بعد تحذير أممي من “أبعاد غير مسبوقة” للأزمة الإنسانية
مع مطلع عام 2025، تكون الأزمة في السودان أكملت نحو 20 شهرا من الحرب المشتعلة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي راح ضحيتها ملايين الأشخاص بين قتيل ومصاب ونازح ولاجئ، بالإضافة إلى خسائر اقتصادية لم يقدر حجمها بعد.
واشتعلت شرارة هذه الحرب في 15 أفريل 2025، نتيجة خلاف سياسي -كما أُعلن وقتها- إذ كان رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهانيرى أن مدة عامين كافية لدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية، لكن قائد هذه القوات محمد حمدان دقلو(حميدتي) رفض هذه المدة، وطالب بـ10 سنوات حتى إتمام عملية الدمج.
لكن العديد من المحللين والخبراء يرون أن هناك أسبابا عديدة تقف وراء اشتعال الحرب بين قوات الجيش وفصيل عسكري كان لوقت قريب جزءا من هذه القوات، ومع استقبال السودان عاما جديدا وهو يعايش الآثار المدمرة لهذه الحرب، حذرت كليمنت سلامي منسقة الأمم المتحدة للعمل الإنساني بالسودان من أن الأزمة الإنسانية في هذا البلد وصلت إلى أبعاد غير مسبوقة.
وقالت -في تصريح صحفي- إن أكثر من نصف سكان السودان يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية والحماية العاجلة، بما في ذلك 16 مليون طفل، وفق تعبيرها.
وذكرت سلامي أن انعدام الأمن الغذائي الحاد بالسودان وصل إلى مستويات تاريخية، خصوصا في مناطق بإقليم دارفوروالعاصمة الخرطوم، وإقليم كردفان.
وقالت أيضا إنه بعد أكثر من 20 شهراً من الحرب بين الجيش السودانيوقوات الدعم السريع، يواجه السودان إحدى أكبر الأزمات الإنسانية بالعالم.
ودعت المنسقة الأممية جميع أطراف النزاع بالسودان لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وضمان حماية العمليات الإنسانية وعمال الإغاثة على الأرض.
من جانبه، قال المبعوث الأميركي الخاص بالسودان توم بيريلو إن هناك 638 ألف شخص بالسودان يواجهون المجاعة، وأوضح عبر حسابه بمنصة “إكس” أن أكثر من 30 مليون سوداني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية نتيجة لما وصفه بأفعال قوات الدعم السريع والجيش السوداني.
وشدد المبعوث الأميركي للسودان على أن الشعب السوداني يحتاج إلى وقف القتال وسماح جميع الأطراف المتحاربة بوصول المساعدات الإنسانية على الفور، ودعا المجتمع الدولي إلى المزيد من الوعي بخطورة الأزمة الإنسانية بالسودان.
وجاءت تلك التصريحات بعد ساعات من تأكيد رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان -في كلمة بمناسبة الذكرى الـ69 للاستقلال- أن الحديث عن انتشار المجاعة “محض افتراء بقصد التدخل في الشأن السوداني”.
وكانت الخارجية السودانية نفت -في بيان مطلع الأسبوع الحالي- وجود مجاعة بالبلاد، وقالت إن تلك التقارير تهدف للتدخل في شؤون السودان.
ويواصل الجيش السودانيالقصف من مواقعه في شمالي أم درمانتجمعات قوات الدعم السريعوسط الخرطوم بحري بالمدفعية الثقيلة منذ الساعات الأولى من صباح اليوم السبت.
ومنذ أسابيع تمكن الجيش السوداني من الوصول إلى شمبات، بينما لا تزال قوات الدعم السريع تتمسك بمواقع حاكمة في المنطقة.
ويحاول الجيش التقدم من شمال الخرطوم بحري حتى مقر سلاح الإشارة أقصى جنوب المدينة، ومن ثم فك الحصار عن مقر القيادة العامة للجيش وسط العاصمة الخرطوم.
من ناحية أخرى، قالت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بالسودان في بيان إن مخيم أبشوك للنازحين شمالي مدينة الفاشرعاصمة ولاية شمال دارفورتعرض للقصف بالطائرات الحربية التابعة للجيش السوداني، ما أدى إلى سقوط قتلى من النازحين، بينهم طفلان، وإصابة آخرين وتدمير البنية التحتية بالمخيم.
وذكرت المنسقية -وهي كيان أهلي معني بقضايا النازحين واللاجئين في السودان- أن قوات الدعم السريع قصفت مخيم زمزم للنازحين بالمحيط الجنوبي للفاشر بالمدفعية الثقيلة عدة مرات.
ودانت المنسقية، في بيانها، بأشد العبارات، ما وصفتها بالمجازر البشعة جراء عمليات قصف تستهدف الأحياء السكنية ومراكز إيواء النازحين ومخيمات النازحين، بشكل متواصل، من قبل الجيش السوداني والدعم السريع.
ودعت المنسقية أطراف الحرب بالسودان إلى الوقف الفوري لاستهداف المدنيين الأبرياء، خاصة النساء والأطفال.
ويدور القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أفريل 2023، مخلّفا أزمة إنسانية هائلة، حيث نزح أكثر من 12 مليون شخص من مناطقهم، وتواجه وكالات الأمم المتحدة صعوبات في إيصال المساعدات الإنسانية.
ومن المتوقع أن تثير هذه التطورات بشأن مبادرات الحل السلمي وإطلاق العملية السياسية بعد الحرب جدلًا واسعًا خاصة في أروقة القوى السياسية المساندة للدعم السريع، ومن ورائها القوى الإقليمية الداعمة لها التي بدأت تستشعر ضعف الموقف العسكري الميداني، وتصاعد الخلافات داخل جناحها السياسي (تقدم) بخصوص مقترح تشكيل حكومة منفى، وهو خلاف مرشح للتفاقم بما يمكن أن يفضي إلى انقسام وتشظٍّ، وينتج عن ذلك خروج هذا الجسم عن دائرة التأثير والفعل السياسي في الحياة السياسية في السودان، ودخولها في نفق مظلم.
فهل تستسلم هذه القوى ومن خلفها لهذا المصير، أم تسعى إلى إيجاد روافع أخرى تعيدها إلى دائرة الفعل رغم انسداد مسالك العودة بعد شراكتها طيلة أشهر الحرب لقوات الدعم السريع بما ارتكبته من جرائم في حق المدنيين وثقتها مؤسسات حقوقية وصحفية كبرى عديدة حول العالم؟
هل ستسعى (تقدم) إلى التمسك بأمل العودة ولو على تراث المصالحة الأهلية، أو ما يعرف بـ (الجودية) في الثقافة السودانية، والتعلق بحبل (عفا الله عما سلف)؟ وهل الشعب السوداني سيقبل بذلك هذه المرة كما قبل بها في سالف الحروب والخلافات السياسية، أم أن الأمر مختلف هذه المرة؟
لكن السؤال الأكثر أهمية هو: هل ستتخلى القوى الإقليمية الداعمة للدعم السريع وجناحها السياسي عنهما مقابل صيغة تسوية تضمن لها مصالحها؟ وهل الحكومة السودانية على استعداد لتقديم تنازلات لهذه القوى مقابل رفعها يدها نهائيًا عن الدعم السريع وجناحها السياسي؟!.
الكاتب في العلاقات الدولية ، الدكتور ياسر يوسف إبراهيم :
“السياسة في هذا البلد المنكوب قد وصلت إلى مرحلة الإفلاس الفكري التام”

أكد الكاتب في العلاقات الدولية، الدكتور ياسر يوسف إبراهيم، أن الحرب وتداعياتها ليست فقط ما يجب أن يخشاه السودانيون على مستقبلهم، فما الحرب إلا نتيجة لداء أعظم وأفدح، وما تداعياتها إلا عنوان فرعي لمحتوى مأساوي ومخيف. ما يجب أن يخيف السودانيين هو تفكك عُرى المؤسسات المعنية بالمحافظة على تماسك الوحدة الوطنية من ناحية، وعلى التخطيط المحكم للمستقبل من ناحية أخرى.
وبالنظر المتعمق للراهن الوطني اليوم، تبرز الحقيقة المؤلمة أن السياسة في هذا البلد المنكوب قد وصلت إلى مرحلة الإفلاس الفكري التام، وتحطمت كل التجارب الفكرية يسارية ويمينية، قومية وإسلامية، طائفية وعسكرية دون أن تحقق المطلوب الوطني المتلخص في بناء نهضة شاملة تصون كرامة المواطن السوداني وتحقق طموحاته وأحلامه.
وما من خطر يهدد مستقبل الشعوب وراهنها إلا الوصول إلى مرحلة فقدان البوصلة نحو الأمام، وفراغ كنانتها من أي فكرة صالحة للتطبيق.
ولم يكن أمر الوصول لنقطة الفشل هذه غائبًا عن كل وطني مخلص، أو مثقف مستبصر، أو مواطن سليم الفطرة والنظر. ذلك أن جرثومة الفشل وُلدت باكرًا مع ميلاد الحركة الوطنية السودانية.
ومن رحم ذلك الفقر في الرؤية، وانعدام الاستشراف المستنير للمستقبل، وُلدت الأحزاب السياسية بمخاض استبق تاريخ الاستقلال بسنوات قلائل. ومع بدايات فترات الحكم الوطني، استبان أن النخبة الوطنية التي وُلدت من رحم المؤسسات الاستعمارية لا تمتلك الحس التاريخي الكافي للتعامل مع وطن بحجم السودان، متعدد الأعراق والثقافات، متباين الديانات والأفكار.
بدأ الفشل حين عجزت هذه النخبة عن بناء مؤسسات وطنية مستقلة ومحايدة تكون ترياقًا للفساد والتسييس المُضر. عوضًا عن ذلك، تمسكت النخبة بما ورثته دون أي تطوير يضفي عليه روح الاستقلال الوطني، أو كما يقول وائل حلاق وهو يصف حال النخبة في البلاد العربية: “حافظت على هياكل القوة التي ورثتها من التجربة الاستعمارية التي حاربتها أثناء الحقبة الاستعمارية بعدما نالت بلادها ما يُطلق عليه اسم الاستقلال”.
“السياسة السودانية أصبحت رهينة المشهد الحزبي المتداعيو عسكرة العمل السياسي”

وأضاف الدكتور ياسر يوسف إبراهيم انتجربة الحكم الوطني تراوحت بين ثلاث حكومات ديمقراطية وثلاث حكومات عسكرية. كانت تجارب الحكم الديمقراطي من نصيب الأحزاب التقليدية: (حزب الأمة وطائفة الأنصار، والحزب الديمقراطي وطائفة الختمية).
كان العامل المشترك لحكم الأحزاب هو الانغماس في الخلافات الصغيرة، واتباع التكتيكات والمناورات (والانقسام على أسس شخصية وأيديولوجية)، كما لخّص روبرت كولينز صراعات الحزب الشيوعي. انسحب هذا الأمر على عدم قدرة هذه الأحزاب على المحافظة على الديمقراطية أولًا، وعلى عدم تقديم أي مشروع إستراتيجي للتنمية ثانيًا.
تحت هذا الفشل المتواصل من ناحية، وفي ظل التضييق الذي تعرضت له جراء الانقلابات العسكرية من ناحية أخرى، تحولت الأحزاب الطائفية إلى ما يشبه (الملكية الأسرية)، حيث ضاقت قياداتها التاريخية بالآراء الحرة وبالدعوات من أجل التجديد والانفتاح.
ومن المعلوم أن كبت الحريات داخل الأحزاب لا بد أن يؤدي إلى الانفجار والانقسام، وهو ما حدث بالفعل. حيث انتهى حزب الأمة إلى أكثر من خمسة أحزاب تحمل نفس الاسم وتتكئ على ذات الشريحة الاجتماعية التي ناصرت الحزب أول أمره بعد الاستقلال.
يزيد هذا المشهد الحزبي المتداعي خطورة ظهور عامل جديد في السياسة السودانية، وهو (عسكرة العمل السياسي)، حيث صعدت إلى الواجهة حركات مسلحة تمارس السياسة، لا هي أحزاب بالمفهوم التقليدي للحزب ولا هي جيش نظامي يحتكر العنف لصالح الدولة كما ينادي ماكس فيبر. وبالتأكيد، لا يُنتظر منها رؤية لمشروع وطني للنهضة والازدهار.
يبقى أن نقول إن الأحزاب السياسية استنفدت طاقتها خلال المسيرة الطويلة، والمشهد بحاجة ماسّة لتأسيس جديد تقوم دعائمه على توافق وطني واسع وعريض يتفق على أن المسيرة السابقة قد أوصلتنا إلى (حافة الإفلاس). نحن بحاجة إلى تواضع جماعي نقر فيه بأخطائنا المشتركة، وإلى تصالح مع الذات يمنحنا القدرة على مراجعة مسلماتنا الفكرية التي ظننا أنها فوق النقد والمراجعة.
إن التطور الفكري في المجال السياسي أثبت أن الأيديولوجيات الصماء المنغلقة على نفسها قد تهاوت وتجاوزها الزمن، وأنه لا مناص من إعادة بناء المشهد السياسي على أسس علمية راسخة، وتشييد مؤسسات وطنية قوية مستقلة ومحايدة تتولى أمر التخطيط لمستقبل الدولة وصيانة وحدتها وقوتها.
أما الأحزاب السياسية، فإنها بحاجة إلى دراسة الظاهرة الشعبوية التي اجتاحت العالم وتجاوزت الدور القديم للأحزاب. وإن لم تفعل عاجلًا، فإنها لن تحافظ على الماضي ولن تبلغ المستقبل.
الكاتب والأكاديمي ، الدكتور ياسر محجوب الحسين :
“هذه هي أسباب عودة نشاط حزب البشير”

في غمار الأزمة السودانية المتفاقمة التي تمسك بتلابيب البلاد، شهدت الساحة السياسية حراكًا مكثفًا خلال الأسابيع الماضية داخل أروقة حزب المؤتمر الوطني، الحزب الحاكم السابق برئاسة الرئيس السابق عمر البشير.
بينما اعتبر المتخوفون التوقيت غير ملائم، رأى الطامحون، والمتعجلون أن اللحظة الراهنة تشكل فرصة سانحة للظهور العلني واستعادة النفوذ، بعد فترة عصيبة هي الأسوأ في تاريخ الحزب، منذ سقوط النظام في أفريل2019.
وفي هذا المناخ السياسي المضطرب، برزت محاولات مكثفة لإعادة ترتيب الصفوف وإحياء النشاط السياسي للحزب، حيث نجحت جهود لعقد مؤتمر مجلس شورى الحزب؛ بهدف انتخاب رئيس جديد. وقد تضمن هذا الحراك الاستماع لتسجيل للرئيس البشير من معتقله الحالي، حسب إفادة آخر وزير إعلام في النظام السابق.
هذه الخطوة الجريئة تحمل أحد احتمالين: إما أن الظروف السياسية قد نضجت بما يكفي لإعادة الظهور العلني، أو أن القرار جاء متسرعًا مدفوعًا بصراعات داخلية تتسابق فيها الأجنحة المختلفة لفرض أجنداتها السياسية داخل الحزب.
إن الصراع الأخير الذي برز في انتخاب رئيس جديد للحزب بدا قفزة في الظلام؛ نظرًا للتحديات الجسام التي تواجه الحزب، والدولة، وبدت نظرة المشفقين أقرب إلى الصواب؛ إذ تبين أن الحزب لم يتعلم من دروس الماضي، حيث يعيد اليوم متنفذوه استخدام ذات الأدوات السياسية التي قادت إلى انهيار سلطته.
وربما ارتكز المتعجلون أو أصحاب الأجندة إلى التحولات السياسية، والعسكرية بدءًا من فشل حكومة عبدالله حمدوك، وحاضنته السياسية قوى الحرية والتغيير (قحت) في إدارة الفترة الانتقالية، ثم بعد ذلك الحرب المدمرة الجارية الآن، والجرائم التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع في حق المواطنين العزل، حيث نتج عن كل ذلك حدوث نوع من المقارنة لصالح النظام السابق، لا سيما في مجالات: الأمن، والاستقرار، وحتى الوضع الاقتصادي، فزادت شعبية النظام السابق، ورحبت أكثرية بعودته.
ولعل ذلك جعل ردة فعل قيادة الدولة الحالية على استئناف نشاط الحزب ردة فعل خجولة، أو أقل حدة مما كان متوقعًا، وتحدث رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان معلقًا: “بكل أسف، سمعنا في الأسابيع الماضية أن المؤتمر الوطني يريد عقد اجتماع لمجلس الشورى، هذا أمر مرفوض”.
“موقع الحركة الإسلامية من الراهن”

في أعقاب الزلزال السياسي الثاني في أفريل2019 والذي أتى على سلطة المؤتمر الوطني من القواعد اتخذت الحركة الإسلامية خطوات لإعادة هيكلتها، لكنها اصطدمت مرة أخرى بمحاولات الحزب استعادة دوره في الساحة السياسية، مما أدى إلى توترات بين الطرفين، فذات الأدوات، وذات الوسائل في “صراع الإخوة الأعداء” مضت تحمل معاول الهدم من جديد.
لقد أبدى بعض قادة الحركة الإسلامية انتقادات للحزب، محملين إياه مسؤولية فشل النظام السابق؛ بسبب فساد بعض قياداته، وسوء إدارة الدولة.
واليوم يقف الصراع في ذات النقطة الخلافية؛ فالحزب ما زال يحاول أن يصبح المرجعية التنفيذية، والسياسية كما كان خلال فترة حكمه المنصرم، متجاوزًا دور الحركة الإسلامية.
إن القيادات المتصارعة في الحزب تريد في سبيل تحقيق طموحاتها السياسية على حساب المؤسسية، أن تأخذ الحركة مكانًا قصيًا، وتبقى شِلوًا ممزقًا يعيش على رصيف الفعل السياسي. وفوق ذلك مطلوب منها تحمُّل وزر إخفاقات تجربة حكم امتدت لنحو 30 عامًا.
“لا سبيل لصلاح حال الحركة إلا بتحقيق الاتجاه للفرد والمجتمع”

إن الصراع على قيادة حزب المؤتمر الوطني يهدد بقاء الحزب ككيان موحد، ويفقده قدرته على لعب دور سياسي فعّال. فإن استمرت هذه الخلافات العاصفة دون حلول مؤسسية، ولا نقول توافقية، قد يتحول الحزب إلى قوة هامشية في المشهد السياسي السوداني، أو يختفي تمامًا من الساحة السياسية.
ومع اشتداد الصراع، تضعف الهياكل التنظيمية للحزب، حيث تنشأ تيارات، وجماعات منفصلة تعمل بمعزل عن القيادة المركزية. إن ما يؤثر على قدرة الحزب على لعب دور سياسي فعال فقدان المصداقية أمام الرأي العام، إذ تعكس الخلافات صورة من الضعف، والانقسام، مما يقلل من جاذبية الحزب لدى القاعدة الشعبية، ويُضعف فرصه في استعادة النفوذ السياسي.
كذلك فإن الانشغال بالصراعات الداخلية يعمل على تراجع القدرة التنافسية للحزب، أي عدم القدرة على تقديم برامج سياسية مقنعة، أو منافسة القوى السياسية الأخرى. فضلًا عن أن هذه الصراعات تجعل من الصعب على الحزب بناء تحالفات مع قوى أخرى، حيث يُنظر إليه باعتباره كيانًا غير مستقر، وغير موثوق.
وإن لم يتم احتواء هذه الصراعات العبثية، فقد ينقسم الحزب إلى مجموعات أو تيارات متناحرة، مما يؤدي إلى فقدانه مكانته كقوة سياسية موحدة.
ولتجنب كل ذلك، يحتاج الحزب إلى إصلاح داخلي شامل، وإعادة هيكلة قاعدته التنظيمية ورؤيته السياسية. بالإضافة إلى إصلاح العلاقة بين الحزب، والحركة الإسلامية من خلال إعادة وضعيتها باعتبارها المرجعية الفكرية، والمؤسسية.
في ذات الوقت، لا سبيل لصلاح حال الحركة إلا بتحقيق أمر مهم، وهو: الاتجاه للفرد، والمجتمع، مما يقتضي أن يكون البرنامج الاجتماعي هو البرنامج الأهم في مشروعها للمرحلة المقبلة، على أن يستهدف ذلك النهوض بالفرد باعتباره محورًا أساسيًا للتنمية بكل أوجهها.
ولا بدّ من الاستفادة القصوى من الانتشار الواسع للمساجد، وتضاعف أعدادها، والاستفادة منها باعتبارها مراكز إشعاع فكري، واجتماعي، ولا بدّ من اعتماد إستراتيجية تُعيد للمسجد دوره المفتقد في الترابط الاجتماعي، والتكافل الاقتصادي.
وضمن البرنامج الاجتماعي تبرز ضرورة مواجهة تحدي الإصلاح الاقتصادي؛ لإقامة الاقتصاد على خطة الإنصاف، وعلى تحقيق ميزان العدالة بين من يملك، ومن لا يملك.
الصحفي والكاتب ، ركابي حسن يعقوب :
“هل سيضحون بالدعم السريع ؟ “

وضح الصحفي والكاتب، ركابي حسن يعقوب، أنه وفي 31 ديسمبر2024 وبحلول الذكرى التاسعة والستين لاستقلال السودان، وجّه رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان خطابًا للمواطنين اشتمل على قضايا محلية وإقليمية ودولية.
وكان اللافت فيه أنه أكد على استعداد السودان للانخراط في أي مبادرة حقيقية تنهي الحرب وتضمن عودة آمنة للمواطنين إلى بيوتهم، لكنه أشار مستدركًا إلى أن أي مبادرة تعيد الأوضاع إلى ما قبل 15 أفريل2023، هي مرفوضة، مضيفًا (لا يمكن القبول بوجود هؤلاء القتلة والمجرمين وداعميهم وسط الشعب السوداني مرة أخرى)، ويعني بذلك قوات الدعم السريع وجناحها السياسي تنسيقية القوى المدنية المعروفة بـ (تقدم)، وهو ما يعني في المحصلة النهائية استبعاد ورفض أي حل سلمي يتضمن عودة هؤلاء إلى الحياة العامة في السودان.
وقد جاء خطاب البرهان في هذه الجزئية الخاصة بالعملية السياسية موافقًا لما كان أعلنه السفير الحارث إدريس مندوب السودان الدائم بالأمم المتحدة في بيان ألقاه في 19 ديسمبرالماضي، أمام جلسة الاجتماع الوزاري لمجلس الأمن الدولي حول السودان الذي تناول بالتفصيل القضايا الإنسانية المرتبطة بالحرب الدائرة، وموقف الحكومة السودانية الداعم لجهود توصيل المساعدات الإنسانية للنازحين، وحرصها على حماية المدنيين، وتنفيذ القرار 1591 في دارفور، والقرار 2736 المتعلق بالملكية الوطنية لصنع السلام، ووقف الحصار على الفاشر والمدن الأخرى التي تحاصرها قوات الدعم السريع.
وكشف ذلك البيان عن مزيد من الأدلة التي تثبت تزويد قوات الدعم السريع بالدعم العسكري واللوجيستي عبر عدد من دول جوار السودان واستخدام مهابط طيران سرية في مدينة (نيالا) بجنوب دارفور.
كما تطرق إلى قضية المرتزقة الكولومبيين الذين شاركوا في الحرب إلى جانب قوات الدعم السريع، وضرورة إدانة المنظمة الأممية لقوات الدعم السريع بخصوص حماية المدنيين لردعها عن الاستمرار في ارتكاب المزيد من الخروقات، وتأكيده على أنه ستكون هناك عملية سياسية شاملة في البلاد يتم ابتدارها بعد وقف الحرب وفق رؤية وطنية خالصة.. وتأكيده (القاطع) على أنه لن يكون لقوات الدعم السريع أي دور في هذه العملية السياسية، ولا في مستقبل السودان.
وهذا التأكيد يعتبر تطورًا جديدًا له أهميته، فهو يضع حدًا لكل التكهنات التي ترد بشأن مستقبل الحياة السياسية في السودان عقب انتهاء الحرب، وماهية القوى السياسية التي ستكون فاعلة فيها، وتلك التي سيتم استبعادها.
هذا الشق من بيان مندوب السودان بالأمم المتحدة الخاص بالموقف السياسي ما بعد الحرب، له دلالات عديدة أكسبته أهمية خاصة، في هذا التوقيت الذي تتسارع فيه الأحداث على الصعيد العسكري، حيث يشهد الميدان تقدمًا واضحًا للجيش والقوات المتحالفة معه، وتقهقرًا كبيرًا لقوات الدعم السريع وفقدانها لكثير من المناطق التي ظلت تسيطر عليها منذ بداية الحرب وتحديدًا في العاصمة الخرطوم، في وضع ينذر بالوصول بها إلى حالة انهيار مفاجئ، خاصة أن الخلافات بين المكونات القبلية داخل هذه القوات آخذة في الاتساع مع اشتداد المعارك، وقد شهد الأسبوع الماضي مواجهات عنيفة بين مكونات تلك القوات سقط جراءها عدد غير قليل من القتلى.
إعداد : سارة دالي