بقلم الدكتور : رضوان بوهيدل
إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي الحالي، يمثل نموذجا سياسيا مثيرا للجدل، ليس فقط بسبب سياساته الداخلية والخارجية، ولكن أيضا بسبب سماته الشخصية التي تنعكس في خطاباته ومواقفه تجاه العديد من القضايا، ومن بين هذه القضايا، تظهر العلاقة المتوترة بين ماكرون وإفريقيا بشكل عام، والجزائر بشكل خاص، حيث يكشف خطابه وسلوكه عن اضطرابات نفسية وعقد تاريخية متجذرة في النظرة الفرنسية لما كان يعرف لديهم بالإمبراطوريات الاستعمارية.
يعاني الرئيس الفرنسي الحالي إيمانول ماكرون من نزعة نرجسية واضحة، تتجلى في طريقته الخطابية وفي رغبته المستمرة في تقديم نفسه كقائد استثنائي، قادر على إعادة تشكيل التاريخ وصياغة العلاقة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة، وهذه النرجسية، وهي مرض قد يكون غير معدي، تتجذر في تصور ذاتي متضخم يعكس شعورا دفينا بالتفوق، لكنه يتناقض مع التحديات الواقعية التي تواجهها فرنسا في إفريقيا، وبالنسبة لهذه الأخيرة، ماكرون يبدو وكأنه يسعى لاستعادة أمجاد استعمارية زائفة من خلال محاولة فرض رؤيته على دول القارة، متجاهلا التغيرات الجيوسياسية والتحولات التي شهدتها المنطقة منذ عقود.
أما في حالة الجزائر، تظهر عقدة ماكرون بشكل أكثر وضوحا، فالجزائر، بما تمثله من رمز للنضال و الحركات التحررية والثورات ضد الاستعمار الفرنسي، أصبحت عقدة نفسية للرئيس المراهق إيمانويل ماكرون، حيث تعكس صراعا داخليا بين إرث الاستعمار وإرادة التحرر، أما تصريحاته الأخيرة التي وصف فيها النظام الجزائري بأنه يعتمد على “ريع الذاكرة” ليست فقط استفزازية، بل تحمل دلالات أعمق على عدم تقبل فرنسا لفقدان نفوذها التاريخي في الجزائر، فماكرون يبدو وكأنه يعاني من إنكار تاريخي، حيث يحاول تبرير الفظائع الاستعمارية أو التقليل من أهميتها بدلا من الاعتراف الكامل بها وتحمل المسؤولية عنها.
إن الاضطرابات النفسية التي يعاني منها ماكرون تتجلى أيضا في ميله إلى إنكار الواقع ومحاولة فرض رؤية أحادية تتجاهل تعقيدات العلاقات الدولية، في خطابه الاستفزازي الأخير، أظهر ماكرون تناقضا واضحا بين دعوته للحوار والتعاون وبين محاولته فرض شروط تعكس عقلية استعمارية، وهذا التناقض يعكس اضطرابا داخليا بين الرغبة في الظهور كزعيم عالمي ليبرالي وبين التمسك بعقليات الهيمنة التي لم تفارق السياسة الفرنسية تجاه إفريقيا.
في نفس السياق، فإن التحليل النفسي لشخصية ماكرون يكشف أيضا عن شعور عميق بعدم الأمان، من خلال محاولاته المستمرة للتقليل من شأن الجزائر ودول إفريقية أخرى، كما تشير إلى خوف دفين من فقدان فرنسا لنفوذها التقليدي في القارة، الآن، ماكرون يدرك أن فرنسا لم تعد القوة المهيمنة في إفريقيا، لكن بدلا من قبول هذا الواقع والسعي لبناء شراكات متكافئة، يلجأ إلى استخدام خطاب نرجسي واستفزازي يعكس محاولة لتعويض هذا الفقدان من خلال مهاجمة الآخرين.
تصريحات ماكرون الأخيرة تجاه الجزائر يمكن قراءتها أيضا في سياق محاولته استرضاء شريحة من الجمهور الفرنسي الذي لا يزال يتبنى رؤى استعمارية، وهذه التصريحات ليست فقط انعكاسا لاضطراباته النفسية، بل أيضا لاستراتيجية سياسية تهدف إلى استغلال المشاعر الوطنية لتعزيز شعبيته في الداخل، ومع ذلك، فإن هذا النهج يكشف عن قصر نظر سياسي، حيث إنه يضر بعلاقات فرنسا مع الجزائر ودول إفريقية أخرى ويؤدي إلى تعزيز مشاعر العداء تجاه فرنسا في المنطقة، وفي سياق أوسع، تعكس مواقف ماكرون تجاه إفريقيا عموماً شعوراً بالفوقية الثقافية والتاريخية، فماكرون يبدو وكأنه يعيش في وهم أن فرنسا لا تزال تحمل رسالة حضارية للعالم، وهو تصور يتجاهل الواقع الجديد الذي أصبحت فيه إفريقيا لاعباً مستقلا يسعى إلى تحديد مستقبله بعيدا عن الهيمنة الخارجية، وهذا الوهم الاستعلائي يعكس اضطرابا نفسيا عميقا يتمثل في صعوبة تقبل التغيرات والتحولات الجيوسياسية.
الشبه رئيس ماكرون يظهر أيضا ميلا إلى التلاعب بالمفاهيم التاريخية لخدمة أجندته السياسية، وبدلا من الاعتراف بجرائم الاستعمار والعمل على طي صفحة الماضي بشكل بناء، يلجأ إلى إعادة تفسير التاريخ بطريقة تبريرية، وهذا السلوك يعكس ميلا إلى إنكار الحقائق وتجنب مواجهة المسؤولية، وهو نمط سلوكي مرتبط باضطرابات نفسية مثل النرجسية والإنكار، وفي النهاية، يمكن اعتبار شخصية ماكرون المعقدة وتصريحاته تجاه إفريقيا والجزائر تعكس مزيجا من النرجسية والاضطرابات النفسية والعقد التاريخية التي لا تزال تؤثر على السياسة الفرنسية، وهذا النهج لا يؤدي فقط إلى تدهور العلاقات الفرنسية الإفريقية، بل يعزز أيضا صورة فرنسا كقوة استعمارية سابقة غير قادرة على تجاوز ماضيها، إذا كان ماكرون يسعى حقا إلى بناء علاقات جديدة مع إفريقيا، فإنه بحاجة إلى مواجهة اضطراباته النفسية وعقده التاريخية، والاعتراف بأن عصر الهيمنة قد انتهى وأن الطريق الوحيد للمضي قدماً هو من خلال الشراكات المتكافئة والاحترام المتبادل.