Africa news – أفريكا نيوز
آخر الاخبار الحدث حوارات و روبورطاجات

“هكذا يصنع مدير مخابرات المغرب الإرهاب من داخل المعتقلات”

  • محمد الديحاني المعتقل الصحراوي السابق في سجون الحموشي، يكشف أسرارا خطيرة لـ”أفريكا نيوز”:


  • هذه قصة تعذيبي داخل معتقلات المخزن

  • أساليب البروبغندا الالكترونية لأجهزة الحموشي

  • الحموشي هو عبارة عن آلة لصناعة الإرهاب وتفريخ الخلايا الإرهابية في المنطقة


تحدث المناضل السياسي والحقوقي الصحراوي محمد الديحاني، في حوار حصري خص به “أفريكا نيوز”، عن الظروف الوحشية للمعتقلين في سجون الاحتلال المغربي، وتجربته التي عاشها في سجون الحموشي، مشيرا إلى أن الأوضاع الإنسانية غائبة والمخزن يقترف جرائم عديدة وينتهك كافة القوانين والأعراف، وظهرت مجددًا المعتقلات السرية، ومورس التعذيب والاختفاء القسري تحت ذرائع مختلفة، أبرزها “محاربة الإرهاب”.



  • محمد الديحاني، مناضل سياسي وحقوقي صحراوي، تم اعتقالك من طرف السلطات المغربية بسبب موافقك المؤيدة للقضية الصحراوية ، هل يمكنك الحديث عن تجربتك القاسية في السجون المغربية لتنوير الرأي العام بالممارسات اللاقانونية واللانسانية التي يمارسها نظام المخزن ضد كل معارضيه ؟

كما يعلم الجميع، تعيش المناطق المحتلة من الصحراء الغربية تحت قمع ممنهج وشديد للغاية. قبل الخوض في تفاصيل فترة اعتقالي، من المهم الإشارة إلى بعض النقاط، لا سيما أن الأمر يتعلق بجريدتكم ذات الصيت الواسع.

تعرضت أغلب العائلات الصحراوية لشتى أنواع الانتهاكات، من اعتقال واختطاف، ولم يسلم حتى الأطفال من هذا القمع، سواء في عهد الحسن الثاني أو في عهد ابنه، محمد السادس. وهذا يقودني إلى ذكر أول توقيف تعرضت له عندما كنت في التاسعة من عمري، بسبب مشاركتي – دون قصد – في مظاهرة سلمية أمام المدرسة.

توالت التوقيفات حتى بلغت ذروتها في أبريل 2010، حين اختُطفتُ وأمضيت أكثر من ستة أشهر في معتقل تمارة السري، التابع لجهاز المخابرات المغربية. هناك، تعرضت لتعذيب ممنهج استمر لمدة 23 يومًا، فيما كانت بقية الفترة عبارة عن تعذيب نفسي، حيث كنت محتجزًا في غرفة مواجهة لقاعة التعذيب، محاطًا بأصوات الصراخ والآلام التي لا تنقطع.



بعد ذلك، تم نقلي إلى سجون علنية، حيث قضيت خمس سنوات أخرى في عزلة تامة داخل زنزانة لا تتجاوز مساحتها مترًا ونصف المتر في مترين، وتحت رقابة لصيقة، بسبب نجاحي في تسريب أكثر من 100 شهادة لمعتقلين سياسيين، تضمنت تسجيلات تكشف مخططات المخابرات المغربية لاستهداف الهيئات الأممية ومؤسسات دولية ومحلية. في هذه الشهادات، ذكرت أسماء شخصيات بارزة متورطة في هذه العمليات، من بينهم المدير العام للمخابرات المغربية، عبد اللطيف الحموشي، والجنرال عبد العزيز بناني، قائد الناحية الجنوبية، وغيرهما من الأسماء النافذة.

بسبب ذلك، تعرضتُ لعقوبات متكررة شملت التعذيب الجسدي، وهناك أكثر من 134 شكوى رسمية موثقة لدى النيابة العامة المغربية تؤكد ذلك.

صدر بحقي حكم بالسجن لمدة 10 سنوات، وكما قال القاضي حينها، فإن السبب الرئيسي هو توثيقي للانتهاكات داخل السجن، وتواصلي مع قنوات مثل الجزيرة، وكالة “إيفي” الإسبانية، و”يورونيوز”. كانت تلك السنوات شديدة القسوة، خاصة بالنسبة لي كناشط وصحفي يسعى لكشف جرائم النظام المغربي من داخل السجون.



فيما يتعلق بتفاصيل التعذيب، سأضع بين أيديكم رسمًا كاريكاتوريًا للفنان عبد اللطيف الزرايدي، بالإضافة إلى تقرير موثق صادر عن وزارة الصحة الإيطالية، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة “الصاميفو” لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب، وذلك بناءً على طلب تقدمت به لجنة الحماية الدولية في ايطاليا.

خضعتُ لفحص طبي بإشراف 14 طبيبًا مختصا، من بينهم طبيبان شرعيان، وقد أصدرا تقريرًا من ثماني صفحات يوثق كل آثار التعذيب التي تركت بصماتها على جسدي ونفسي.


  • قمتم مؤخرا بنشر مقال في الجريدة الإيطالية المانيفستو والتي فصلتم من خلاله في الأساليب التي يستخدمها المخزن المغربي لتشويه صورة المعارضين المغاربة والمناضلين الصحراويين ، هل يمكنكم الحديث عن هذه الأساليب ؟


يعد النظام المغربي الحالي من أضعف الأنظمة التي مرت في تاريخ حكم “العلويين”، إذ يعتمد بشكل متزايد على وسائل قمعية دنيئة لإحكام قبضته على المجتمع وإسكات أي صوت معارض سواء في المغرب أو الصحراء الغربية المحتلة. وجب الرجوع لكرونولجيا أحداث مهمة لفهم السياق. بعد وفاة الملك الحسن الثاني عام 1999، ساد تفاؤل بشأن “العهد الجديد” مع صعود الملك محمد السادس، الذي وعد بطيّ صفحة سنوات الجمر والرصاص. غير أن هذا الأمل تلاشى سريعًا، حيث لم تمر سوى ثلاث سنوات حتى عادت حملات الاعتقال، وظهرت مجددًا المعتقلات السرية، ومورس التعذيب والاختفاء القسري تحت ذرائع مختلفة، أبرزها “محاربة الإرهاب”.

بلغت سياسة القمع ذروتها بعد ثورات الربيع العربي عام 2011، حين قادت حركة 20 فبراير الشارع للمطالبة بالإصلاحات. ورغم تعديل الدستور، لم يكن ذلك سوى إجراء شكلي استهدف احتواء الغضب الشعبي المغربي، إذ ظلت الخطوط الحمراء قائمة: يمنع انتقاد الملك وسياساته ومحيطه، وتظل قضية الصحراء الغربية محظورة على الإعلام الحر. كل من تجرأ على تجاوز هذه الخطوط واجه عواقب وخيمة، كما حدث مع الصحفي بوبكر الجامعي، الذي تم إغلاق جريدته “لوجورنال” بعد مقابلته مع الشهيد محمد عبد العزيز الزعيم الراحل لجبهة البوليساريو وكذلك الحملة المسعورة ضد رئيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان عزيز غالي..



ودلك دون محاسبة بل قام نظام المخزن بتوفير الحماية لهم، وتحريف الوعي الجماعي من خلال نشر الأخبار الزائفة. أصبح التشهير أداة رسمية للأجهزة الأمنية، بإشراف عبد اللطيف الحموشي، حيث خُصصت ميزانيات ضخمة لتدريب فرق متخصصة في التضليل الإعلامي والتحكم في الرأي العام.

في مقال  له بجريدة بالعربي يقول علي انوزلا: أصبحت صحافة التشهير والتنمّر ظاهرة لا تهدد فقط مهنة الصحافة في المغرب، وإنما تؤثر على كيفية نظر الناس إلى مهنة المتاعب، وخصوصا الأجيال الصاعدة، لا سيما في ظل تطور وسائل التواصل الاجتماعي التي تتيح للجميع فرصة استعمالها للتعبير عن آرائهم، وهو ما يفسّر تنامي أعراض سلبية، كالتنمّر الذي تشهده مواقع التواصل الإجتماعي، ثم يضيف ليست حالاتٍ فردية، أو مواقع إلكترونية أو صحف تفتقد المهنية، وإنما “خطّ تحريري” تتبنّاه مقاولات إعلامية كبيرة مقرّبة من السلطة، أو تحظى بدعمها* إنتهى.



كما وثّقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” كيف طوّرت الأجهزة الأمنية المغربية أساليب قمعية متكاملة لإسكات المعارضين، من خلال محاكمات غير عادلة، والمراقبة الرقمية، والتصوير السري، واستهداف الأقارب، والضغط على الشهود لترهيبهم. التقرير كشف عن استغلال القوانين الجنائية لتبرير القمع، مع تجاهل صارخ للحقوق الأساسية، مثل الخصوصية، والسلامة الجسدية، والحق في المحاكمة العادلة.

من بين الأمثلة الصادمة، حالة المؤرخ المغربي معطي منجب، الذي خضع لحملات اغتيال معنوي، والناشط فؤاد عبد المومني، الذي استُهدف بالمراقبة والتشهير، والصحفية عفاف برناني، التي تعرضت لضغوط للإدلاء بشهادة زائفة ضد مديرها في العمل، توفيق بوعشرين. كما لم تسلم النساء العاملات في الأجهزة الأمنية من الانتهاكات، كما هو الحال مع وهيبة خرشش، الضابطة التي تعرضت للتحرش الجنسي من مسؤول رفيع المستوى. هذا ما يتعرض له النشطاء المغاربة فمابال من يعمل على فضح الاحتلال من داخل المنطقة المحتلة من الصحراء الغربية.



في ظل هذا القمع الممنهج، يتحول النظام المغربي إلى نموذج لدولة بوليسية تسخّر كل إمكانياتها لتكميم الأفواه، مستخدمة أدوات الترهيب والتضليل، لضمان بقائها على حساب حقوق وحريات مواطنيها، وحساب الشعب الصحراوي المقهور.



  • هل يمكنكم التفصيل لنا في قضية عزيز غالي ، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، الذي أصبح هدفا لحملة تشهير مكثفة بعد حديثه عن قضية الصحراء الغربية، التي تعتبرها الأمم المتحدة “إقليما محتلا ؟

عزيز غالي ليس شخصية عادية، بل هو مثال حي على الإنسان الذي يكرس حياته للدفاع عن حقوق الإنسان ومواجهة الظلم. مسيرته المهنية والإنسانية حافلة بالأدوار البارزة، فقد كان مستشارًا للرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، كما عمل مديرًا عامًا لمستشفيات في غزة ولبنان في أصعب الظروف خلال حروب الكيان الصهيوني..

بعد عودته إلى المغرب، لم يتوانَ غالي عن استثمار مكانته الاعتبارية في مواجهة النظام المغربي، متصدياً لملفات شائكة مثل الفساد، الاعتقالات السياسية، وملف الصحراء الغربية وغياب الملك عن الحكم، في تحدٍّ للحصار الإعلامي المخزني، عمل عزيز غالي على كشف الحقائق المغيبة حول قضية الصحراء، مستندًا إلى الأدلة القانونية والسياسية الصادرة عن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في لقاءاته الصحفية. من خلال نشاطه، استطاع أن يواجه البروباغندا المخزنية، مذكّرًا الشعب المغربي بحقيقة الأوضاع، الأمر الذي أزعج مسؤولين نافذين داخل النظام.



يشغل عزيز غالي حاليًا منصب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان هذه الاخيرة تواجه تضييقًا غير مسبوق في عهد النظام الحالي. تم إغلاق أكثر من 70 فرعًا للجمعية في المغرب والصحراء الغربية بسبب مواقفها الجريئة وتقاريرها التي تكشف الانتهاكات وتناصر القضايا العادلة. هذا الاستهداف لم يقتصر على الجمعية فقط، بل طال شخص عزيز غالي نفسه، حيث أصبح هدفًا للحملات الأمنية الممنهجة، والتي تهدف إلى تقويض عمله الحقوقي وتشويه سمعته.

لكن المفارقة تكمن في أن هذه السياسات القمعية تأتي بنتائج عكسية، إذ تساهم بغباوة في كشف الحقيقة للرأي العام. آخر الحملات التشهيرية التي استهدفت عزيز غالي لم تفتح فقط أعين الكثير من المواطنين المغاربة، بل جذبت أيضًا انتباه المجتمع الدولي إلى طبيعة القمع والقيود المفروضة على الحريات في المغرب.

إن مسيرة عزيز غالي تمثل نموذجًا حيًا للشجاعة في مواجهة القمع، وتؤكد أن النضال من أجل الحقوق والحريات يمكنه أن يتجاوز كل القيود، بل ويصبح صوتًا يدوي داخل المغرب وخارجه.



  • أشرتم كذلك في مقالكم إلى مثال بارز يتمثل في قضية مجموعة “أكديم إزيك” ، حيث حكم على 19 ناشطا وصحفيا صحراويا بأحكام قاسية ، بما في ذلك السجن المؤبد بعد مشاركتهم في احتجاج سلمي عام 2010. أليس كذلك ؟

في الصحراء الغربية، نطلق عليهم اسم أسود أكديم إزيك، وهم 19 معتقلًا سياسيًا صحراويًا يقبعون اليوم في السجون المغربية، بعدما سطّروا صفحة نضالية خالدة بقيادتهم لمخيم أكديم إزيك، الذي وصفه المفكر نعوم تشومسكي بأنه الشرارة الأولى للثورات العربية نظرًا لأثره الكبير. لكن، بعد أكثر من ربيع لا يزال هؤلاء المناضلون خلف القضبان، محكومين بأحكام جائرة تتراوح بين العشرين سنة والمؤبد.

حظيتُ بشرف لقائهم داخل السجون المغربية، حيث كنت شاهدًا على مواقفهم المشرفة التي جسدت روح الصمود والإصرار على القضية، كما كنت شاهدًا على المعاملة العنصرية والقاسية التي يتعرضون لها من قبل سجاني الاحتلال. لم يكن التعذيب الممنهج والانتهاكات الجسيمة التي تعرضوا لها منذ اعتقالهم كافية لإخضاعهم، فتمادت السلطات المغربية في سياسة التشهير وتشويه السمعة داخل السجون، حيث حاولت تصويرهم على أنهم “قتلة جنود الوطن”، رغم أن منظمات دولية وأممية أكدت أن محاكمتهم كانت سياسية وغير عادلة.



يعيش هؤلاء الأسرى منذ أكثر اربعة عشر عامًا في عزل انفرادي قاسٍ، تحت مرافقة جسدية دائمة ومراقبة إلكترونية مشددة، في أجنحة خاصة داخل سجون مختلفة بالمغرب، بعيدين عن ذويهم بمسافات تتراوح بين سبعمئة ألف وخمسمئة كلم، في انتهاك صارخ لحقوقهم الأساسية. ورغم ذلك، لا يزالون رمزًا للقوة والصمود، ممثلين الشعب الصحراوي بأفضل صورة بأخلاقهم وشجاعتهم وثباتهم

لأول مرة، أشارك مع الصحافة أحد المواقف البطولية التي عايشتها معهم، وهي واحدة من قصص لا تُحصى من نضالهم داخل السجون. خلال فترة وجودي معهم في سجن سلا 2، كانت هناك زيارات متكررة من كبار المسؤولين الأمنيين المغاربة، مثل حفيظ بن هاشم ومحمد بادة، بالإضافة إلى عناصر من المخابرات، حيث حاولوا إقناعهم بالتراجع عن قناعاتهم مقابل عفو ملكي مباشر وتعويض مالي ضخم. كانت الزيارات تتم بشكل عشوائي وفردي، في محاولات مستميتة لشرائهم، لكنهم كانوا يعودون إلينا بابتسامة المنتصر، قائلين بسخرية: “جاؤوا ليشترونا”. لم تكن تلك العروض سوى وقود جديد لصمودهم، فقد كانوا يرفضون الخيانة، بل ويتحدون السجانين بإعلان رفضهم الصارم لأي مساومة.


  • هل يمكنكم الحديث عن الجمعية الصحراوية “البند السادس” التي تم انشاؤها للدفاع على العمال الصحراويين الذين يتعرضون في الاجزاء المحتلة من الاراضي الصحراوية ، للتهميش والقمع والاضطهاد في المؤسسات المغربية ؟

نشأت فكرة البند السادس كحركة حقوقية بين مجموعة من المناضلين والمناضلات الذين يدافعون عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الصحراء الغربية. كان جوهر عملنا يتمثل ببساطة في مراقبة وتوثيق الانتهاكات التي يتعرض لها الصحراويون، مثل الإقصاء العنصري من الاستفادة من الثروات الوطنية، وحرمان الشباب الصحراوي من فرص العمل التي تحفظ كرامتهم. هذا التمييز لا يقتصر فقط على النشطاء السياسيين، بل يمتد ليشمل كل صحراوي لا يُظهر ولاءً للنظام المغربي.



يستخدم المخزن سياسات حصار اقتصادي واجتماعي ممنهجة ضد العائلات التي تعلن دعمها للقضية الصحراوية، وبشكل خاص عائلات المعتقلين السياسيين. يتم إدراج لقب هذه العائلات في قوائم سوداء تخضع للرقابة الأمنية المشددة، فيما يسمى بـ “البحث المحيطي”، وهو إجراء مخابراتي يتم تنفيذه في جميع المؤسسات سواء العمومية او الخاصة لتحديد واستهداف أي شخص يحمل هذا “اللقب الموسوم”. النتائج تكون كارثية: حرمانهم من العمل، استهداف مشاريعهم الخاصة لإفشالها، والتضييق الاجتماعي، حيث يوضع الشخص المستهدف تحت مراقبة دائمة من قبل أعوان المخابرات، مثل الشيخ والمقدم والمتعاونين معهم من المستوطنين، ويواجه توقيفًا متكررًا من الشرطة. هذا التضييق يؤدي إلى عزلة اجتماعية قسرية، حيث يخشى الناس التعامل مع المستهدفين، في سياسة قمعية تهدف إلى تفكيك النسيج الاجتماعي الصحراوي.



لمواجهة هذا القمع، تبنينا في الجمعية أسلوب “الوقفات المتنقلة”، وهي آلية احتجاجية بديلة لتجنب المواجهة المباشرة مع الشرطة وما يرافقها من انتهاكات. كنا ننظم من أربع إلى خمس وقفات في الأحياء المهمشة، نوثقها بالفيديو، مرفقة برسائل مكتوبة باللغة الإنجليزية تكشف الحقيقة، متحدين بذلك البروباغندا الإعلامية المخزنية. كما ركزنا على حملات ضغط دولية، عبر التواصل مع الحكومات والمنظمات الدولية، لكشف تورط الشركات الأجنبية العاملة في الصحراء الغربية في انتهاك القانون الدولي. من بين هذه المنظمات، الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي تحالف يضم مئات المنظمات الدولية

لكن هذه الجهود لم تمر دون رد فعل عنيف من النظام المغربي. في مواجهة نشاطنا، بدأت حملة انتقامية تمثلت في سحب رخص سيارات الأجرة لبعض الأعضاء، وتهديد آخرين بالسجن، بينما تعرضت شخصيًا لمحاولة اغتيال أواخر عام 2018. نتيجة لهذا القمع، اضطر معظمنا لمغادرة الصحراء الغربية، لكن القضية لم تنتهِ.


  • في السنة الماضية قمتم بنشر مقطع فيديو تتهمون فيه مدير المخابرات المغربية ، “عبد اللطيف الحموشي” ، بتجهيز خطط لتفجير الوضع الحقوقي والإنساني في مدن الصحراء الغربية ، هل يمكنكم الحديث عن دور المخابرات المغربية في هذه السياسية القمعية الممنجهة والموجهة ضد المناضلين الصحراوين والمعارضين المغاربة ؟

يُعرف عبد اللطيف الحموشي كمدير لجهاز المخابرات المغربية، لكنه ليس مجرد مسؤول أمني، بل هو شخص مارس التعذيب بشكل مباشر، حيث كان أحد جلاديَّ في سجن تمارة السري. هذا السجن لم يكن مجرد مكان للاعتقال والتعذيب، بل كان آلة لصناعة الإرهاب وتفريخ الخلايا الإرهابية، من خلال تأطير بعض المعتقلين للعمل لصالح الأجهزة الأمنية مقابل إطلاق سراحهم وإغداقهم بالمال.



عُرض عليَّ شخصيًا العمل معهم كصحراوي ضد شعبي، وذلك عبر استقطاب لائحة من الأسماء الموجودة في إيطاليا والصحراء الغربية، ليكونوا جزءًا من تنظيم إرهابي مفبرك، يُنفّذ عمليات إرهابية، ثم يتم إلصاقها بالصحراويين كجزء من حرب دعائية لتشويه القضية الصحراوية. رفضتُ العرض، وفشلوا في مخططهم، لكن النظام لم يتوقف عن اتباع هذا النهج القذر.



هناك خلايا إرهابية أخرى تم التلاعب بها وتوظيفها ضمن استراتيجية “محاربة الإرهاب”، مثل خلية الأندلس وخلية أمغالا، الذين التقيت ببعض أعضائها داخل السجن. المفارقة أن أفراد هذه الخلايا لم يزوروا الصحراء الغربية يومًا ولا يعرفونها، ورغم ذلك، حُكم عليهم بعقوبات ثقيلة بتهم إدخال السلاح من الجزائر. والأكثر غرابة أن ملفاتهم القضائية لا تتضمن أي أدلة حول وجود أسلحة أو اعتقالهم في مدن الصحراء الغربية، بل تم الترويج لهذه الرواية إعلاميًا فقط. حضرتُ شخصيًا إحدى جلسات محاكمتهم أثناء انتظاري لدوري، ولاحظت كيف يتم تلفيق التهم بشكل فاضح دون أي سند قانوني.

هذا الملف يجب أن يُسلَّط عليه الضوء بشكل أكبر، لأن جهاز الحموشي لا يعمل فقط لصالح النظام المغربي، بل يخدم أجندات خارجية، أبرزها أجهزة الاستخبارات الصهيونية، حيث يسوّق لنفسه كـ “رائد في محاربة الإرهاب” ليكتسب الدعم الدولي، رغم أن الجميع يدرك أن هذه مجرد شماعة مستهلكة.

المؤشرات على التلاعب بهذه الملفات تتزايد يومًا بعد يوم، خاصة مع ردود الفعل الساخرة على الأخبار المتكررة حول تفكيك خلايا إرهابية في المغرب، والتي لم تعد تُقنع أحدًا. دون أن ننسى وجود أدلة كثيرة وتحقيقات صحفية موثوقة كشفت الدور المشبوه الذي يلعبه جهاز الحموشي على المستوى الدولي، وليس فقط داخل المنطقة.

إن ما يحدث ليس مجرد ممارسات قمعية داخلية، بل مخطط أمني قذر يستخدم “محاربة الإرهاب” كغطاء لتحقيق أهداف سياسية، وضمان دعم القوى الغربية التي لا تزال ترى في المغرب “حليفًا أمنيًا” في المنطقة. لكن الحقيقة بدأت تتكشف، والمزيد من الأصوات بدأت تفضح الوجه الحقيقي لهذا الجهاز القمعي.



  • بعد أكثر من 15 سنة من المعاناة من انتهاكات ممنهجة لحقوقكم من قبل دولة الاحتلال المغربي ، وتعرضكم للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب بسبب نشاطكم في الدفاع عن حقوق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال ، أصدرت المحكمة المدنية في روما في سبتمبر الماضي حكمًا لصالحكم يمنحكم الحماية الدولية في إيطاليا ، كيف ستستثمرون في هذا القرار لتكثيف جهودكم النضالية ؟

بعد سنوات من التضييق والملاحقة، تحقق انتصار قانوني هام في قضيتي، حيث أصدرت المحكمة العليا حكمًا لصالح إسقاط اسمي من القائمة السوداء لمركز البيانات الجيل الثاني في نظام شينغن، بعدما قام النظام المغربي بإدراجي تعسفيًا منذ عام 2018 ضمن هذه اللائحة كوسيلة لتقييد حركتي ونشاطي الحقوقي والسياسي.



هذا القرار سيكون له تأثير إيجابي على مسار قضيتي، لا سيما في ما يتعلق بحق الحماية الدولية، التي كانت المحكمة قد منحتني إياها سابقًا، إلا أن المغرب يواصل ممارسة ضغوطه السياسية والدبلوماسية من أجل حرماني منها، كما تؤكد ذلك مراسلات رسمية موثقة. خلال هذا العام، من المنتظر أن تصدر محكمة النقض قرارها النهائي بشأن هذه القضية، وأنا على ثقة تامة بأنني سأربحها، مما سيشكل صفعة أخرى لمحاولات النظام المغربي في إسكاتي وعرقلة نضالي.



لكن الأهم من هذا الانتصار القانوني هو أنه يفتح أمامي مرحلة جديدة من النضال. المرحلة القادمة ستكون مكرسة لتعريف العالم بحقيقة النظام المغربي، وكشف الوجه الحقيقي لأجهزته الأمنية القمعية، التي تمارس انتهاكات ممنهجة ضد الصحراويين والمعارضين السياسيين، بينما تحاول التستر خلف شعارات زائفة عن الأمن والاستقرار.

هذا ليس مجرد انتصار شخصي، بل إثبات أن النظام المغربي لا يستطيع فرض هيمنته خارج حدوده، وأن العدالة الدولية قادرة على كشف ألاعيبه ووقف تجاوزاته.


  • حاورته : كاميليا أمير

طالع أيضا

مدرب الأهلي يهدد مستقبل محرز مع الفريق

Africa News

استلام مشروع السكة الحديدية بعي البيضاء خلال أيــام

Africa News

السنغال تحتج على تصريحات مرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية

Africa News

اترك تعليق