ميكروسكوب
بقلم الدكتور : رضوان بوهيدل
في عالم يموج بالصخب والضجيج، حيث الحديث عن السلام لا يتجاوز حدود قاعات المؤتمرات المكيفة، نقف نحن، أبناء هذه الأرض العربية، كمن يراقب عاصفة هوجاء، من وراء نافذة محطمة، ننظر إلى عالم يملأه الحديث عن السلام، بينما يتكدس الموت في شوارعنا كما يتكدس الغبار فوق الأطلال، فنحن، أبناء الحروب التي لا تنتهي، وأحفاد الثورات التي دفنت في المهد، نسمع الدعوات إلى الحوار، والهدنة و و …الخ،
بينما تدوي المدافع فوق رؤوسنا، نسمع خطب الساسة عن السلام المستدام، بينما تكتب أم ثكلى رسالتها الأخيرة إلى ابن خرج ولم يعد، فعن أي سلام هذا الذي يتحدثون عنه؟ وأي حلم هذا يحاولون بيعه لشعوب أنهكتها خيبات الأمل؟ نحن الذين أكلتنا الحروب ولم تترك فينا سوى ذكريات من زمن كنا نعيش فيه دون أن نحسب خطواتنا بين الركام، فربما لم يعد للسلام مكان في قواميسنا، أو ربما نحن في زمن أصبح فيه الصراع جزءا من هويتنا، والموت مشهدا يوميا لا يثير دهشتنا، ومع ذلك، نبتسم، ليس تفاؤلا، بل لأننا أدركنا أن العالم يمضي، وأننا مجرد هامش صغير في رواية كتبها الأقوياء. هذه دعوتنا إلى دعاة السلام، نقول، تعالوا إلى شوارعنا لتتحدثوا عن السلام، واجلسوا مع اللاجئين في خيامهم، وانظروا في عيون الأيتام الذين يسألون عن ذنبهم، وعندها فقط، ربما، تدركون أن السلام الذي تنشدونه ليس إلا سرابا في صحراء أحلامنا القاحلة، وللحديث بقية…