ميكروسكوب
بقلم الدكتور : رضوان بوهيدل
إذا كان الغباء فنا، فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو بيكاسو السياسة الخارجية، ففي كل مرة يتحدث فيها عن الجزائر، يثبت أنه بارع ومبدع في تحويل القضايا المعقدة إلى كوميديا ساخرة، فبدلا من أن يتعامل مع بلد كجزائر، له تاريخ ومكانة إقليمية، يقرر ماكرون أن يرتدي قبعة الفيلسوف الساخر، وينخرط في دروس تاريخية ارتجالية، لا يفهمها حتى هو، ولا أحد ينسى في إحدى خرجاته “العبقرية”، تساءل ماكرون عن وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، وكأنه يتحدث عن اكتشاف علمي جديد، لكن يبدو أن الرئيس نسي أن الجزائر كانت موجودة كدولة قبل أن تتعلم فرنسا كيف تتهجى كلمة “استعمار”،
وأن الجزائريون، بطبيعتهم، لم يغضبوا فقط من هذا التصريح، بل ضحكوا بشدة، معتبرين أن الرجل يقدم عرضا كوميديا مجانيا، أما في محاولاته لاسترضاء الجزائر، فلا يمكننا إلا أن نصفها بأنها مغامرات طريفة، يرسل رسائل ودية، ثم يلتقي بأحد “أصدقائه المغاربة”، ليشعل أزمة جديدة. وفي كل مرة يتحدث فيها عن المصالحة، ينتهي به الأمر بإشعال المزيد من الحرائق، فيبدو أن الرجل لديه موهبة خارقة في تحويل الزيت إلى وقود نار بدلا من تهدئة الأوضاع، وربما أكثر مشهد يعكس عبقرية ماكرون الدبلوماسية هو محاولته التظاهر بأنه “يعرف إفريقيا”، حيث قرر أن يكون صديقا للجزائريين عبر تصريحات من نوع، “نحن نحب الكسكس”، وكأن الكسكس هو الحل السحري لتجاوز كل أزمات التاريخ، وفي النهاية، يبدو أن ماكرون يحتاج إلى دورة تدريبية في الدبلوماسية، وربما أيضا في التاريخ والجغرافيا، والأدب والأخلاق، لأنه إذا استمر بهذه الطريقة، فقد يصبح أول رئيس فرنسي يدرس اسمه كمرادف للغباء السياسي في مناهج المدارس الجزائرية، وربما حتى الفرنسية، وللحديث بقية…