الخبير الدولي في العلاقات الدولية , باديس خنيسة لـ “أفريكا نيوز” :
“الجزائر بلد مسالم ، والرئيس تبون رجل حوار وسلام”
“الجزائر أول ضحية لحالة عدم الاستقرار التي يعيشها مالي”
“مالي تنسحب من لجنة الأركان العملياتية المشتركة مثلما انسحبت سابقًا من جميع الهياكل الدولية”
حاورته : كاميليا أمير
لا تزال قضية الطائرة المُسيّرة المالية التي أسقطتها القوات المسلحة الجزائرية ليلة 31 مارس إلى 1 أفريل الجاري، بسبب انتهاكها المتكرر للمجال الجوي الجزائري، تثير الكثير من الجدل. الخطاب الهمجي الذي وجهته للطغمة العسكرية المالية للجزائر بعد هذه الحادثة أثار العديد من التساؤلات، خاصة حول دوافع هذا الهجوم غير المبرر، بينما ربطه البعض الاخر بعملية تمويه تقوم بها السلطات الانتقالية في مالي بزعامة أسيمي غويتا وحكومته الانقلابية لإلهاء الشعب عن حقيقة الازمة التي يعيشها
في هذا الحوار، يفكك الخبير الدولي في العلاقات الدولية باديس خنيسة، خلفيات هذا الخطاب العدواني ضد الجار الجزائري ويحلل الوضع الأمني في منطقة الساحل.
شهدت العلاقات الجزائرية المالية انحرافًا كبيرًا بعد الاتهامات الباطلة التي وجهتها الحكومة المالية ضد الجزائر ، في قضية الطائرة المُسيّرة ، ماهي قراءتكم للموضوع ؟
في الحقيقة ومن وجهة نظري العلاقات الثنائية التي تربط مالي وباماكو شهدت اضطرابات منذ الانقلاب العسكري في مالي في ماي 2021، الشيء الذي تزامن مع قرارات ومواقف معادية وغير مبررة تجاه الجزائر.
الجزائر التي لم تتوقف يومًا عن دعم مالي وشعبه الشقيق لتحقيق الاستقرار والأمن والتنمية، قضية الطائرة المُسيّرة شكلت نقطة التحول، بل نقطة القطيعة، الادعاءات المالية المغرضة والهشة تؤكد فقط رغبة الطغمة في إيذاء الجزائر بأي ثمن، واتباع أجندة خاصة بها أو بجهات خارجية.
عند قراءة البيانات الرسمية الجزائرية والمالية ، نلاحظ بوضوح حدة وهمجية الخطاب المالي ، وفي المقابل رد جزائري مدعوم بالأدلة ، ما تفسيركم لذلك ؟
لا يمكن الخلط بين المعتدي والمعتدى عليه. الطغمة العسكرية المالية تجاوزت كل الحدود بخطابها المجرد من الموضوعية، رد الجزائر كان حق رد فقط وليس تبريرًا، وهذا ما يجب التأكيد عليه، السلطات الجزائرية أوضحت حقائق وردت على محاولات تشويه بحقها، بما يتناسب وخطورة الوقائع.
لا يجب ان ننسى بانه تم انتهاك السيادة الجزائرية لثلاثة مرات، كما أن الاتهامات الموجهة للجزائر تحمل الطغمة مسؤولية نتائجها، الجزائر تؤمن بمبادئ حسن الجوار والحوار، لكنها لا تساوم أبدًا في أمنها وأمن مواطنيها، الخطوط الحمراء تم تجاوزها من قبل الطغمة بقرارات متهورة ومغامرة.
برأيكم، ما هي الأسباب الحقيقية وراء هذا التصعيد المالي تجاه الجزائر ؟
لقد غير مالي خطابه واستراتيجيته الأمنية. اليوم باماكو تعاني من إخفاقات سياسية كبيرة، اهمها تمديد المرحلة الانتقالية لخمس سنوات اضافية، مما زاد من فجوة الثقة بيم الحكومة الانقلابية والشعب المالي الدي يعتبر اول ضحية لهذه الطغمة، كما أن إخفاقات الأمنية المتعددة لسلطات باماكو دفعتهم الى تبني استراتيجية “العزلة”، وهذا بسبب عدم تمكنهم من التصدي للإرهاب، الذي انتقل مركزه إلى الساحل، مع تزايد الاعتداءات على المدنيين.
مالي، الذي لا يزال يعتمد على المساعدات الإنسانية، حيث يعيش أكثر من مليون شخص من شعبه تحت تهديد انعدام الأمن الغذائي.
إضافة لذلك، التوقيت يطرح اسئلة كثيرة، ففي 31 مارس 2025 جرى اتصال بين الرئيسين تبون وماكرون لتقريب وجهات النظربين البلدين، وفي اليوم التالي تم إسقاط الطائرة المُسيّرة. هل كل هذا مجرد صدفة؟.
من جهة اخرى لا يجب ان ننسى التقارب الأخير بين الانقلابيين الماليين ونظام المخزن المغربي، والتعاون العسكري بينهما، بما في ذلك تدريب المظليين الماليين في قاعدة بنجرير بالمغرب، ما يثبت تورط جهات خارجية في هذه الازمة.
هل تعتقدون أن ردود فعل النيجر وبوركينا فاسو كانت عقلانية ومدروسة ؟
ردود فعل النيجر وبوركينا فاسو، كدول أعضاء في تحالف كونفدرالية دول الساحل، كانت تضامنية بطبيعتها، لكنني أعتقد أن نيامي وواغادوغو لن ينخرطا في أزمة مفتوحة ضد الجزائر. زيارات رسمية حديثة، كزيارة وزير النفط النيجري في فبراير، تؤكد رغبة هاذين البلدين في تعزيز التعاون الثنائي، بما في ذلك التعاون الأمني، لمكافحة الإرهاب من جذوره عبر تنمية الشعوب.
أعلنت مالي انسحابها من لجنة الأركان العملياتية المشتركة ، على ضوء ذلك هل يمكن التنبؤ بمستقبل هذه الآلية ؟ ، وهل هذا الانسحاب يخدم مكافحة الإرهاب في المنطقة ؟

انسحاب مالي من لجنة الأركان العملياتية المشتركة كان متوقعا، فمالي انسحبت من هذا التحالف مثلما انسحبت من كل الهياكل الدولية. مالي تسير في استراتيجية انتحارية تعمق أزمة مكافحة الإرهاب حيث انسحبت من اتفاق الجزائر في 2024، ومن قوات G5 الساحل في 2022، وطردت قوات “تاكوبا” الفرنسية، ثم قوات الأمم المتحدة (مينوسما) في 2023، يجب الذكير هتا بان هذه الالية قد311 جنديًا خلال مهمتها.
اللجنة التي أسستها الجزائر في 2010، والتي تضم موريتانيا والنيجر، لم تنجح مالي أبدًا في الالتزام بها، على العكس، حاولت إفراغها من مضمونها، رغم أهميتها في مواجهة التحديات الأمنية. يبدو أن مالي تفضل لعب دور “المفوض الجيوسياسي” وهذا لصالح أطراف خارجية، وهنا تكمن الكارثة الكبرى
يعلم الكبير والصغير بان الجزائر بذلت مجهودات جبارة لمكافحة الإرهاب في الساحل ، برأيك ، من يحاول تشويه صورة الجزائر واتهامها زورًا بأنها “معقل الإرهابيين” ؟

دور الجزائر الاستراتيجي في الأمن الإقليمي والقاري لا يمكن لاحد انكاره. لطالما وقفت الجائر إلى جانب الشعوب والدول الصديقة ضد الإرهاب والجريمة، أغلقت مجالها الجوي أمام القوات الفرنسية في 2021 حفاظًا على سيادة مالي، ودفعت ثمنًا غاليًا؛ إذ خُطف دبلوماسيون جزائريون في مالي وقتل اثنان منهم في 2014.
الرئيس تبون صرح في 2023 أن “الجزائر هي أول ضحية لعدم استقرار مالي”، للجزائر مصير مشترك مع جيرانها، ومواقفها المبدئية تتعرض للاستهداف في إطار مؤامرات تريد إسكات صوتها، لكنها ستبقى صامدة بفضل شعبها، رئيسها، مؤسساتها، وجيشها.
نعود إلى مالي الان ، ألا ترون هذا البلد الذي يعيش مرحلة انتقالية امتدت لـ 5 سنوات ، يواجه مشاكل داخلية كافية فلما يفتعل أزمة مع الجزائر ؟ ، من المستفيد من هذه الأزمة؟ ، هل نحن أمام حرب بالوكالة ؟
الطغمة المالية في وضع داخلي صعب، بينما تستمتع بالارتجال في تعاملها الخارجي، هذه الدبلوماسية العشوائية تضر بالشعب المالي وتزيد عزلته، كان الأجدر بهم تعزيز علاقاتهم التاريخية، والجزائر هي أبرز مثال على الدعم والمساندة.
أدعو صُنّاع القرار الماليين للعودة إلى خطاب الراحل موديبو كيتا في أوت 1960، الذي أبرز بوضوح أهمية الجزائر لمستقبل مالي، يبدو أن الهدف الحقيقي للطغمة هو دفع المنطقة نحو الفوضى، لخدمة أطراف أجنبية في سباق الهيمنة على الثروات الإفريقية.
كيف ترون مستقبل الوضع بين البلدين ؟

قوة إفريقيا في وحدتها. منطقة الساحل هي الخاصرة الرخوة للقارة، وإذا سقطت، ستسقط إفريقيا. الجزائر بلد سلام، والرئيس تبون رجل حوار وتوافق، لكنه أيضًا ضامن لأمن الجزائر وسيادتها. الكرة الآن في ملعب الطغمة المالية.
التهدئة وعودة الأمور إلى نصابها تمر عبر موقف مالي مسؤول وصادق، يعكس نية حقيقية لبناء مشروع أفريقي موحد يخدم شعوب القارة.
الوقت وقت الحكمة والتشاور والتماسك. المستقبل سيُظهر والتاريخ سيسجل ما اختاره مالي لنفسه وللمنطقة والعالم.