تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المشؤومة، والتي أعرب فيها عن دعمه الاحتلال المغربي للصحراء الغربية. وأوضح خلف الله أن تلك التغريدة كانت تهدف أساساً لدفع المغرب نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو ما حدث بالفعل في إطار اتفاق “أبراهام” مشيرا الى ترمب لم يكن فعلا يريد الاعتراف الرسمي بالاحتلال المغربي للصحراء الغربية.
كما أشار خلف الله إلى أن الظروف الحالية قد وضعت حداً لهذا المسار، خاصة بعد سلسلة من الانتصارات القانونية والدبلوماسية لصالح القضية الصحراوية، مثل قرار محكمة العدل الأوروبية بوقف الاتفاقات التجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
وتابع خلف الله، في حديثه في برنامج ضيف الدولية مع إذاعة الجزائر الدولية، أن المجتمع الدولي بات أكثر وعياً بضرورة دعم حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، ما يضع المغرب في مواجهة ضغوط متزايدة، ويحد من قدرة النظام المغربي على الاستمرار في تسويق سياساته القائمة على تجاهل حقوق الشعب الصحراوي.
“عودة ترامب قد تؤدي إلى تغييرات ملموسة في السياسة الأمريكية تجاه قضايا المغرب العربي”
أما بالنسبة للقضية الفلسطينية، فقد أوضح خلف الله أن ترامب قد سعى لتطبيق “صفقة القرن” التي كانت تهدف إلى تحقيق سلام مزعوم في الشرق الأوسط، مع محاولة تهميش دور المقاومة الفلسطينية. وأشار إلى أن هذه الصفقة، والتي تضمنت حل الدولتين، أصبحت غير قابلة للتنفيذ في ظل الظروف الحالية، خاصة مع تصاعد الإجراءات الصهيونية المتطرفة، مثل تشديد الحصار على الفلسطينيين وتقليص دور وكالة الأونروا و إقرار برلمان الكيان على قانون يمنع قيام دولة فلسطينية.
فيما يخص الانتخابات الأمريكية، تطرق خلف الله إلى أن ترامب تمكن من استقطاب أصوات المسلمين والعرب في الولايات المتحدة بسبب مواقفه التي أظهرت دعماً لقضايا الشرق الأوسط، بعكس منافسته كمالا هاريس التي عانت من ضعف الدعم في هذه الشريحة، مما انعكس على نتائج الانتخابات بشكل واضح.
وخلص المحلل السياسي إلى أن عودة ترامب قد تؤدي إلى تغييرات ملموسة في السياسة الأمريكية تجاه قضايا المنطقة، لكنه أكد على ضرورة متابعة التطورات بوعي في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.
إعداد : سارة دالي