بقلم : إبراهيم ملحم
ليست بعيدةً تلك الليلة التي سيتم فيها القبض على القتلة، وجلبهم مخفورين ليَمثُلوا أمام المحكمة. مَن تابع أغلفة كبريات الصحف والمجلات العالمية التي صدرت غداة القرار الزلزال، وقد تصدّرتها صور الجُناة، يعرف تماماً قيمة قرار المحكمة، وأثره في عقول الأجيال القادمة. قد تمضي السنون والأشهر والأيام، ونحن بالانتظار للقبض على مَن اعتبروا أنفسهم في محور النور ضد محور الظلام، وسيجدون أنفسهم، ومعهم كل من شايَعَهم وتواطأ معهم، منبوذين في صقيع العزلة، حتى لو احتضنتهم بدفئها وحنانها الولايات المتحدة. عبثاً يحاول الجُناة الفرار بعد أن حوصروا في أربعة أرجاء الأرض، لا يستطيعون السفر، حتى وإن تلقوا دعوةً من المجر.
عبثاً يحاول الرعاة الحصريون للمحرقة، والشركاء الفعليون في المقتلة تقديم دفوعات، وتبرير سياساتٍ فضحتها تصريحات الترحيب بقرار المحكمة، عندما يكون المتهم الروسي بوتين، أو السوداني عمر البشير. لقد ذاب الثلج وبان المرج عن فرية الدعوات المخادعات بالتمسك بالقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وقِيَم الحق والعدل والحرية، وإذا بها صناعةٌ خاصةٌ بالدول الغربية، ولا علاقة لها بالبشرية. هي ليلةٌ لا بُدّ آتيةٌ لمقاضاة الجُناة، طال الزمن أم قَصُر، “فالمتغطّي بالأيام عريان”. أوقِفوا جريمة العصر، واقبِضوا على الجُناة الآن..!
في خيام النزوح وبيوت الطوب !
خيمة 4×4 يحتشد فيها أحد عشر فرداً، تنتصب على الشاطئ، إن نجا ساكنوها من أمواج البحر، فإنهم يقعون تحت مزاريب المطر التي تُحيل الخيمة إلى مكانٍ غير صالحٍ للعيش، بعد غرق الفُرش والأغطية على نحوٍ يُخرجها من الخدمة، وتُبقي سكانها، ومعظمهم أطفال، يعانون لسعة البرد التي تُرجف قلوبهم، وتُبكي عيونهم، وتُجمّد أجسادهم الغضة، كما لو أنهم ينامون في ثلاجة. مشاهد الأطفال داخل الخيام تنكأ ذاكرتي الـمُثخنة بارتجاف الأجساد، واصطكاك الأسنان، وانجماد الأطراف، في بواكير اللجوء في مخيمات الطوب التي تملؤها الشقوق الدالفة، والغارقة في أكوام الثلج التي كنا نصحو عليها، وقد أوصدت علينا الأبواب قبل أن تنجح المجارف في فتح ممراتٍ آمنةٍ تقي من التزحلق، وتضمن حركة الذهاب، ولا تضمن الإياب لمن طفق يبحث عن “القرامي” في الجبال المجاورة، علّها تُعيد الدفء إلى القلوب المرتجفة، والدماء للعروق المتجمدة. كنا نتطلع لتنفيذ حق العودة، وقرار التقسيم عام 48، وإذ بنا نجد أنفسنا بعد “طوفان التحرير” نعود إلى خيام اللجوء، وقد شرع المعتدون بتقسيم مخيمات الطوب وخيام النزوح على رؤوس الأطفال والنساء بالأحزمة النارية والطائرات المسيّرة، فتتناثر الأشلاء تحت الركام، وينزح من كُتبت لهم الحياة إلى أماكن تنعدم فيها الحياة. ياااا الله ما أقسى الحياة تحت جائحة الخوف والجوع والإرهاب والإرعاب..! أوقِفوا الإبادة الآن..!