“الحاكم بأمر اللات” و”سرير بقلاوة الحزين
لم ينتظر الروائيون السوريون اندلاع الثورة أو نهايتها ليكتبوا عن جرائم النظام السوري، ورغم ما تعرض له بعضهم من سجن وترهيب وتعذيب فقد كتبوا بجرأة، وواصلوا الكشف عن خفايا السجون والمعتقلات التي تقدم قصصا مؤلمة عما عاشه السوريون.
هناك الكثير من الأعمال الأدبية التي تناولت التعذيب داخل نظام البعث المجرم، ولعل أشهر هذه الروايات هي “القوقعة” للكاتب السوري مصطفى خليفة، الصادرة قبل اندلاع الثورة السورية، والتي يروي فيها قصة شاب اعتقلته المخابرات السورية أثناء عودته من فرنسا، حيث كان يدرس الإخراج السينمائي وكانت التهمة الموجهة إليه هي انتمائه إلى تنظيم الإخوان المسلمين، بالرغم من أنه مسيحي، وكل ذلك حدث بسبب تقرير كتبه فيه أحد زملاء الدراسة في فرنسا جاء فيه أن الشاب قام بشتيمة رئيس البلاد أثناء إقامته هناك.
فضح المعتقلات
“الحاكم بأمر اللات” و”سرير بقلاوة الحزين” شهادتان على التعذيب والقمع وجرائم النظام السوري في حق شعبه.
طبعا هذا الشاب الذي اعتقل في المطار هو خليفة نفسه كاتب الرواية، والذي ظل ثلاثة عشر عاما في معتقلات الأسد، وتحدث عن تجربته القاسية هذه في أكثر من برنامج تلفزيوني، بالإضافة لتلك الرواية والكثير غيرها هناك روايتان سوريتان هامتان لم تأخذا نصيبهما من الشهرة الأولى هي “الحاكم بأمر اللات” للكاتب السوري فادي قوشقجي، والتي تتحدث عن كاتب روايات معارض لنظام البعث يؤلف الروايات ويقوم بنشرها خارج البلاد باسم مستعار.
وربما أن المقصود هو المعارض السوري الراحل “ميشيل كيلو”، إلى أن يفتضح أمره من قبل مخابرات البلاد ويتم اعتقاله وتعذيبه. ويروي لنا كاتب الرواية كيف كان يتم جلب مجرمين وأصحاب سوابق جنائية وتوظيفهم في هذه الأفرع الأمنية حيث توكل إليهم مهمة تعذيب المعتقلين، وقد استخدم “قوشقجي” أسلوب المواربة في روايته هذه التي جاءت بتقنية الميتا سرد، حيث ذكر في مقدمتها أن أحداثها تدور في إسبانيا في عهد الجنرال “فرانكو” لأنه لو ذكر أن أحداثها تدور في سوريا لكان مصيرها المنع ومصيره الاعتقال.
أما الرواية الثانية فهي “سرير بقلاوة الحزين”، للكاتب السوري نبيل الملحم، ويروي فيها قصة طبيب سوري ينحدر من ريف حلب معتقل داخل سجن تدمر العسكري، وقد تم اعتقاله بسبب سذاجته وبساطته، حيث كان يعلق على جدار عيادته صورة لصلاح جديد، معتقدا أنه هو رئيس البلاد بدلا من حافظ الأسد، الأمر الذي أدى إلى اعتقاله من قبل المخابرات وزجه في سجن تدمر.
يصف لنا الكاتب في روايته هذه أجواء السجن سيء الصيت وأساليب تعذيب المعتقلين والصداقة المبدئية التي تربط بين الطبيب ورئيس السجن الضابط السادي، وفي النهاية طبعا تتم تصفية الطبيب بعدما قاموا بإخصائه لأنه هرب لفترة خارج السجن بعد أن أخذه رئيس السجن معه في زيارة إلى دمشق في إحدى المرات لثقته به بعد الصداقة التي تشكلت بينهما، وبعد تصفيته ترسل جثته إلى كلية الطب البشري في جامعة دمشق وتعرض في درس التشريح على الطلاب فيتعرف عليها أحد الطلاب الحاضرين الذي ينحدر من نفس قريته في ريف حلب.
هذا غيض من فيض ما كان يفعله النظام المجرم بالسوريين في معتقلاته، وقد رأيناه بعد فتح سجن صيدنايا وتحرير المعتقلين منه ومن كافة المعتقلات التي نشرها النظام في طول البلاد وعرض أكبر دليل على إدانته وإجرامه بحق السوريين على مدار أكثر من خمسين عاما.
روايات بعد الثورة
في فترة الثورة السورية ظهرت العديد من الروايات التي تحكي عن طبيعة هذا النظام ومنظومته الأمنية المعقدة، كان أهمها رواية “السوريون الأعداء” للكاتب السوري فواز حداد وصدرت عن دار رياض الريس في بيروت، وهي تروي قصة ضابط سوري يقوم بقتل ثلاثة أجيال من عائلة واحدة أثناء حصار حماة في ثمانينات القرن الماضي قبل اجتياحها وارتكاب المجزرة الكبرى بحق أهلها.
يقتل الضابط الجد والأم والأطفال بكل برود، ويعتقل الأب الطبيب كي يعدم ميدانيا، لكنه ينجو لاحقا مثلما ينجو ابنه الرضيع الذي تتلقفه الجارة من يد أمه الجثة الهامدة حيث كانت تحتضنه، ويكون هو الناجي الوحيد من هذه العائلة وحافظ نسلها، بينما الضابط تتم ترقيته لاحقا ويترفع في المناصب ويعمل على نشر أيديولوجية النظام وفكرة القائد الخالد بعد المجزرة بكل ما أوتي من سلطة، حتى يصل ويصبح من كبار ضباط القصر الجمهوري وصاحب امتيازات كبرى لدى النظام.
أثارت هذه الرواية ضجة وجدلا كبيرا سنة صدورها حيث شرح فيها فواز حداد بنية هذا النظام العقائدية وكيفية عمله وقد أصدر بعدها عدة روايات عن الثيمة نفسها وهي إجرام وتركيبة هذا النظام وفروع مخابراته كرواية “جمهورية الظلام” الصادرة عن دار رياض الريس أيضا، وهي ميلودراما سوداء تدور أحداثها داخل أروقة القصر الجمهوري وأقبية الأفرع الأمنية.
وتروي الرواية قصة شاعر مؤيد للسلطة الحاكمة وكاتب تقارير للأفرع الأمنية وهي ثيمة سنجدها في روايته الأخيرة الصادرة هذا العام المعنونة بـ “الروائي المريب” عن نفس الدار، وتتناول قصة أديب يكتب رواية ويختفي، وتصبح حديث النخب الثقافية التي يقوم بتشريح انتماءاتها وولاءاتها لنظام البعث، مسلطا الضوء على عوالم زبانية السلطة من المثقفين وتشعبات علاقاتهم.
وبالتأكيد بعد سقوط نظام الأسد ستصدر الكثير من الروايات التي تتناول فترة حكمه وفترة الثورة السورية فبسقوطه سقطت الرقابة الخانقة التي كان يفرضها على المثقفين والفنان والكتاب والمخرجين وسيبدأ عهد جديد للثقافة السورية.