بقلم : بدر الدين كليبي
بالاعتماد على بيان وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية الصادر بتاريخ 9 أفريل 2025، وتصريحات الإدارة الأمريكية بشأن الصحراء الغربية، فإن واشنطن تخالف القانون الدولي باعتراف أمريكا بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية وذلك يُعد انتهاكًا صارخًا لحق تقرير المصير.
وفي خضم التفاعلات الدولية بشأن القضية الصحراوية، جدّدت الولايات المتحدة الأمريكية في أبريل 2025 موقفها الداعم لمخطط الحكم الذاتي المغربي، معتبرة إياه “الأساس الوحيد” لحل النزاع، ما يعكس إصرار واشنطن على تكريس خيار أحادي يتعارض بشكل مباشر مع القرارات الأممية والمبادئ الراسخة في القانون الدولي. يأتي هذا التصعيد في خرقٍ صارخٍ لحق تقرير المصير، ولمبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، ويشكل سابقة خطيرة في تسييس حقوق الشعوب واستغلال ملفات تصفية الاستعمار لتحقيق مصالح استراتيجية.
1/ خرق ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة
يُصنف إقليم الصحراء الغربية منذ سنة 1963 ضمن الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي بموجب لوائح الأمم المتحدة، وينطبق عليه ميثاقها، لاسيما:
المادة 1(2) التي تنص على تطوير العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام مبدأ “تقرير المصير للشعوب”.
قرار الجمعية العامة رقم 1514 (XV) لسنة 1960، المتعلق بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة.
قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن المتتالية، التي تؤكد أن الحل يجب أن يكون “عادلًا، ودائمًا، ومقبولًا للطرفين”، ويتضمن خيار الاستقلال ضمن استفتاء حر ونزيه.
إن اعتراف أمريكا بالسيادة المغربية يُسقط هذا المبدأ الجوهري، ويُحبط مسارًا أمميًا متواصلًا منذ عقود لحل النزاع عبر استشارة الشعب الصحراوي.
2/ انتهاك مبدأ عدم جواز الاعتراف بنتائج الاحتلال
تُشكل السيادة الإقليمية في القانون الدولي مبدأً لا يمكن التنازل عنه أو تسييسه. وطبقًا لمبدأ “عدم جواز الاعتراف بالوضع الناشئ عن استخدام القوة” الوارد في:
قرار الجمعية العامة رقم 2625 (XXV) لسنة 1970 (إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية بين الدول)،
الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن ناميبيا (1971)، حيث أكدت المحكمة أن الدول ملزمة بعدم الاعتراف بأي وضع غير قانوني ناتج عن انتهاك القانون الدولي.
بالتالي، فإن أي اعتراف أمريكي بالسيادة المغربية على أراضٍ خاضعة لعملية تصفية استعمار، دون استفتاء، يمثل تبريرًا لواقع استعماري وخرقًا لقاعدة آمرة (jus cogens) في القانون الدولي.
3/ إضعاف لشرعية الأمم المتحدة وتناقض مع مواقفها الرسمية
بيان وزارة الخارجية الجزائرية الصادر في 9 أفريل 2025 يعكس بوضوح خيبة أمل من دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، اختارت التنكر لالتزاماتها المبدئية والأخلاقية، وفضلت الانحياز لموقف استعماري على حساب الشرعية الدولية. الجزائر، كطرف مراقب وفاعل في المنطقة، ذكّرت العالم بأن حق تقرير المصير في الصحراء الغربية لم يُستكمل، وأن أي حل خارج الإرادة الحرة للشعب الصحراوي يظل باطلًا ومرفوضًا قانونًا وأخلاقيًا.
4/ تقويض حقوق الإنسان وتشجيع الإفلات من العقاب
إن دعم الولايات المتحدة لسيادة المغرب على الإقليم المحتل دون اشتراط احترام حقوق الإنسان ولا فتح المجال للرقابة الدولية، يُعتبر تواطؤًا ضمنيًا مع الانتهاكات الجسيمة التي وثقتها هيئات أممية في الإقليم، منها:
المنع الممنهج لحرية التعبير والتجمع.
الاعتقال التعسفي للنشطاء الصحراويين.
استغلال الموارد الطبيعية دون استشارة السكان المحليين، في انتهاك للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الأوروبية (2016).
5/ تطبيع الاحتلال : ربط الموقف الأمريكي بصفقة سياسية
الربط بين الاعتراف بسيادة المغرب وتطبيع العلاقات مع “إسرائيل” سنة 2020، في عهد ترامب، يُعري الطابع الابتزازي والسياسي لقرار يُفترض أن يُبنى على قواعد القانون لا على المقايضة الجيوسياسية. وهو ما يتنافى مع مبدأ “عدم المقايضة بحقوق الشعوب”، ويضع الولايات المتحدة في موضع المسؤولية الدولية المعنوية والأخلاقية.
خاتمة : ضرورة الرد القانوني والدبلوماسي
أمام هذا التصعيد، تبرز الحاجة إلى تعبئة قانونية ودبلوماسية، تُركّز على:
تحريك المساءلة الدولية من خلال الجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية.
التأكيد على الرأي الاستشاري المرتقب حول مسؤوليات الدول في الاعتراف بسيادة على أراضٍ خاضعة لتصفية استعمار.
تكثيف الجهود الحقوقية والمدنية لمساءلة الإدارة الأمريكية وممارسة الضغط الشعبي والدولي.
إن التاريخ لن يرحم الدول التي استخفّت بحقوق الشعوب، والاعتراف الأمريكي ليس سوى وصمة قانونية ستظل تُلاحق واشنطن ما لم تتراجع عنها، وتعود إلى جادة القانون والشرعية.