حجم الهجوم يوضح الدعم الذي توفره أطراف إقليمية ودولية
منذ 27 نوفمبر الماضي، تخوض فصائل المعارضة السورية اشتباكات مع قوات الجيش السوري بعدة مناطق في البلاد. وفي 29 نوفمبر دخلت مدينة حلب، وفي اليوم التالي بسطت سيطرتها على محافظة إدلب.
وعقب إتمام السيطرة على حلب وإدلب، سيطرت المعارضة الخميس على مدينة حماة عقب اشتباكات عنيفة مع قوات الجيش السوري.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى وقف فوري للأعمال العدائية وسط التصعيد الأخير للعنف في سوريا، حسبما قال المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك يوم الاثنين.
وقال دوجاريك في مؤتمر صحفي يومي إن غوتيريش يشعر بالقلق إزاء التصعيد الأخير للعنف في شمال غرب سوريا.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى وقف فوري للأعمال العدائية، وذكّر جميع الأطراف بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، ويشمل أيضا القانون الإنساني، وحث على العودة الفورية إلى العملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015.
ووفقا للمتحدث باسم الأمم المتحدة، هناك تقارير عن سقوط ضحايا من المدنيين وتشريد عشرات الآلاف من الأشخاص وإلحاق الضرر بالبنية التحتية المدنية وانقطاع الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية.
وحث الأمين العام للأمم المتحدة جميع الأطراف على حماية المدنيين والأهداف المدنية، بما يشمل السماح بالمرور الآمن للمدنيين الفارين من الأعمال العدائية.
وأكد غوتيريش الحاجة الملحة إلى تعاون جميع الأطراف بجدية مع مبعوثه الخاص إلى سوريا لرسم مسار شامل للخروج من الصراع بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015.
وقال: “تحمل السوريون الصراع لمدة 14 عاما تقريبا. إنهم يستحقون أفقا سياسيا يوفر مستقبلا سلميا وليس المزيد من إراقة الدماء”.
أكد المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، على الحاجة إلى مشاركة جادة وفاعلة من الأطراف السورية والجهات الفاعلة الدولية الرئيسية في التوصل إلى حل سياسي.
ونقل مركز إعلام الأمم المتحدة، عن المبعوث الأممي تأكيده على أن ضامني اتفاق أستانا (تركيا إيران وروسيا) والولايات المتحدة يجب أن يعملوا على تهدئة الوضع والدفع نحو عملية سياسية حقيقية، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يحتوي على جميع العناصر اللازمة للتوصل إلى حل سياسي في البلاد.
وقال بيدرسون، وفقا لما أورده مكتبه، “رسالتي للجميع هي التأكيد على أهمية خفض التصعيد وحماية المدنيين ومنع إراقة الدماء ووجود رؤية مشتركة جديدة وجدية من الأطراف السورية والدولية للحل السياسي” للصراع في سوريا.
وأوضح المكتب أن “بيدرسون سيسافر قريبا إلى المنطقة لإجراء سلسلة من الاتصالات رفيعة المستوى”، في سياق آخر التطورات الأمنية في سوريا.
وحذر بيدرسون، الثلاثاء الماضي، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي كانت مخصصة لسوريا، من أن الوضع في هذا البلد “خطير”، ودعا إلى “تجنب الخطر الذي يهدد وحدة سوريا وسلامة أراضيها”.
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يومىالخميس على الحاجة الملحة للعودة إلى العملية السياسية في سوريا.
وقال غوتيريش، في مؤتمر صحفي، أنه بعد 14 عاما من الصراع، حان الوقت لجميع الأطراف للانخراط بجدية مع المبعوث الأممي
الخاص إلى سوريا غير بيدرسون لوضع نهج جديد وشامل لحل هذه الأزمة بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.
وشدد قائلا: “حان الوقت للحوار الجاد” مضيفا: “بعبارة أخرى، استعادة سيادة سوريا ووحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها، وتلبية التطلعات المشروعة للشعب السوري”.
وأضاف “ينفطر قلبي” عندما أرى معاناة السوريين تتزايد، وذلك إضافة إلى التهديدات التي يتعرض لها الأمن الإقليمي والدولي، وحث كل من يتمتع بالنفوذ على القيام بدورهم من أجل الشعب السوري الذي عانى لفترة طويلة.
وكان المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، أكد في وقت سابق، على الحاجة إلى مشاركة جادة وفاعلة من الأطراف السورية والجهات الفاعلة الدولية الرئيسية في التوصل إلى حل سياسي.
كما أعرب الاتحاد البرلماني العربي عن قلقه بشأن تطور الأوضاع السياسية والأمنية التي تشهدها الجمهورية العربية السورية، بما ينعكس على أمن البلاد واستقرار أراضيه.
وأشار الاتحاد البرلماني العربي، في بيان موقع باسم رئيسه، ابراهيم بوغالي، رئيس المجلس الشعبي الوطني إلى أنه يتابع تطور الأوضاع السياسية والأمنية في الجمهورية العربية السورية الشقيقة، معربا عن “قلقه من تفاقم تلك الأوضاع وتطورها، بما ينعكس على أمن سوريا واستقرار أراضيها”.
وأكد الاتحاد البرلماني على “دعم الجهود الإقليمية والدولية المبذولة لحل الأزمة السورية”، مشيرا إلى أن “ما يتعرض له الشعب السوري من هجمات متواصلة من قبل العدو الصهيوني يعد انتهاكا للقانون الدولي ويجب التصدي له للحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها”.
ودعت ذات الهيئة إلى “تكثيف الجهود والمساعي الإقليمية والدولية الداعمة لتحقيق السلام والأمن من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ينهي كل تبعاتها ويعيد لسوريا أمنها واستقرارها ويحفظ لها سيادتها”.
كما أكد الاتحاد البرلماني العربي، في السياق، دعمه للجمهورية العربية السورية الشقيقة والشعب السوري الشقيق، “بما ينسجم مع مواقفه الثابتة والداعمة للتعاطي مع المواقف والقضايا العربية وبما يعزز الأمن والاستقرار في المنطقة ويحفظ وحدة أراضيها ويضمن حماية شعوبها”.
وعلى إثر هذه الوقائع، نزح أكثر من 115 ألف شخص من سكان شمال سوريا خلال الأيام الماضية وسط التصعيد الأخير للعنف في البلاد، وفق ما أفاد به مسؤول أممي يوم الأربعاء.
ونقلت مصادر إعلامية عن نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، ديفيد كاردن، بعد زيارة قام بها إلى إدلب قوله: “لقد مر أسبوع على تصعيد النزاع في سوريا، هناك أكثر من 115 ألف شخص نزحوا في أنحاء إدلب وشمال حلب”.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد دعا إلى وقف فوري للأعمال العدائية وسط التصعيد الأخير للعنف في سوريا، وناشد جميع الأطراف بحماية المدنيين والأهداف المدنية، بما يشمل السماح بالمرور الآمن للمدنيين الفارين من الأعمال العدائية.
وأكد غوتيريش على الحاجة الملحة إلى تعاون جميع الأطراف بجدية مع مبعوثه الخاص إلى سوريا، لرسم مسار شامل للخروج من الصراع بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015.
وقال في هذا الصدد: “تحمل السوريون الصراع لمدة 14 عاما تقريبا. إنهم يستحقون أفقا سياسيا يوفر مستقبلا سلميا وليس المزيد من إراقة الدماء”.
فلماذا بدأت المعارضة تحركاتها الآن؟ وكيف سيؤثر هذا على الملف الفلسطيني؟
ماهي الأطراف الفاعلة التي تؤثر على الشأن الداخلي السوري؟ وفيم تتمثل مصالحها؟
فما هي الحلول السياسية التي يجب اتباعها لإعادة الأمن إلى سوريا مجددا؟
الكاتب والباحث السياسي , محمود علوش :
“الكيان الصهيوني قلق من احتمال سيطرة المعارضة على مخازن أسلحة ومعدات الجيش السوري”
عزا محمود علوش الانهيار السريع لقوات السلطات السورية إلى عدة عوامل، أبرزها تراجع الدور الإيراني بعد أحداث 7 أكتوبر، وانشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا.
وأشار إلى أن نقل جزء من الأسطول الجوي الروسي إلى الجبهة الأوكرانية أضعف الغطاء الجوي للجيش السوري.
وتطرق إلى المواقف الدولية والإقليمية، مستعرضا دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحكومة السورية إلى إيجاد حل سياسي عاجل.
كما أشار إلى حث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش جميع الأطراف على الاضطلاع بدورها من أجل الشعب السوري، فيما ألقت الخارجية الأميركية باللوم على النظام السوري بسبب رفضه المتكرر الحل السياسي.
وحول الموقف العربي، أوضح محمود علوش أن المواقف العربية الصادرة لم تكن داعمة بشكل واضح للسلطة في سوريا، وإنما جاءت داعمة لسوريا كدولة.
وأضاف أن الدول العربية شكّلت سياستها انطلاقا من اعتقاد سابق بانتصار الحكومة، ورغبة في لعب دور أكبر في تشكيل مستقبل سوريا.
وبشأن المخاوف الصهيونية، أوضح أن القلق الصهيوني ينبع من احتمال سيطرة المعارضة على مخازن الأسلحة والمعدات للجيش السوري.
وأشار إلى أن ما يقلق الكيان الصهيوني تحديدا هو الصواريخ بعيدة المدى، خاصة في ظل افتقارها العمق الجغرافي.
وحول سبل الوصول إلى حل للأزمة أكد علوش على أن غياب أفق الحل السياسي خلال السنوات الماضية أدى إلى هذه التحولات الكبيرة، وأضاف أن الحل السياسي المطلوب يجب أن يكون وفق قرار مجلس الأمن 2254، مؤكدا أن “سوريا ما بعد 27 نوفمبر تختلف بشكل كبير عن سوريا ما قبله”.
الخبير العسكري , حاتم كريم الفلاحي :
“لهذه الأسباب لن تستطيع إيران دعم سوريا عسكريا”
قال الخبير العسكري العقيد المتقاعد حاتم كريم الفلاحي إن الوقت لن يسعف إيران بإرسال صواريخ ومسيّرات إلى سوريا بسبب عدة عوامل، مشيرا إلى أن “انهيار قوات وزارة الدفاع السورية لا يزال حاصلا منذ سقوط حلب”.
وأوضح الفلاحي -في حديثه للجزيرة- أن الوقت لن يسمح لإيران بإرسال معدات عسكرية وزيادة عدد مستشاريها في سوريا بسبب تعقيدات النقل اللوجستية.
ووفق الخبير العسكري، فإن الكيان الصهيوني لن يقبل بوصول أسلحة جديدة إلى سوريا، إذ تريد القضاء على النفوذ الإيراني هناك، إلى جانب أن البعد الجغرافي بين إيران وسوريا سيكون مؤثرا.
وأعرب عن قناعته بأن قوات المعارضة السورية المسلحة بطور الحشد والاندفاع، “ولن تعطي فرصة للجيش السوري لأجل إعادة التوازن وبناء خط دفاعي بأي منطقة من المناطق”.
وفي وقت سابق نقلت وكالة رويترز عن مسؤول إيراني كبير أن طهران تعتزم إرسال صواريخ وطائرات مسيّرة إلى سوريا، كما نقلت عن مصدرين آخرين أن حزب الله أرسل قوات إلى حمص.
وقال المسؤول الإيراني الكبير لرويترز إن إيران تعتزم أيضا زيادة عدد مستشاريها العسكريين في سوريا لدعم الرئيس بشار الأسد في معركته مع قوات المعارضة، مضيفا “الآن، تقدم طهران دعما مخابراتيا ودعما يتعلق بالأقمار الاصطناعية لسوريا”.
وتعد إيران أحد الحلفاء الرئيسيين لدمشق وزادت دعمها لها وعززت حضور مستشاريها العسكريين هناك عقب الثورة التي اندلعت في سوريا عام 2011.
وعلى الصعيد الميداني، أعلنت المعارضة المسلحة سيطرتها على مدينتي الرستن وتلبيسة بريف حمص الشمالي، بعد سيطرتها أمس الخميس على مدينة حماة.
واعتبر الفلاحي السيطرة على الرستن وتلبيسة متوقعا، ويعطي دلالة على استمرار انهيار القطاعات العسكرية بالمنطقة، كما يوجد نقص في الذخائر بعد السيطرة على معامل التصنيع العسكري.
ورجح الخبير العسكري أن قوات وزارة الدفاع السورية حاولت تأخير تقدم القوات إلى حماة “من أجل بناء خط دفاعي عن مدينة حمص لغرض المواجهة والقتال”.
ويعتقد أن عملية الاشتباك المباشرة بين قوات المعارضة والجيش السوري في حمص ستجري خلال الأيام المقبلة بعد حشد القوات وتوزيع الواجبات وتحديد الأهداف.
وأكد جدية قوات المعارضة المسلحة بالوصول إلى حمص، لكنه استدرك بالقول إنه سيتم معرفة توجهات هجوم المعارضة وأساليب الدفاع لقوات الجيش السوري “عندما تكتمل عملية الحشد لكلا الطرفين”.
وخلص الفلاحي إلى أن الانهيار حاصل في صفوف الجيش السوري منذ معركة حلب، مبينا أن الجيش عندما يفقد توازنه يصبح أمام مأزق وغير قادر على استعادة التوازن، كما أن المشكلة تتفاقم لدى المدافع خاصة إذا تمت إدامة عملية الزخم من القوات المهاجمة.
الباحث المختص في الشأن السوري ، وائل علوان :
“الموازين في المنطقة تغيرت بالفعل وسيربح من زادت موازينه”
بعيدًا عن الأسباب والدوافع المباشرة، أكد الباحث مختص في الشأن السوري، وائل علوان، أن الموازين في المنطقة قد تغيرت بالفعل، وشكل المنطقة لا بد أن يتغير مع تغير الموازين، سيربح من زادت موازينه، وستكون أمامه فرص أكبر على حساب أطراف أخرى تراجع نفوذها ودورها الإقليمي والدولي.
وإن صحت التوقعات، فقد شعرت تركيا أن قدرتها على التحرك في سوريا قد ارتفعت منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا، وحالة الاستنزاف التي تعانيها موسكو هناك، ثم تعززت بعد تراجع الدور الإيراني في المنطقة عمومًا إثر الضربات التي تلقتها من الكيان الصهيوني، وبعد الضعف الكبير الذي أصاب القوات الإيرانية وحزب الله اللبناني.
ولم تزد تركيا أن أعلنت أن المعركة التي انطلقت من إدلب هي معركة الفصائل، ضمن حقهم في استعادة المناطق التي سيطر عليها النظام بعد إبرام اتفاقيات خفض التصعيد ووقف إطلاق النار بين موسكو وأنقرة عام 2019. والشائع أن الفصائل المشاركة في المعركة أو جزء منها تحظى بدعم أنقرة، ما يرجح أن تكون تركيا داعمة للمعركة بشكل كامل بقدر استفادتها منها.
والظن أن تركيا لم تدعم هذه المعارك بالتوافق والتنسيق مع روسيا، بل على العكس تمامًا فإن المعارك كانت نتيجة للفشل في الوصول إلى تفاهمات بين أنقرة وموسكو في نقاشات امتدت لأشهر، ثم وصلت إلى طريق مسدود في جولة أستانا 22، لكن في الوقت نفسه كانت تركيا تعلم أن روسيا مضطرة للتعامل مع الواقع الجديد دون أن تستطيع مساعدة النظام.
فهي من جانب، مستنزفة في حروبها مع أوكرانيا. ومن جانب آخر، فإنها دوليًا لن تضع نفسها في مكان المدافع عن إيران وحزب الله في سوريا قبيل مجيء ترامب للسلطة.
روسيا لا يسرّها المشهد الجديد، وفي نفس الوقت لا تمتلك رفاهية مواجهته، فقوّاتها في سوريا غير كافية لتحقيق تغطية جوية، وهي ترى أن التكلف بنقل عتاد وسلاح إلى سوريا يكاد يكون غير مجدٍ مع عدم وجود قوات على الأرض قادرة على الاستفادة من هذه التغطية، خاصة بعد مشهد الانهيار الذي حصل خلال الأيام الأولى للمعركة.
ومع ذلك فقد ترسل موسكو دعمًا عسكريًا، كما وعدت النظام، لحماية مصالحها، وإيقاف الانهيارات عند حد ما للانتقال للتفاوض، لكن قبل ذلك تنتظر موسكو أن يأتيها من يمول هذا الدعم ويدفع فاتورته، مع صعوبة ذلك في ظل الأحداث على مستوى المنطقة منذ عام حتى الآن.
وحسب علوان، فيستبعد أن يكون هناك أي دور للولايات المتحدة والغرب عمومًا أو الكيان الصهيوني في المعركة، غير أن ما يحصل لا بد أنه خصم من أرصدة إيران في المنطقة، لذلك ستنظر له الولايات المتحدة والغرب بإيجابية، فيما لن ينظر له الكيان الصهيوني بإيجابية في ضوء توتر علاقاتها مع تركيا بعد معركة طوفان الأقصى، لكنها سوف تستثمره وتستفيد منه ضمن حربها على المحور الإيراني في المنطقة.
“ستترك المعارك الجارية آثارها وتداعياتها على المشهد السياسي في سوريا تمامًا”
ستترك المعارك الجارية آثارها وتداعياتها على المشهد السياسي في سوريا تمامًا، كما تركت أثرها في تغيّر خريطة النفوذ والسيطرة بهذا الحجم الكبير نسبيًا، خاصة مع عدم قدرة النظام وحلفائه على تغيير الواقع الميداني واضطرارهم للتعامل معه.
ربما يكون مبكرًا أو حتى مستبعدًا القول: إن المعركة قد أنهت جميع التفاهمات والاتفاقيات الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها تلك التي وثقتها جولات أستانا، أو التي جرت بشكل ثنائي بين أنقرة وموسكو.
لكن المؤكد أن نتائج هذه المعارك ستكون في صالح تركيا على طاولة المباحثات السياسية، سواء مع روسيا في الملفات المشتركة بين البلدين، أو مع الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية بعد عودة ترامب للبيت الأبيض وشروعه في تنفيذ سياسات بلاده الخارجية في الشرق الأوسط.
ربما لا تصل المعارك إلى حد تهديد النظام السوري وجوديًا وإسقاطه، لكنها ستعيد الحسابات في طريقة النظر إلى هذا النظام والنظر إلى جدوى التطبيع أو التعامل معه، كما أنها ستدعم المعارضة السورية، وتساعدها لاحقًا في استعادة التأثير في العملية السياسية المتوقفة.
الخطر الأكبر على النظام يتمثل في أن تستطيع المعارضة السورية وبدعم من تركيا إعمار حلب وباقي المناطق الخارجة عن سيطرته، وأن تديرها بشكل جيد فتتحول إلى مكان آمن لعودة اللاجئين من خارج سوريا، وهروب من تبقى في مناطق النظام إليها، الأمر الذي سيساهم في زيادة تفكك النظام وضعفه تمهيدًا لسقوطه.
“اختيار التوقيت كان شديد الدقة من طرف الفصائل”
اختيار التوقيت كان شديد الدقة، فما كان لتركيا أن تتغاضى عن تحرك الفصائل في سوريا ضد النظام (وبالتالي ضد إيران وحزب الله)، بينما تستمر المعارك في لبنان ضد الكيان الصهيوني، حيث تقف أنقرة ضد تل أبيب منذ بدء حربها على غزة بما تضمنته من مجازر وانتهاكات.
ولذلك كان تحرك الفصائل بعد إعلان وقف إطلاق النار في لبنان لحظة مناسبة، فلا تتهم تركيا أو المعارضة بطعن ما يسمى محور المقاومة في الخاصرة لصالح الكيان الصهيوني.
وفي نفس الوقت كان تأخير خيار العمل العسكري محاولة لتسوية الأمر عبر التفاوض مع روسيا، بناء على تقديرات بضعف القدرة الروسية والإيرانية في سوريا. وتتراجع قوات النظام بناء على هذه التسوية عن المناطق التي سيطرت عليها بعد اتفاق عام 2019، وتلتزم بها روسيا بتعهدها بإخراج “قسد” من تل رفعت ومنبج.
أعطت أنقرة المفاوضات الفرصة الكافية، وكانت الجولة الأخيرة من مفاوضات أستانا التي عقدت في 11 و12 نوفمبر 2024، فرصة أخيرة أمام روسيا للاستجابة لمطالب أنقرة، فلا تضطر للتحرك لحماية أمنها القومي، أو تسكت عن تحركات فصائل المعارضة لاستعادة المناطق بالقوة والحرب.
جاء توقيت المعركة في وقت يعاني فيه النظام من خلل بنيوي في مؤسسته الأمنية والعسكرية، فضلًا عن تعب واستنزاف حلفائه روسيا وإيران ما يشغلهما عن تقديم دعم له، فضلًا عن الإنهاك والاضطراب الكامل الذي يعانيه حزب الله اللبناني بعد الضربات القاصمة التي تعرض لها في حربه مع الكيان الصهيوني.
المعركة أيضًا جاءت ضمن الفترة الانتقالية للإدارة الأميركية، وهي إن كانت تستهدف النظام وإيران وحزب الله بشكل رئيسي إلا أنها ستطال قوات “قسد” المدعومة أميركيًا في غرب الفرات، ووضع مثل هذا يفضل أن يحدث لتثبيت أمر واقع قبل أن تتولى الإدارة الأميركية الجديدة.
الكاتب والباحث السياسي ، ياسر سعد الدين :
“الملف السوري خرج من يد السوريين .. معارضة ونظامًا”
فاجأت قوّات المعارضة السورية السوريين والعالم بإعلانها بدء ما أسمته “معركة ردع العدوان”، بعد سنوات من الجمود في الملف السوري عسكريًا وسياسيًا، وإن تخلل ذلك ما بين الحين والآخر غزل تركي للتطبيع مع النظام، قابله تمنّع من جانب بشار ونظامه.
المراقبون والمتابعون قرأوا الحدث والتطورات الأخيرة بأشكال متباينة، بل ومتناقضة أحيانًا من حيث الأهداف والنتائج المتوقعة. وإن كانت أهداف العملية قد تتغير وتتبدل بطبيعة الحال تبعًا لتطورات الميدان ولمواقف الجهات الفاعلة وقدراتها وحساباتها.
غير أنّ هناك، بتقدير سعد الدين، ثوابت وحقائق لا ينبغي القفز عليها أو تجاوزها في قراءة المشهد، لمن أراد تحكيم العقل والمنطق، لا العواطف ولا الأهواء في تلك القراءة، منها:
الملف السوري خرج من يد السوريين، معارضة ونظامًا، منذ سنين طويلة. فالسوريون، ومع كل أسف وأسى، هم الأضعف تأثيرًا والأقل نفوذًا فيما يتعلق بمصير ومستقبل بلادهم. تطورات الملف السوري محكومة بشكل كبير بإرادات الدول الفاعلة وقواتها (ومليشياتها) وأدواتها وحساباتها، وهي (مع تفاوت الحضور والتأثير): الدولة العبرية، تركيا، روسيا، إيران، والولايات المتحدة.
سوريا جزء من منطقة يُراد إعادة تشكيلها وربما تفتيتها (كما حصل ويحصل مع العراق والسودان واليمن)، وهذا ما يعلنه بنيامين نتنياهو، وما صرح به دونالد ترامب، الرئيس القادم للبيت الأبيض.
تركيا هي الدولة الأقرب للسوريين، وهي من تحمل العبء الإنساني الأكبر في قضيتهم، ولا يمكن لهذه العملية العسكرية، والتي جمعت فرقاء الأمس والمتنافسين، أن تقع إلا بتوجيه ودعم وإسناد تركي. غير أنه ليس من السهل قراءة دوافع وأهداف تلك المعركة بدقة، وإن كانت تلك الأهداف ستتضح وينجلي عنها غبار الأحداث قريبًا.
اعتبر البعض أن معركة “ردع العدوان” استلهمت تجربة “طوفان الأقصى”، من خلال مباغتة قوات النظام في عملية استباقية. واستفادت المعارضة من التباينات في المواقف بين إيران وحزب الله من جهة، ونظام بشار الأسد من جهة أخرى.
وقد أظهر النظام في عدوان الكيان الصهيوني على لبنان، كما في محرقة غزة، مواقف أقرب إلى الحياد السلبي، بدلًا من أن يقدم لحلفائه (حزب الله)، الذين ساندوا حربه الوحشية بحق السوريين، أي دعم أو مساندة.
أصحاب هذه الرؤية يرون أن المعارضة حققت وستحقق إنجازات كبيرة في هذه المعركة ستنعكس إيجابيًا على مسار التسوية. ستفيدها في ذلك التطورات الأخيرة وانتكاسة حزب الله وخروجه مهتزًا ومنكفئًا من “وحدة الساحات”، وخلافاته مع الإيرانيين والنظام السوري.
كما أن انشغال روسيا وانهماكها في أوكرانيا يسمحان للمعارضة السورية، من خلال هجومها المباغت ونتائجه، بإعادة صياغة القضية السورية. وإذا بالغنا في التفاؤل، قد ينتهي الأمر بإنهاء النظام السوري، مع ما يراه البعض انتهاء لدوره في المنطقة والإقليم.
“هناك من يرى أن ما يحدث هو فخ للمعارضة السورية سينهي كل التفاهمات السابقة”
فيما يرى المتشائمون أن ما يجري من تحركات لا يفيد السوريين بقدر ما يفيد قوى إقليمية، وأن ما يحدث هو فخ للمعارضة السورية سينهي كل التفاهمات السابقة، وسيمهد لتسوية لا ترضي الكثير من المعارضين تُفرض بالقوة على أرض الواقع، تشمل عودة “المحرر” من الأراضي السورية إلى سيطرة النظام، من خلال توافقات الأطراف الفاعلة في الملف السوري.
ويستخف أولئك المتشائمون بمن يعوّل على الانشغال الروسي والإيراني. فالطرفان قادران بما يمتلكان من صواريخ على تحويل الشمال المحرر إلى ما يشبه قطاع غزة تدميرًا وإحراقًا، مستفيدين من القبول والتعايش العالمي مع الإجرام الصهيوني.
للدول النافذة مصالح فيما يجري، فتركيا تريد الضغط على النظام، أما الولايات المتحدة والدول الغربية، وربما بمباركة الحكومة الصهيونية، فإنها تريد الاستفادة من النزاعات الطائفية – في سوريا والعراق ولبنان وغيرها – لإعادة رسم خارطة المنطقة، لتشكيل دويلات طائفية تتناغم مع طرح “الكيان الصهيوني الكبير”، وهذا ما يعلنه ويكرره قادة الاحتلال وعلى رأسهم بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير.
أصحاب هذه الرؤية يربطون ما يُطرح من تهجير للفلسطينيين من الضفة وغزة وإعادة رسم المنطقة مع ما يحدث الآن في سوريا، خصوصًا أن الكيان الصهيوني قد يستفيد من وقف إطلاق النار في لبنان لإطلاق يدها في سوريا وملاحقة حزب الله والنفوذ الإيراني، ربما بالتنسيق مع روسيا، خصوصًا أن الاتفاق الأخير لا يشمل سوريا بطبيعة الحال.
لن يطول بنا الوقت كثيرًا حتى تتضح أبعاد الصورة، غير أنني لا أشك أن شعوبنا المغلوبة على أمرها هي من سيدفع أثمانًا باهظة لما يجري من صفقات سياسية وترتيبات أمنية، تتجاوز حقوقها ومعاناتها، ولا تحسب حسابًا لمصائرها ولا لمستقبلها.
كما أن غياب قيادة في المعارضة السورية تجمع بين الرؤية السياسية الإستراتيجية، والتفاني في خدمة السوريين، وتقديم الصالح العام على الصالح الشخصي والحسابات الفئوية والحزبية، أمر كان وما يزال يعمّق معاناة السوريين ويهوي بمستقبلهم إلى المجهول.
إعداد : سارة دالي