A young boy looks on as people check the rubble of a building destroyed in an Israeli bombardment in Rafah in the southern Gaza Strip on October 21, 2023. Thousands of people, both Israeli and Palestinians have died since October 7, 2023, after Palestinian Hamas militants based in the Gaza Strip, entered southern Israel in a surprise attack leading Israel to declare war on Hamas in Gaza on October 8. (Photo by MOHAMMED ABED / AFP)
سبعة وسبعون عامًا على النكبة ولم تنتهِ بعد، لأن المأساة التي بدأت عام 1948 لم تكن حدثًا عابرًا بل مشروعًا استيطانيًا قائمًا على النفي والاقتلاع والدم، ولأن الفلسطيني لم يُعطَ وقتًا كي يندب وطنًا فقده، فقد وُضع منذ اللحظة الأولى أمام واقع مستمر من الطرد والقتل والمحو، حتى باتت كل سنة تمرّ امتدادًا لذاك اليوم الأسود الذي سُرقت فيه الأرض وهُجّر فيه الشعب. وها هي غزة اليوم تكتب فصول النكبة من جديد، ولكن هذه المرة بدماء عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والناجين الذين لم يعد لديهم مأوى إلا الكلمات والسماء.
في الذكرى السابعة والسبعين للنكبة لا تحتاج فلسطين إلى خُطب ولا إلى بكائيات بل إلى مواجهة الحقيقة التي لم يعُد العالم قادرًا على إنكارها: هناك شعب يُباد على مرأى من الجميع، وهناك احتلال عنصري يكرر الجريمة نفسها منذ أكثر من سبعة عقود بأساليب أكثر فتكًا وإصرارًا، والنتيجة أن الكارثة مستمرة، ولكن هذه المرة لم تعد مخفية خلف جدران الإعلام الصهيوني، بل باتت موثّقة بكل شبر من الدم الذي سال في الشوارع والمخيمات والمستشفيات. لم يعد 1948 مجرد تاريخ، بل أصبح كائنًا حيًا يمرّ كل يوم على وجوه الأطفال في غزة، يقتلع أحلامهم وأطرافهم وأسماءهم، يحفر على جدران البيوت المدمّرة عبارة واحدة: “النكبة ما زالت هنا”، وبينما كانت النكبة الأولى تعني الطرد من الأرض، فإن النكبة الجديدة تعني الإبادة الكاملة، محو المدن من الوجود، تجريف الذاكرة، وتشريد من تبقى من الناجين داخل لجوء جديد داخل اللجوء، حيث لا سقف سوى الدخان ولا وطن سوى الحطام. في هذا العام، تختلط الذكرى بالحريق، وتتحول مراسم إحياء النكبة إلى جنازات جماعية ونداءات استغاثة وأسماء تُنقش على الشاشات قبل أن تُنتشل من تحت الردم، وتبدو غزة اليوم كأنها تختصر الرواية كلها، تكتب بدمها ما لم تستطع كتبه الأمم المتحدة في وثائقها ولا استطاع حفظه أرشيف العدالة الدولية في خزائنه. غزة اليوم لا تطلب التضامن، بل تطلب الإنصاف، لا تحتاج إلى عبارات المواساة بل إلى الاعتراف بأن ما يجري هو استكمال للنفي الكبير، وأنه لا يمكن الحديث عن حلول دون إعادة تعريف الجريمة من جديد، جريمة النكبة الأصلية وجريمة الإبادة الجارية. في الذكرى السابعة والسبعين، لا نُحيي النكبة، بل نعيشها مجددًا، لا نُحيي ذِكرى شعب طُرد، بل نواكب شعبًا يُباد، وندرك أن النكبة ليست في الماضي فقط، بل في كل عجز دولي، في كل صمت رسمي، في كل بثّ إعلامي منحاز، في كل طفل يموت مرتين، مرة تحت القصف ومرة في الأخبار، وفلسطين في هذه اللحظة لا تسأل عن عدد القرارات الدولية بل عن عدد القلوب التي لا تزال تنبض لها، وعن العيون التي ترى الحقيقة بلا رتوش، وعن الضمائر التي لم تُبع بعد. سبعة وسبعون عامًا على النكبة، ولا تزال الحقيقة نفسها تكتب بدم جديد: أن هذا الشعب لا يموت، بل يعيد تعريف الوجود، وأن هذه الأرض لا تنسى، بل تحفظ أسماء أبنائها في جذورها، وأن القضية لا تموت مهما طال الزمان، بل تنتقل من جيل إلى جيل كشعلة لا تنطفئ، وأن غزة اليوم، رغم الجراح، ليست نهاية القصة، بل بدايتها الحقيقية، حيث ينفجر الصمت أخيرًا ليقول: هنا فلسطين، وهنا كانت النكبة، وهنا لن تُنسى لأنها لم تنتهِ.
مفتاح الدار رمز الرجوع
لقد حاول اللفظ اللغوي ان يشخص ما حدث بفلسطين عام 1948. وان يرمز الى هوله بإطلاق (النكبة) كتعبير يصف حقا هزيمة الشعب الفلسطيني. ومن ورائه الشعوب العربية الحليفة التي حاولت نجدته عن طريق الانظمة العربية القائمة آنذاك. وبعد كل هذ السنين فالمطلوب هو أكثر من هزيمة الهزيمة. فالاكتفاء بهذا القدر يعني اننا لم نتهيأ للانتصار.
فلقد عدنا من كل الهزائم لنقاوم. من رأس الخارطة حتى اصابع القدم الدامية ننهمر شهداء وحرية. ومن اول اغتيال حتى أحدث سلاح يتحول الموت فينا الى مواطن يمشي برأسه فوق الموت وخريطة النكبة. والموت لا يختار الا الافضل. فملائكة السماء تصطفي لجوارها الانقياء الابرار. ودروب الشهادة معبدة بذوي الشجاعة والشهامة. بعد سنوات عجاف من النكبة ما زالت الدالية تتسلق عيوننا. وتتكئ كرومنا على حبة القلب. وتتوافد على نوافذ بيوتنا عصافير الجبل. والقمح يختبئ في سنابله انتظارا لحصادنا. ولا زال جداتنا يحلمن كما خرجن في اول مرة في عتمة النكبة. يلمسن شيبهن دون اغفاءة عن حلم الرجوع. دون خجل من موت رائع ينتظر في الطرق الالتفافية. ما زال الفتية يحتفظون بالمفتاح دون خوف من الموت المفاجئ التي ترسله طائرة الاباتشي. سنوات بعيدة تدفع في ابداننا كل عام سم الهزيمة الكبيرة. لكن الاستثناء والخرافة والبطولة والحقيقة اننا ما زلنا نحتفظ بذاكرة الفرح. بصوت يحتمل انفعالات النصر. وما زلنا لم نفقد الاحساس بعنف الاشياء. فندخل العالم كل يوم جديد بحلم واصرار قديم لا يموت. تحاصرنا النكبة. لكن اعناقنا ترفض الانتحار. علاقتنا بالحياة تسبق الموت والمنافي والدماء وحقد الحروب. والعودة لا تموت في الحلم ولا تموت تحت اعيننا. لا بأس بعد عقود من النكبة ان تصبح علاقتنا بالموت يومية. فلم تتعب سواعدنا بعد. ولم تجف شجرة اللوز او شجرة الوردة الجوري تحت شرفات قلوبنا. بعد 77 عاما على النكبة ما زلنا نتحسس على رابية الذاكرة الزعتر والميرمية والخبيزة والشبيط. فنلمس بمنتهى الدقة عضلة في قلب حياتنا تخفق بلقاء مع بقايا بيوتنا المهدمة في وطننا التاريخي.
موقع جريدة ” أفريكا نيوز ” يومية وطنية إخبارية شاملة ، تعنى بالأخبار السياسية و الإقتصادية و الثقافية وكل ما يهم المواطن الجزائري في محيطه الإفريقي والعربي و المتوسطي . الجريدة والموقع الإلكتروني باللغات الأجنبية معتمد من طرف وزارة الاتصال الجزائرية .
تصدر عن مؤسسة ذ،ش،م،م، بلولايت ميديا
“EURL BLUELIGHT MEDIA ”
مقرها الاجتماعي بدار الصحافة القبة عبد القادر سفير، 02 شارع فريد زويوش القبة الجزائر
البريد الإلكتروني : infoafricanewsdz@gmail.com رقم الهاتف :0561892434
موقع جريدة ” أفريكا نيوز ” يومية وطنية إخبارية شاملة ، تعنى بالأخبار السياسية و الإقتصادية و الثقافية وكل ما يهم المواطن الجزائري في محيطه الإفريقي والعربي و المتوسطي . الجريدة والموقع الإلكتروني باللغات الأجنبية معتمد من طرف وزارة الاتصال الجزائرية .
تصدر عن مؤسسة ذ،ش،م،م، بلولايت ميديا
“EURL BLUELIGHT MEDIA ”
مقرها الاجتماعي بدار الصحافة القبة عبد القادر سفير، 02 شارع فريد زويوش القبة الجزائر
البريد الإلكتروني : infoafricanewsdz@gmail.com رقم الهاتف :0561892434