مساهمة بقلم : وجيدة حافي
ترامب مرة أُخرى رئيسا للولايات المُتحدة الأمريكية، الرجل الذي لم يستسيغ هزيمته في 2020، يعود للبيت الأبيض في ظروف عالمية صعبة وإستثنائية وخاصة للعرب والمُسلمين، يعود هذه المرة وكله حزم وعزم على الوُقوف بجانب آل صهيون ومُحاربة كل من يُحاول الوُقوف ضده ومُخالفته الرأي حول التوسعة اليهودية والتطبيع مع الكيان جهرا لا سرا، فهو يتعامل بسياسة واحدة بواحدة، والمصلحة الشخصية والأمريكية قبل كل شيء، فترامب الطبعة الأولى رأينا فيها رئيسا جامحا ومُنافسا للخصوم السياسية العالمية وسُلطات بلاده القضائية أين دخل في مُواجهتين كبيرتين، الأولى حين منع دخول 7 دول إسلامية إلى أمريكا، والثانية حين فاز “بايدن “سنة 2020 وإدعى أنه حدث تلاعب وتزوير في الإنتخابات، ورفع وقتها 63 دعوة قضائية يتهم فيها عدد من الحُكام الأمريكيين بالتلاعب بنتائج الإنتخابات لصالح غريمه “جون بايدن”، هو بالطبع ليس ترامب هذه الطبعة، أين إستنتج أن نرجسيته ومشاكله مع مؤسسات بلاده الداخلية لم تضف إليه شيئا وتسببت في تُهم ومشاكل كبيرة له ولعائلته، وهذا ما دفعه لإستعمال كارت وقف الهجرة اللاشرعية لأمريكا ووعده بإيقاف الحرب بين أوكرانيا والروس، وفي غزة ولُبنان، لكسب ثقة شعبه والمُهاجرين العرب المُسلمين المُستائين من سياسة “بايدن ” ونائبته “هاريس” الخاسرة في إنتخابات 2024.
ففوز ترامب في الحقيقة أثار صدمة كبيرة في الداخل والخارج، كل التوقعات الأمريكية قبل الإنتخابات أكدت فوز هاريس وبنسبة كبيرة، والاستطلاعات أقرت بتأييد مطلق للأمريكيين لها ولسياستها، لكن بعد الخامس من نوفمبر، الكثيير من الأشياء تغيرت، وأصبح الحزب الديمقراطي مهدد بفقد كل مقاعده في الكونغرس ومجلس الشيوخ والنواب لصالح الجمهوريين، وهذا دون شك خلق نوع من الحزن والأسى في أوساط الديمقراطيين مسؤولين ومواطنين، أما على المستوى العربي فهناك من يأسف لعودته، لأنه يعرف مدى تهوره ونفاقه، ومُتأكد أن كل ما قيل في حملته الإنتخابية مجرد شعارات زاعقة تفتقر لرؤية متكاملة أو خطة محددة تجاه قضية معينة، فالعلاقة بين “ترامب” والعرب أساسها التزلف من طرف واحد، أما وقف الحرب فهو ليس بالأمر الهين والسهل كما يتصوره، والسؤال هنا كيف ستقنع أمريكا أطراف الحرب المباشرة بالتجاوب مع الخطة الأمريكية؟ ووفق أي شروط سينهي الحرب؟ أسئلة حتى ترامب لا يعرف إجابة عنها، لأنه في قرارة نفسه لا يريد حلا وقضيته ليست فلسطين والعرب، بل إسرائيل ومجدها.
ولأنها تعرفه وجربته أكثر من مرة، تبقى القارة العجوز الخاسر الأكبر من هذا الفوز، فترامب ليس بايدن، وحمايتها في الخمس سنوات الماضية تستدعي منها الدفع، وإلا ستكون حلبة صراع وحرب يعيداها إلى حالتها في الحربين العالمية الأولى والثانية، ولهذا فهي تسعى جاهدة لوضع اليد في اليد لوضع منظومة أمن أوروبي مستقل يعيد لها هيبتها ومكانتها الضائعة مع أمريكا، فهي مع بايدن أو ترامب الضحية الأولى وإستغلالها جاري ولكن بدرجات، فالحرب الأوكرانية أوقفت تدفق الغاز الروسي لأوروبا وأدت لاعتمادها على الغاز الأمريكي الأعلى سعرا، فالشراكة الأوروبية الأمريكية شعارها التبعية المطلقة لأمريكا، وأوروبا في السنوات الأخيرة مشاكلها تفاقمت، والعلاقة بين دولها ليست على ما يُرام بسبب المثلية والحريات وتجاوز الدين، وعدم التكافؤ الإقتصادي، ولهذا فهي في وضع لا تُحسد عليه إذا ما أدار البوصلة نحوها ونفذ تهديداته، فالرجل ذو عقلية إقتصادية شعارها المال والمصلحة، والعلاقات التي تحول دون تحقيق أهدافه، سامة ويجب التخلص منها حسب منظوره، وربما هذا هو الشيء الذي جعل الكثير من الأمريكيين يختارونه ويُصوتون عليه، لأن القضية التي شغلت وتشغل المجتمع الأمريكي هي القدرة الشرائية وكيفية التعايش مع الديون المُثقلة والتعليم، إنعدام الشُغل وغيرها من المشاكل التي يعاني منها الأمريكي، ولأنه ذكي وعرف كيف تؤكل الكتف، فقد ركز كثيرا في مناظراته على جيوب المواطن بالإستعانة بخبراء وأصدقاء لتحقيق أهدافه.
فترامب المُتقلب المزاج والذي يُفكر بعقلية رأسمالية بحتة، ليس صديق أحد، تحركاته مضبوطة ومحسوبة، وأينما تكون مصلحته يمشي ولا يهتم، لذا فالتعزية واجبة للحكام العرب الذين سيدفعون ضرائب مُقابل حمايتهم وتحقيق أهدافهم، بثرواتهم وخيرات بلادهم، فنظرته للأنظمة العربية لم تختلف عن تلك في 2016/2024، وهو لن يُغير ما أفسدته أمريكا خلال السنوات الماضية في العراق وإيران وكل الدول العربية، بل سيسعى إلى خنقها أكثر حتى يتحكم في رقابها وتبقى عبيدا له ولأفكاره الجهنمية، لكن وحتى لا ننجر وراء التفكير القديم، فترامب ليس أمريكا وأمريكا ليست ترامب، لأن ما يحدث في الدُول الغربية المُتقدمة من تطورات فكرية وصلت لإعتبار الحاكم خادما لأفكار ورُؤى مُستقبلية من طرف ما يُسمى بالدولة العميقة والتي هي مؤسسات الملياردير “روبرت مردوخ” شبكة فوكس نيوز، أرباب العمل وخاصة من الصناعات العسكرية، رجال الإستخبارات والأمن القومي والمُخابرات المركزية ورجال الكونغرس، دون نسيان اللوبي اليهودي ومالكوا الشركات النفطية الكُبرى المُشاركين في الحكومات العميقة، هؤلاء لا يتأثرون بتغيير السياسات والأحزاب، ولا يُمكن إقالتهم، لأنهم من يقودون أمريكا وليس “ترامب “وبايدن وأوباما” وغيرهم من الرؤساء الأمريكيين، لذا “فترامب” ليس أمريكا ، هو جُزء من مرحلة جديدة لتحقيق أهداف ومآرب الدولة العميقة بشقيها السياسي والاقتصادي.