صدرت عن دار “الساقي” راوية بعنوان “شكل الماء” للكاتب الإيطالي “أندريا كاميلليري” ترجمة رامي الطويل في238 صفحة.
المكان الفاسد الغريب، الذي تجري فيه وقائع تلك الجريمة، والتحريات التي جرت حولها، طالع من مخيلة الكاتب الروائي. من الصفحات الأولى نعرف أن ما يكون ذلك المكان مأخوذ من بقايا مشاهدات فاسدة تجمعت في مخيلة ذاك الكاتب وذاكرته. حول المنارة المهجورة، التي ترتفع هناك يكد النبّاشون، الباحثون عن رزقهم في المخلّفات، ليعثروا على ضالّتهم من قصاصات ورقية وأكياس بلاستيكية وعلب البيرة والكوكاكولا، مرمية إلى جانب “الخراء المغطى بطريقة سيئة أو المتروك للريح”. وبين الحين والحين “يظهر واق ذكَري يتيح للمرء التفكير، إن امتلك الرغبة والمخيلة، أن يتصوّر ذلك اللقاء”.
ولم يكتف الكاتب بوصف ذاك المكان الذي أنشأه، بل ابتكر له لغة مخاطبة بين الناس جمع أطرافها من لهجات ولغات مختلفة (عمل رامي طويل مترجم الرواية إلى العربية على توليفها، في الحوارات على وجه الخصوص). اختراع ذلك العالم بكل مكوناته، بما فيها السياسة والجريمة والفساد المستشري، طلوعا ونزولا، يوحي بأننا نقرأ ما يتعدى الوصف السريع لإطار مكاني تجري فيه رواية بوليسية. في ما سبق كان المكان الموصوف في هذا النوع من الروايات يقتصر، إما على الوصف السريع وإما على ما يختصّ بحاجة الوقائع البوليسية. هنا يوسع الكاتب الإيطالي، الأكثر مبيعا والمترجمة أعماله إلى عشرين لغة، القواعدَ التقليدية للكتابة البوليسية.
في”فيغاتا” وهو الاسم، المخترع أيضا، لتلك البلدة، يسيطر السياسيون والمسؤولون الإداريون ووارثو الثروات على حياة كل من هم تحت رحمتهم. فمنذ البداية نقرأ كيف أن المساحين “بينو كاتالانو” و”سارو مونتابيرتو” احتاجا إلى توصية من النائب “كوسوماتو” إلى رئيس العمال ليعملا، بعقد مؤقت، كجامعي نفايات في منطقة المنارة تلك. أحدهما، وهو، “سارو”، عثر أثناء عمله على قلادة ذهبية ثمينة، لم يلبث أن دسها في جيبه. كان تلك بداية البحث البوليسي في الجريمة التي حدثت في ذلك المكان المتطرف السيئ الصيت، الذي وجدت فيه جثّة مهندس المصنع المتوقف عن العمل. كان الرجل المقتول جالسا وراء مقود سيارته، منحدرا سرواله إلى الأسفل ليكشف عن تلك المنطقة الحساسة من جسمه. السلطة المحلية والأمنية لم تتأخر في اعتبار الجريمة عملية انتحار، لكن المحقق مونتالبانو” لم يوافق على ذلك. وهو كان يصر على منحه أياما إضافية ليستكمل عمله.