أصبحت نيجيريا، وهي واحدة من أكبر الاقتصادات في أفريقيا، دولة شريكة رسميا في مجموعة البريكس، الكتلة الاقتصادية التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وقد تم الإعلان عن هذا في منتصف يناير من قبل دانييل بوالا، المستشار الخاص للرئيس النيجيري بولا تينوبو، قائلا بأن الشراكة تشكل أهمية محورية لتعزيز التجارة والاستثمار والأمن الغذائي وتطوير البنية التحتية وأمن الطاقة. واستطرد يقول: “أن نيجيريا ستتمكن بموجب الاتفاقية من إقامة علاقات استراتيجية أعمق مع أعضاء البريكس تتجاوز الشراكات الثنائية التقليدية”.
وقد أحدثت هذه الخطوة موجات صادمة في الصعيد الاقتصادي العالمي، حيث أثارت جدلاً واسعا بين الاقتصاديين وصناع السياسات والعلماء، علما بأن النظر إلى الآثار المترتبة على هذه الشراكة الجديدة يثير تساؤلات حول الدوافع وراء قرار نيجيريا بالدخول في شراكة مع مجموعة البريكس، الكتلة الاقتصادية التي برزت كلاعب مهم في الاقتصاد العالمي، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لديها أكثر من 16 تريليون دولار. ووفقا لمجلة اقتصاديات البريكس، شكلت دول البريكس أكثر من 32% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي في عام 2022، و18% من التجارة العالمية، وجذبت 25% من الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي، كما يشكل سكانها ما يقرب من 40% من سكان العالم.
ومن جميع المؤشرات، يبدو أن نيجيريا تهدف إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الأسواق الناشئة الأخرى والاستفادة من أسواق جديدة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الأعضاء الأخرى. وبالتالي، فإن قرار نيجيريا بالشراكة مع مجموعة البريكس يعد خطوة استراتيجية لتقليل اعتمادها على الأسواق الغربية التقليدية، إذ قد ظلت القوى الاقتصادية الغربية تهيمن على البلاد منذ فترة طويلة، وبالتالي تشير هذه الخطوة إلى السعي نحو استقلال اقتصادي أكبر.
وإن شراكة البريكس هذه، توفر لنيجيريا فرصة فريدة لتنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على صادرات النفط، بحيث ستتمكن من الاستفادة من شراكتها لجذب الاستثمار في القطاعات الحيوية مثل البنية التحتية والزراعة والتصنيع. وهذا بدوره يمكن أن يساعد في خلق فرص العمل، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتقليل معدل الفقر. ومع ذلك، يجب على نيجيريا أن تتأكد من أن سياساتها الاقتصادية المحلية تتماشى مع أهداف شراكة البريكس وأن تكون مستعدة للتغلب على صعوبات هذه الشراكة الجديد تحدياتها.
جدول أعمال “البريكس”
يعد الالتزام بتعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية بين الدول الأعضاء أحد المحركات الرئيسية لكتلة البريكس. وقد أنشأ التجمع العديد من المؤسسات، منها بنك التنمية الجديد (NDB) و ترتيب احتياطي الطوارئ (CRA)، لتسهيل التعاون الاقتصادي وتقديم الدعم المالي للدول الأعضاء. وقد لعبت كتلة البريكس دورًا فعالًا في تعزيز التعاون بين بلدان الجنوب، والذي يهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدان النامية. وأدى هذا التعاون إلى زيادة التدفقات التجارية والاستثمارية بين الدول الأعضاء في البريكس والدول النامية الأخرى. كما أنشأت الكتلة أيضًا العديد من المبادرات، منها مجلس أعمال البريكس ومجلس مراكز الفكر في البريكس، لتعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية.
وعلى الرغم من نجاحات البريكس، تواجه الكتلة العديد من التحديات، أهمها الاختلافات في الأنظمة الاقتصادية، ومستويات التنمية، والمصالح الجيوسياسية. ويجب على الكتلة أن تتغلب على هذه التحديات لتحقيق أهدافها والحفاظ على أهميتها في الاقتصاد العالمي.
ومع ذلك، تظل كتلة البريكس لاعبا مهما في الاقتصاد العالمي، ومن المرجح أن يستمر نفوذها في النمو في السنوات المقبلة.
دوافع نيجيريا للشراكة مع “البريكس”
يمثل إدراج نيجيريا مؤخرا كدولة شريكة في كتلة البريكس علامة فارقة هامة، ما يؤكد على نفوذ البلاد المتزايد وموقعها الاستراتيجي داخل المشهد الاقتصادي العالمي، وخاصة في عالمٍ تعمل الاقتصادات الناشئة فيه على إعادة تشكيل التجارة العالمية وديناميكيات القوة، وفق ما قاله البروفيسور صامويل لارتي، وهو أستاذ في أنظمة التمويل وتكنولوجيا المعلومات.
ومن الواضح أن قرار نيجيريا بالدخول في شراكة مع مجموعة البريكس كان نتيجة رغبتها في تنويع شراكاتها التجارية والاستثمارية، علما بأن القوى الاقتصادية الغربية هي التي تهيمن على البلاد منذ فترة طويلة، وبالتالي تشير هذه الخطوة إلى تحول نحو استقلال اقتصادي أكبر. وكذلك تعدّ الرغبة في تقليل الاعتماد على صادرات النفط من الدوافع الرئيسية وراء قرار نيجيريا بالدخول في شراكة مع مجموعة البريكس.
ومن الدوافع الرئيسية أيضا، إمكانية الشراكة من توفير فرصة جذب الاستثمار الأجنبي لنيجيريا، حيث كانت البلاد تسير في السوات الأخيرة نحو جذب استثمارات أجنبية، وسط تحديات متعددة تواجهها، منها الفساد وانعدام الأمن وضعف البنية التحتية. وهناك دافع آخر وراء قرار نيجيريا بالشراكة مع مجموعة البريكس، وهو تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الأعضاء الأخرى، بحيث قد كانت نيجيريا منذ فترة طويلة عضوًا في المنظمات الاقتصادية الإقليمية، مثل الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS). ومن خلال انضمامها إلى مجموعة البريكس، ستستفيد من عضويتها لجذب الاستثمار في القطاعات الحيوية مثل البنية التحتية والزراعة والتصنيع.
الآثار المترتبة على نيجيريا وفق آراء الاقتصاديين
لقد أشاد الاقتصاديون بعضوية نيجيريا في مجموعة البريكس باعتبارها تطورا إيجابيا، غير أنهم حذروا بشأن التحديات المحتملة. ويقول الخبير الاقتصادي إيميكا أوكينج وو مشيدا بالخطوة ما نصّه: “انظر إلى أعضاء مجموعة البريكس والاقتصادات التي يجلبونها إلى الطاولة. ربما تكون البرازيل أكبر منتج للثروة الحيوانية ومنتجاتها على مستوى العالم، ثم للطائرات والطيران والطاقة المتجددة. ثم انظر إلى روسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ومصر وإثيوبيا. هذه أعداد كبيرة من السكان. إذا جمعتها معًا، فمن المحتمل أن تحقق عشرة أضعاف قيمة ما يمكن أن تقدمه لك أوروبا وأمريكا.”
ويشاركه آخرون في تفاؤله، وهم الذين يرون في مشاركة نيجيريا في مجموعة البريكس وسيلة للاستفادة من الفرص الاقتصادية العالمية وتعزيز أهداف التنمية الوطنية.
ومع ذلك، فلا تخلو هذه الخطوة من التحديات، حيث رأى بعض المحللين أن نيجيريا تواجه عقبات كبيرة، بما فيها الاقتصاد المتعثر والبنية التحتية غير الكافية. وبالرغم من كلها يعتقد بعض خبراء الاقتصاد أن نيجيريا قادرة على التغلب على هذه التحديات. ومن هؤلاء الخبراء ندو نووكولو الذي قال: “الأمر يتعلق بمدى ذكائك للاستفادة من الجميع”. ثم قال مستطردا: “ومع ما نشهده من بعض تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد تستفيد نيجيريا من الوضع لأن ترامب يتحدث بالفعل عن زيادة الضرائب الجمركية حتى داخل الدول الحليفة. وإذا كان سيفعل ذلك مع البلدان التي نعتقد أنها شركاء تقليديون، فلم لن يفعل المزيد مع البلدان التي يعتبرها غريبة”.
ويمكن الاستنتاج من وجهات النظر المذكورة أعلاه أن عضوية نيجيريا في البريكس تقدم فرصًا وتحديات للبلاد. ورغم أن خبراء الاقتصاد يحذرون من المخاطر المحتملة، فإنهم يعترفون أيضاً بالفوائد المحتملة لزيادة التجارة والاستثمار. وبينما تبحر نيجيريا في هذه الشراكة الجديدة، يتعين عليها أن تضمن أن سياساتها الاقتصادية المحلية تتماشى مع أهداف عضوية مجموعة البريكس.
الآثار المترتبة على إفريقيا عموما
تعد عضوية نيجيريا كشريك في مجموعة البريكس خطوة استراتيجية سوف تعود بالنفع على أفريقيا عموما، وفقا لالتزام البلاد بالإصلاح المالي والسياسي العالمي. و إن مشاركة نيجيريا في المجموعة تعكس دورها النشط في الدفاع عن المصالح الأفريقية وتعزيز النمو الاقتصادي العالمي. وتكتسب هذه الخطوة أهمية خاصة، نظراً لجدول أعمال نيجيريا الطموحة، والتي تتضمن السعي للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وعضوية مجموعة العشرين، وفقا لوزير الخارجية يوسف توجار.
وفي كلماته أثناء حديثه بشأن الشراكة المتاحة في مقابلة مع قناة CNBC Africa، قال الوزير النيجيري: “كما تعلمون، نحن سباق غايات لا يعلى علينا من حيث التواصل. ولهذا السبب فمن المهم بالنسبة لنيجيريا أن تكون حاضرة وأن تشارك، ونحن نفعل ذلك بالضبط. فالمشاركة إذن سياسية أيضا بقدر كونها اقتصادية، خاصة في هذا الأوان الذي رسمنا فيه جدول أعمال طموحة، مثل الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وعلى عضوية مجموعة العشرين، وقد أعلنا مؤخرًا عن شراكتنا مع مجموعة البريكس. لذلك، نحن شريك في البريكس الآن، وبالطبع، نحن في طليعة الضغط من أجل إصلاح الهيكل المالي العالمي، وهيكل صنع القرار السياسي.”
وكذلك تعد العلاقات الثنائية القوية، الثابتة بين نيجيريا والأعضاء المؤسسين لمجموعة البريكس، جانبا رئيسيا من هذه الشراكة.
ويسلط شرح الوزير النيجيري الضوءَ على التعقيدات التي ينطوي عليها الأمر وتركيز البلاد على الاستقلال الاستراتيجي، مبيّنا أن هذا النهج يتماشى مع المثل الإفريقية، التي تؤكد على أهمية سيطرة الدول الإفريقية على مصيرها وتأكيد مصالحها على المسرح العالمي.
ومع استمرار الدول الأفريقية في التعامل مع المنتديات العالمية الرئيسية مثل مجموعة العشرين ومجموعة البريكس، فإنها تضع نفسها كصوت مهم في تشكيل الخطاب الاقتصادي والسياسي العالمي. وهذا يشكل تطوراً إيجابياً من منظور عموم أفريقيا، لأنه يعكس التزام نيجيريا بمناصرة المصالح الأفريقية وتعزيز النمو الاقتصادي العالمي.
وخلاصة القول أنه لا شك في أن عضوية نيجيريا في مجموعة البريكس ترسم حدودا جديدة للتجارة والاستثمار في أفريقيا. وباعتبار نيجيري واحدة من أكبر الاقتصادات في القارة، فإن قرارها بالانضمام إلى مجموعة البريكس يرسل إشارة قوية حول النفوذ الاقتصادي المتنامي لأفريقيا. وفي حين يحذر الاقتصاديون من التحديات المحتملة، فإنهم يعترفون أيضاً بالفرص المتاحة لزيادة التجارة والاستثمار. وذلك لأن عضوية نيجيريا في البريكس تقدر على الدخول في حقبة جديدة من التعاون والنمو الاقتصادي لأفريقيا.
سارة دالي