أول زيارة لرئيس جزائري إلى أوروبا الشرقية منذ سقوط جدار برلين

قام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الاثنين الماضي، بزيارة رسمية إلى سلوفينيا هي الأولى من نوعها لرئيس جزائري إلى دولة من دول أوروبا الشرقية منذ سقوط جدار برلين سنة 1989، استجابة لدعوة رسمية كانت قد نقلتها في أكتوبر الماضي السفيرة السلوفينية لدى الجزائر.
وكان الرئيس تبون قد واصل زيارة الدولة التي شرع فيها الاثنين إلى هذا البلد بدعوة من نظيرته السلوفينية، حيث كان مرفوقاً بوفد وزاري هام وعدد معتبر من مسؤولي المؤسّسات العمومية الناشطة في عدة مجالات، بالإضافة إلى رجال أعمال.
وسلوفينيا هي واحدة من دول يوغسلافيا السابقة التي ارتبطت مع الجزائر في مسار نضالي مشترك ضمن حركة عدم الانحياز، وكان زعيمها جوزيف تيتو والرئيس هواري بومدين أبرز أقطابها، وتميزت علاقات البلدين بعد الاستقلال بتعاون وثيق جداً في كافة المجالات إلى أن تفككت يوغسلافيا، كما أن الجزائر من أوائل الدول التي اعترفت بقيام دولة سلوفينيا في بداية تسعينيات القرن الماضي.
اهتمام لافت في توجه الجزائر نحو تعزيز علاقاتها بدول أوروبا الشرقية
لقد برز اهتمام لافت في توجه الجزائر نحو تعزيز علاقاتها بدول أوروبا الشرقية، منذ تعيين أحمد عطاف وزيراً للخارجية، في مارس 2023، ففي الفترة بين أوت 2023 وحتى نوفمبر، كان الوزير عطاف-الذي شغل منصب سفير سابقاً في يوغسلافيا- قد أجرى، سلسلة زيارات إلى دول أوروبا الشرقية شملت صربيا، حيث أعلن بوضوح أن الجزائر تتطلع لإحياء ما وصفها “العلاقات الراكدة” مع بلغراد، كما زار المجر وسلوفينيا والتشيك. كما أعلنت الجزائر عن رغبتها في المشاركة في اجتماعات “مجموعة فيسيغراد”، التي تضم إضافة إلى المجر كلاً من التشيك وبولندا وسلوفاكيا.
وارتبطت دول أوروبا الشرقية بعلاقات نوعية مع الجزائر في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث ساعدت في تكوين عدد كبير من الإطارات الجزائرية، وعلى إنجاز البنى التحتية الضرورية بعد الاستقلال، ومن المنتظر أن يقوم عدد من رؤساء دول أوروبا الشرقية بزيارات رسمية إلى الجزائر قريباً جداً، حيث يجري حالياً الترتيب لزيارة الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش إلى الجزائر، وعن زيارة ستقوم بها الرئيسة المجرية كاتالين نوفاك إلى الجزائر قريباً.
واللافت أن العلاقات بين البلدين عرفت تطورات سريعة وتعاوناً مثمراً في ظرف وجيز جداً، تلعب فيه الطاقة على وجه الخصوص دوراً رئيساً، حيث تعد الجزائر من أهم مزودي سلوفينيا بالطاقة، وهو الأمر لذي أكدته زيارة الرئيس تبون إلى سلوفينيا بحر هذا الأسبوع، حيث قال رئيس الجمهورية، إن “الجزائر مستعدة لتلبية كل متطلبات سلوفينيا؛ هذا البلد الصديق، في ما يخص الغاز، وبلدنا لا يمكن أن يتأثر بأي تغييرات في المستقبل”، في إشارة إلى المتغيرات المتسارعة على الصعيد الدولي وتأثيراتها على سوق الطاقة، مشيراً كذلك إلى أن “المجال مفتوح من أجل علاقات قوية ونموذجية، بين دولة أوروبية مثل سلوفينيا ودولة مغاربية وأفريقية مثل الجزائر، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والفضاء والمياه والبيئة، إذ تملك سلوفينيا قدرات عدة يمكن لشبابنا الاستفادة منها”.
دول أوروبا الشرقية تتطلع إلى الغاز الجزائري للتحرّر من التبعية للغاز الروسي
وتتطلع دول أوروبا الشرقية خاصة ومن بينها سلوفينيا إلى الغاز الجزائري للتحرّر من التبعية للغاز الروسي خاصة بعد أزمنة التموين خلال الحرب الروسية-الأوكرانية، وسيُشكل ذلك فرصة للجزائر بشكل كبير للعودة بقوة إلى أوروبا الشرقية التي طالما تميزت علاقتها بدولها بالتعاون الوثيق في جميع المجالات قبل سقوط الشيوعية، حيث يوجد في أوروبا الشرقية ما يمكن أن يكون نموذجاً لعلاقات مفيدة.
وتفتح الجزائر وسلوفينيا صفحة علاقات جديدة بمناسبة زيارة الرئيس تبون، حيث شهد البلدان تطوراً قياسياً للعلاقات بعد أقل من عامين من قرار تفعيل تبادل التمثيل الدبلوماسي بمناسبة زيارة وزير الخارجية أحمد عطاف إلى سلوفينيا في نوفمبر 2023، وبعد أقل من عام من افتتاح سفارات للبلدين في كليهما، في أوت الماضي.
وعلى المستوى السياسي هناك تطابق واضح في المواقف بين الجزائر وسلوفينيا خاصة في مجلس الأمن بشأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والمطالبة بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، حيث تعد سلوفينيا من بين الدول التي تعترف باستقلال وسيادة الدولة الفلسطينية. وفي سبتمبر الماضي، زارت رئيسة الجمعية الوطنية لسلوفينيا أورشكا كلاكوتشار زوبانتشيتش الجزائر، وأكدت ان البلدين “يناضلان من أجل القيم نفسها ويدعمان بعضهما بعضاً في مجلس الأمن”.
الجزائر ستزوّد سلوفينيا بالغاز لمدة عامين
بمناسبة الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى سلوفينيا، أعلنت سلوفينيا عن عقد جديد للطاقة وتأمين إمدادات الغاز الجزائري لمدة عامين إضافيين، كما جرى الاتفاق على عدد من مجالات التعاون، خاصة في محال تكنولوجيا المعلومات. وقالت الرئيسة السلوفينية ناتاشا بيرك موسار، عقب مباحثات مشتركة مع الرئيس تبون في العاصمة ليوبليانا، إن “إمدادات الغاز الجزائري إلى سلوفينيا ستستمر، والشركات المختصة في البلدين اتفقت أمس (الاثنين) على عقد جديد لمدة عامين”.
جاء ذلك عقب توقيع شركة “جيوبلين” السلوفينية وشركة سوناطراك الثلاثاء المنصرم عقداً موسعاً لتوريد الغاز الطبيعي الجزائري، يُتيح لسلوفينيا ضمان إمدادات الغاز دون انقطاع في السنوات المقبلة من خلال تمديد العقد، وهو الاتفاق الذي وصفه بيان لشركة جيوبلين بأنه “اتفاق له أهمية استراتيجية أيضاً بالنسبة للجزائر، حيث تعمل الشركة الجزائرية المنتجة والمصدرة للغاز الطبيعي، سوناطراك، على زيادة حضورها في سوق الطاقة السلوفينية من خلال هذا الاتفاق، في حين تستجيب أيضاً للطلب المتزايد على الغاز الطبيعي في السوق الأوروبية”.
وبحسب بيان من سوناطراك، يتضمن هذا الاتفاق عقد بيع وشراء الغاز الطبيعي، والذي ينص على نقل كميات من الغاز الطبيعي إلى سلوفينيا عبر أنبوب الغاز الذي يربط الجزائر بإيطاليا، ليمثل هذا الاتفاق بذلك خطوة إضافية نحو تعزيز الروابط الطاقوية بين الجزائر وسلوفينيا.
وقالت الشركة الجزائرية: “يعكس هذا الاتفاق رغبة الطرفين في ترسيخ علاقاتهما من أجل تطوير فرص جديدة للشراكة في المستقبل”.
وأضافت أنها ستُعزّز، بموجب هذا الاتفاق، مكانتها في السوق السلوفينية، في ذات الوقت الذي تستجيب فيه للطلب المتزايد على الغاز الطبيعي في السوق الأوروبية.
وتوجهت سلوفينيا إلى السوق الجزائرية لتوريد الغاز بالاستفادة من جانب لوجيستي مساعد يتعلق بالأنبوب الذي يربط بين الجزائر وإيطاليا. ففي شهر نوفمبر 2023، وقعت الجزائر وسلوفينيا اتفاقاً لضخ إمدادات غاز تقدر بنحو 300 مليون متر مكعب سنوياً عبر خط الأنابيب الحالية التي تربط الجزائر بإيطاليا، وهو ما يعزز وجود الجزائر في السوق الأوروبية.
وفي ماي 2024، وقعت شركة سوناطراك الجزائرية اتفاقاً مع الشركة السلوفينية “جيوبلين”، لزيادة كميات الغاز الطبيعي التي يتم نقلها إلى سلوفينيا عبر أنبوب الغاز الذي يربط الجزائر بإيطاليا.
وفي ديسمبر 2023، بدأت سلوفينيا والمجر محادثات لتشييد خط أنابيب غاز لربط البلدين، ويسمح بضمان وصول الغاز الجزائري عبر إيطاليا، ما يسمح للمجر بخفض اعتمادها على الإمدادات الروسية، بمناسبة الزيارة التي قام رئيس الحكومة السلوفينية روبرت غولوب إلى الجزائر، ووصف ذلك الاتفاق بأنه “يشكل خطوة إضافية نحو تعزيز الروابط الطاقوية بين الجزائر وسلوفينيا”.
رئيس الجمهورية: “توافق تام بين الجزائر وسلوفينيا في كلّ الملفات”

أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الثلاثاء، بالعاصمة السلوفينية ليوبليانا، إن الجزائر دولة مسالمة وشغلها الشاغل هو إحلال السلم في المنطقة وفي البحر الأبيض المتوسط والعالم. وفي تصريح مشترك مع رئيسة جمهورية سلوفينيا، السيدة ناتاشا بيرتس موسار، عقب المحادثات التي جمعت بينهما، قال رئيس الجمهورية إنه “بالرغم مما يقال هنا وهناك، إلا أن الجزائر دولة مسالمة، شغلها الشاغل هو إحلال السلم في المنطقة وفي البحر الأبيض المتوسط وفي كل بقاع العالم”.
وأضاف رئيس الجمهورية في ذات الصدد: “منذ استقلالنا ونحن نقوم بجهود تطبعها السلاسة والتفاهم عن طريق الحوار، بعيداً عن العنف، من أجل تسوية عدة أزمات”. كما لفت إلى أن السياسة الخارجية للجزائر “قريبة جداً من تلك الخاصة بجمهورية سلوفينيا”، ليتابع: “نتمنى دوام علاقاتنا الممتازة مع هذا البلد الصديق وسنعمل على رفع مبادلاتنا التجارية والاقتصادية في المستقبل القريب”.
وأبرز رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، التوافق التام بين الجزائر وسلوفينيا في عديد المجالات، حيث أكد الرئيس تبون وجود “توافق تام بين الجزائر وسلوفينيا حول كافة الملفات”، مبرزاً استعداد الجزائر لتلبية “كل متطلبات هذا البلد الصديق من الغاز”. وقال: “تبادلنا الآراء مع رئيسة جمهورية سلوفينيا، وهناك اتفاق تام في كل المواضيع، انطلاقا من الهجرة غير الشرعية، الذكاء الاصطناعي، الفضاء، المياه والبيئة”. ولفت رئيس الجمهورية في هذا السياق، إلى أن “المجال مفتوح من أجل علاقات قوية ونموذجية، بين دولة أوروبية (سلوفينيا) ودولة مغاربية وإفريقية (الجزائر)”.
وبعد أن أشار إلى أن سلوفينيا “تملك عدة قدرات يمكن لشبابنا الاستفادة منها”، أكد رئيس الجمهورية أن الجزائر “بلد موثوق، كما أنها مستعدة لتلبية كل متطلبات سلوفينيا فيما يخص الغاز”، مضيفاً أنه “لا يمكن لبلادنا أن تتأثر بأي تغييرات في المستقبل”.
سلوفينيا تدعّم حقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره
ونوّه رئيس الجمهورية، بذات المناسبة، بـ “المواقف الشجاعة والنزيهة لجمهورية سلوفينيا تجاه القضية الفلسطينية”، مضيفاً أن سلوفينيا “أول دولة أوروبية تعترف بدولة فلسطين، وهو شرف كبير ونتمنى أن تكون قدوة لباقي الدول”، منوهاً بمواقفها تجاه قضية الصحراء الغربية.
وبهذا الخصوص، جدّد رئيس الجمهورية رغبته في “إيجاد حل يرضي الطرفين، تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة، ويقر بحق تقرير مصير الشعب الصحراوي، عن طريق تنظيم استفتاء تقرير المصير”.
المبادلات التجارية الثنائية تبلغ حالياً 90 مليون دولار وتطلعات لتجاوز 100 مليون دولار
وفي ختام تصريحه، أعرب رئيس الجمهورية عن أمله في أن ترتفع المبادلات التجارية الثنائية التي تبلغ حالياً 90 مليون دولار لتتجاوز 100 مليون دولار، متطلّعا إلى تعاملات “بمليارات الدولارات” بين البلدين مستقبلاً.
رئيسة سلوفينيا تشيد بالتعاون مع الجزائر
وأشادت رئيسة جمهورية سلوفينيا، ناتاشا بيرتس موسار، بالتعاون الممتاز الذي يجمع البلدين في مختلف المجالات. وكتبت السيدة بيرتس موسار في تغريدتين على حسابها الرسمي بمواقع التواصل الاجتماعي: “مرحباً بكم في سلوفينيا، رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، والوفد المرافق. يسعدني أن بلدينا يتعاونان بشكل ممتاز في مختلف المجالات، وأننا نعمل معا على تطوير هذا التعاون”.
وأضافت الرئيسة السلوفينية أن تطوير هذا التعاون بشكل أكبر سيكون في عدة مجالات على غرار الذكاء الاصطناعي، المجال الشرطي، والطاقة المتجددة والزراعة وتكنولوجيا المياه والفضاء. وأكدت بيرتس موسار أن بلادها “تقدر بشكل كبير التعاون التجاري مع الجزائر في مجال توريد الغاز، الذي يوفر نصف الاستهلاك السنوي لسلوفينيا، ولذلك نرحب بتوقيع عقد التوريد لعامي 2026/ 2027”.
الجزائـــر وسلوفينيــــا تُعـــزّزان تعاونهمـــــا باتفاقيات استراتيجيــــــة مُتعــــــدّدة القطاعــــــــات
أشرف رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون رفقة الوزير الأول السلوفيني، روبرت غولوب، الثلاثاء، بالعاصمة ليوبليانا، على التوقيع على إعلان مشترك بين الجزائر وجمهورية سلوفينيا. كما تم التوقيع على مراسم التوقيع على عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين تخص العديد من القطاعات، ما يسمح بتعزيز العلاقات الثنائية ودفع التعاون بين البلدين.
وشملت هذه الاتفاقيات التوقيع على مذكرة تفاهم حول إنشاء آلية للمشاورات السياسية ومذكرة تفاهم بين وزارة الداخلية ونظيرتها السلوفينية في مجال التعاون الشرطي. وفي مجال النقل تم التوقيع على مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال النقل البحري، كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال الفضاء لأغراض سلمية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين غرفة التجارة والصناعة الجزائرية ونظيرتها السلوفينية، من شأنها دعم المبادلات التجارية وتطوير العلاقات بين الفاعلين الاقتصاديين. كما وُقعت مذكرة تفاهم بين مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري ونظيره السلوفيني، بهدف تعزيز التعاون الاستثماري وتبادل الخبرات في مجالات الابتكار والتطوير الاقتصادي.
كما أشرف رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون رفقة الوزير الأول السلوفيني، روبرت غولوب، على التوقيع على إعلان مشترك بين الجزائر وجمهورية سلوفينيا. وتُترجم هذه الاتفاقيات والمذكرات حرص البلدين على الارتقاء بعلاقاتهما الثنائية إلى شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد.
روبورت غولوب – الوزير الأول السلوفيني – :
“زيارة الرئيس تبون إلى سلوفينيا مهمة جداً”

أكد الوزير الأول السلوفيني، روبرت غولوب، الثلاثاء بليوبليانا، أن زيارة الدولة التي يقوم بها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى بلاده “مهمة جدا” وتؤكد “الشراكة الموثوقة” القائمة بين البلدين.
وفي تصريح للصحافة، نقلته وكالة الأنباء الجزائرية، عقب إشرافه، رفقة رئيس الجمهورية، على مراسم التوقيع على عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين، اعتبر الوزير الأول السلوفيني أن زيارة رئيس الجمهورية إلى سلوفينيا “مهمة جداً” لا سيما وأنها توجت بالتوقيع على عدة اتفاقيات منها عقد بيع وتوريد الغاز “في وقت تعاني بلادنا من ازمة غاز وهو يؤكد الشراكة الموثوقة مع الجزائر”.
وأضاف أن الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها بين البلدين تعد “نموذجا للعديد من الدول الاوروبية”، مشيرا إلى أن “الأبواب مفتوحة لتعزيز التعاون في عدة مجالات أخرى منها الفضاء والتكنولوجيات الحديثة والتعليم والبحث العلمي وتسيير الموارد المائية”.
كما نوه روبرت غولوب “بالتطور الايجابي في العلاقات الثنائية”، مذكرا أن بلاده والجزائر يتقاسمان وجهات النظر بخصوص القضايا الدولية والإقليمية الراهنة منها القضية الفلسطينية.
زيارة تاريخية وشراكة واعدة
وكان رئيس الجمهورية، قد ترأس رفقة رئيسة جمهورية سلوفينيا، ناتاشا بيرتس موسار، محادثات موسعة بين وفدي البلدين بالعاصمة ليوبليانا. تمحورت هذه المحادثات الموسعة حول بحث فرص جديدة للشراكة وتعزيز التعاون في العديد من المجالات بين البلدين.
وقبلها، كان رئيس الجمهورية قد أجرى محادثات على انفراد مع نظيرته السلوفينية، كما قام بالتوقيع على السجل الذهبي للقصر الرئاسي لجمهورية سلوفينيا، مع أخذ صورة تذكارية أمام الصحافة مع نظيرته، ناتاشا بيرتس موسار.
وخُص رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، باستقبال رسمي من قبل رئيسة جمهورية سلوفينيا، ناتاشا بيرتس موسار، وتمت مراسم الاستقبال بساحة الكونغرس، أين استمع الرئيسان إلى النشيدين الوطنيين الجزائري والسلوفيني، كما أدت تشكيلة من الحرس الجمهوري التحية الشرفية للرئيسين، حيث قام الرئيس بوضع إكليل من الزهور في الساحة تخليدا لضحايا الحروب وتمجيدا للسلام والمصالحة.
كما استقبل رئيس الجمهورية، بالعاصمة ليوبليانا، من قبل رئيسة الجمعية الوطنية لجمهورية سلوفينيا، أورشكا كلاكوتشار زوبانتشيتش. وبالمناسبة، قام رئيس الجمهورية بالتوقيع على السجل الذهبي للجمعية الوطنية لسلوفينيا.
أفراد الجالية يُرحبون بالرئيس تبون في سلوفينيا
وشهدت مراسم الاستقبال الرسمي للرئيس تبون بالعاصمة ليوبليانا، توافد أفراد الجالية من كل نواحي سلوفينيا لتقديم التحية للرئيس وتحت أهازيج عبارة “عمي تبون”. حيث تنقل أفراد الجالية الجزائرية المقيمة بسلوفينيا، إلى العاصمة للقاء رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون والترحيب به بمناسبة زيارة الدولة التي يقوم بها إلى هذا البلد الصديق.
وتعالت أصوات أفراد الجالية الجزائرية الموشحين بالراية الوطنية، بقلب العاصمة السلوفينية، ترحيباً برئيس الجمهورية، معبرين له عن مشاعر المودة بترديد عبارة “يحيا عمي تبون”. وبادل رئيس الجمهورية، أفراد الجالية الذي اصطفوا للقائه عن قرب، التحية على وقع زغاريد النسوة التي تعالت وسط الحضور.
رئيس الجمهورية يدعو رجال الأعمال إلى تعاون بدون حدود
دعا رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، مساء الثلاثاء الفارط، بليوبليانا، رجال الأعمال الجزائريين والسلوفينيين إلى العمل على تقوية العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية، لتكون في مستوى التفاهم السائد بين البلدين وعلاقاتهما السياسية الجيدة، مبرزاً ضرورة أن يكون التعاون “بدون حدود”.
وفي كلمة له خلال إشرافه رفقة رئيسة جمهورية سلوفينيا، ناتاشا بيرتس موسار، على افتتاح أشغال منتدى رجال الأعمال الجزائري – السلوفيني، قال رئيس الجمهورية أنه “يجب الآن تجسيد علاقات اقتصادية قوية جداً مع جمهورية سلوفينيا، كما لابد أن تكون في مستوى العلاقات السياسية الجيدة والتفاهم السائد بيننا”.
وأبرز، في هذا الصدد، ضرورة أن يكون التعاون مع سلوفينيا “بدون حدود”، حتى يشمل كافة المجالات، لا سيما “الذكاء الاصطناعي، التعليم العالي والبحث العلمي، المياه والفضاء، إلى جانب المناجم، بالإضافة إلى تجسيد مشاريع مشتركة في الصناعة الصيدلانية وقطاعات أخرى”.
وعدّد رئيس الجمهورية المقومات التي تزخر بها الجزائر، وعلى رأسها “الشباب الطموح”، فضلاً عن “15 مدرسة عليا في تخصصات علمية دقيقة جديدة كالذكاء الاصطناعي والرياضيات والتكنولوجيات الجديدة وكذا أكثر من 100 جامعة”.
كما تعد الجزائر – يتابع رئيس الجمهورية – “البلد الافريقي الوحيد الذي ليس له مديونية خارجية وهو ما يدل على قوة الاقتصاد الجزائري”، ما يجعل منه “مؤشراً واضحاً على سيادة وحرية القرار الاقتصادي والسياسي للجزائر”.
وبعد أن ذكر بأنه اتفق مع نظيرته السلوفينية على إرساء “برامج تبادل بين رجال الأعمال والشباب في المؤسسات الناشئة”، لفت رئيس الجمهورية إلى أهمية عقد لقاءات دورية بين رجال أعمال البلدين وتكثيف الزيارات الوزارية بين الجزائر وسلوفينيا، بغية الوصول إلى “تجسيد حقيقي لعلاقات قوية اقتصادياً وفي المجالات العلمية مع هذا البلد الصديق”.
وشارك في هذا المنتدى الوفد الوزاري المرافق لرئيس الجمهورية في زيارة الدولة التي يقوم بها إلى هذا البلد الصديق، إلى جانب نظرائهم السلوفينيين ومسؤولي عدة مؤسسات وكذا رجال أعمال من البلدين.
ويبحث المنتدى سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية واستغلال كافة الفرص المتاحة في هذا الاتجاه، لا سيما بعد الطفرة النوعية والحركية الايجابية التي عرفتها العلاقات الثنائية خلال السنوات الأخيرة، وهذا تجسيداً للإرادة القوية والرغبة المشتركة التي تحدو قائدي البلدين.
سيف الدين قداش – خبير في الشؤون الاقتصاد والجيوبوليتك – :
“الجزائر تتطلع للاستفادة من التجربة السلوفينية في الابتكار والرقمنة والذكاء الاصطناعي”

قال الخبير في الشؤون الاقتصاد والجيوبوليتك سيف الدين قداش إنه “إضافة إلى قطاع الطاقة الذي يمثل مجالاً محورياً للتعاون بين البلدين، فإن الجزائر تتطلع أساساً للاستفادة من التجربة السلوفينية التي حققت تقدماً في الابتكار والرقمنة (34 عالمياً)، مع بيئة حاضنة للشركات الناشئة ومراكز بحثية متقدمة في الذكاء الاصطناعي، خاصة أن نسبة الرقمنة في سلوفينيا بلغت 69%، وقطاع التكنولوجيا في دولة سلوفينيا يتضمن أكثر من عشرة آلاف مؤسسة، وإجمالي مداخيل يتجاوز 6.17 مليارات يورو ويشكّل 8% من الاقتصاد المحلي، ويمكن للجزائر الاستفادة ونقل هذه التجربة في خضم سعيها لنقل اقتصادها إلى اقتصاد للمعرفة، عبر الشراكات الجامعية وحاضنات الأعمال وبرامج التبادل، خاصة في الفلاحة وصناعة الطاقة والطاقات المتجددة، لتسريع التحول الاقتصادي والتكنولوجي وتعزيز تنافسية مؤسساتها الاقتصادية والناشئة”.
البروفيسور فارس هباش – خبير في الاقتصاديات الحكومية – :
“زيارة رئيس الجمهورية تأتي في ظل منعرج عالمي”

أوضح الخبير في الاقتصاديات الحكومية، البروفيسور فارس هباش، أنّ زيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى جمهورية سلوفينيا، تأتي في ظل منعرج عالمي، يشهد فيه البلدان تطوّراً ملحوظاً خاصة في مجالات الغاز والطاقة، مؤكّداً أن الحديث عن آفاق التعاون والشراكة الاقتصادية الجزائرية – السلوفينية، يستدرج التركيز على مجالي الغاز والطاقة، حيث وقّع البلدان من خلال شركتي سوناطراك و”جوبلين” السلوفينية، اتفاقية في ماي 2024، تم بموجبها الاتفاق على رفع حجم صادرات الجزائر من الغاز إلى جمهورية سلوفينيا، بمقدار 200 مليون متر مكعب/سنوياً، ليصل إلى 500 مليون متر مكعب/سنوياً سنة 2026، حيث سيتم نقل الغاز الجزائري عبرخط أنابيب “ترونسماد” الذي يربط الجزائر بإيطاليا، ثم من إيطاليا إلى سلوفينيا.
ويعد خط أنابيب “ترونسماد” الذي يبلغ طوله 2475 كلم، وطاقته الإجمالية 30.2 مليار متر مكعب/سنوياً، من أهم الأنابيب التي تُسهم في تعزيز المبادلات الطاقوية بين الجزائر وسلوفينيا، حيث ينطلق الأنبوب من حقل حاسي رمل بالجنوب الجزائري إلى تونس، وصولاً إلى إيطاليا ثم سلوفينيا. ويتوقّع الخبير أن تعزّز الاتفاقية إمدادات الغاز الجزائري إلى سلوفينيا، باعتبار الجزائر ثاني مورّد للغاز لأوروبا بعد النرويج.
ويمتد التعاون الجزائري-السلوفيني إلى مجالات أخرى تتماشى ومقومات وإمكانات البلدين، ومن المجالات التي تشكل فضاءات خصبة للتعاون الثنائي، تطرّق الخبير الاقتصادي إلى مجال الذكاء الاصطناعي الذي تعتبر سلوفينيا من رواده بأوروبا، لامتلاكها بنى تحتية قوية تشكّل بيئة خصبة لتطويره، يمكن للجزائر الاستفادة من الخبرة السلوفينية لتطوير بيئتها التكنولوجية في مجال الذكاء الاصطناعي، وتطبيقاته في قطاعات الصناعة والفلاحة بالنظر إلى توجّه الجزائر الجديد نحو الزراعة الذكية، ويمكن – في هذا الصدد – إنشاء مراكز بحث مشتركة لتطوير هذا النوع من الزراعات، لتحقيق الأمن الغذائي الذي بات هدفا إستراتيجيا تسعى إليه جميع دول العالم.
كما أشاد هباش بالقاعدة الأكاديمية القوية والمنظومة التعليمية اللّتان تتمتّع بهما الجزائر، خاصة مع اعتماد مجالات جديدة فرضها التحول الاقتصادي العالمي الذي أصبح أكثر توجّها نحو التكنولوجيا والطاقات النظيفة واقتصاد المعرفة والحلول المبتكرة. في هذا الصدد، سيتم تبادل البرامج التعليمية وتقديم المنح الدراسية للطلبة الجزائريّين، كما سيشمل التعاون بين البلدين، تبادل الخيرات في مجال البحث العلمي، من خلال مخابر البحث المشتركة لطرح الحلول العلمية لمختلف الإشكاليات التي تصادف المشاريع الصناعية والزراعية.
وأشار هباش إلى التحديات الكبرى التي تواجهها الجزائر جراء التغيّرات المناخية وما ينجم عنها من آثار، بالمقابل، تشهد سلوفينيا تطوّراً كبيراً في مجال الحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي، كما يمكن أن يشكّل التعاون بين البلدين في مجال الاقتصاد التدويري وإدارة النفايات، والحفاظ على الثروة النباتية، أحد محاور التعاون والشراكة ذات القيمة المضافة الكبيرة.
ويبقى الأمن الغذائي نقطة اهتمام مشترك، تتقاطع عندها مساعي وأهداف جميع دول العالم في ظل التوترات الجيو-استراتيجية التي عصفت به، وقال محدثنا في السياق: تمتلك الجزائر مساحات زراعية واسعة ومياه جوفية تشكّل فرص استثمار واعدة، من شأنها استقطاب الشريك السلوفيني لبعث مشاريع في الزراعة الذكية، باستعمال التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي.
وفي شق ذي صلة، تتوفّر الجزائر على فرص كبيرة لتعزيز نشاطها السياحي، بالخصوص السياحة البيئية، حيث يمكن نقل الخبرة السلوفينية في مجال البنى التحتية السياحية وإدارة الوجهات السياحية وتدريب المرشدين السياحيّين والإطارات العاملة بهذا المجال، الذي أكّد رئيس الجمهورية خلال لقائه بالمتعاملين الاقتصاديّين، على مدى حساسيته لما يتطلّبه من معايير دقيقة في إجادة فنّ التعامل مع الآخر، بشكل يروّج أوّلاً لحسن الضيافة ولباقة التصرّف، قبل الترويج للوجهة السياحية كرقعة جغرافية لها خصوصياتها الجمالية، بالمقابل يمكن الاستفادة من الثراء الثقافي الذي تتميّز به الجزائر لفتح سبل التبادل الثقافي بين البلدين والتعريف بالثقافة الجزائرية.
إعداد : القسم الوطني