بقلم الدكتور : رضوان بوهيدل
تعتبر التغيرات المناخية من أبرز التحديات التي تواجه القارة الإفريقية، حيث تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على استقرار الدول والمجتمعات، حيث تتسبب هذه التغيرات في تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مما يسهم في اندلاع النزاعات وتصعيدها، وتعتبر إفريقيا من أكثر القارات عرضة لتأثيرات التغير المناخي نظرا لاعتماد عدد كبير من سكانها على الزراعة والرعي كمصادر رئيسية للعيش، ويؤدي تغير أنماط الطقس، بما في ذلك موجات الجفاف المتكررة والفيضانات غير المتوقعة، إلى تدمير سبل العيش، مما يدفع السكان إلى البحث عن موارد جديدة بأي وسيلة ممكنة، بما في ذلك النزاعات المسلحة، كما تشهد العديد من المناطق في إفريقيا تناقصا ملحوظا في الموارد الطبيعية مثل المياه والأراضي الصالحة للزراعة، ما يؤدي إلى تصاعد حدة التنافس بين المجتمعات المحلية والمزارعين والرعاة وحتى بين الدول، ويتسبب هذا الوضع في نزاعات محلية بين الجماعات المختلفة التي تتنافس على الوصول إلى الموارد المحدودة، وهو ما يزيد من التوترات الاجتماعية، وفي مناطق الساحل والصحراء الكبرى، حيث يعتمد السكان بشكل كبير على الزراعة والرعي، يؤدي نقص المياه والجفاف إلى تنامي الصراعات بين الرعاة والمزارعين، خاصة في ظل ازدياد عدد السكان وتراجع قدرة الأراضي على الإنتاج.
تعتبر الموارد المائية من أكثر العوامل التي تؤجج النزاعات في إفريقيا، حيث يؤدي تراجع معدلات الأمطار والجفاف إلى تقليص مصادر المياه، مما يدفع السكان إلى الهجرة بحثا عن بدائل، وفي العديد من الحالات، يؤدي ذلك إلى نشوب نزاعات بين المجتمعات المحلية أو حتى بين الدول التي تتشارك الأحواض المائية، ومن الأمثلة البارزة على ذلك النزاعات المحتملة حول مياه نهر النيل بين دول المنبع والمصب، حيث تؤثر التغيرات المناخية على تدفق المياه، مما يزيد من الضغوط على الدول المشاطئة التي تعتمد عليه في الري وتوليد الطاقة، وإضافة إلى النزاعات المحلية والإقليمية، تؤدي التغيرات المناخية إلى تفاقم الأوضاع الأمنية عبر تغذية أنشطة الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، وفي العديد من الدول الإفريقية، تستغل هذه الجماعات الأزمات البيئية لتجنيد السكان المتضررين الذين فقدوا مصادر رزقهم بسبب الجفاف أو الفيضانات، حيث يوفر انعدام الأمن الغذائي وتراجع الفرص الاقتصادية بيئة خصبة لانتشار التطرف العنيف، حيث يجد الشباب العاطلون عن العمل أنفسهم أكثر عرضة للتجنيد في المجموعات المسلحة التي توفر لهم دخلا واستقرارا نسبيا، وفي مناطق مثل الساحل الإفريقي، ساهمت الأزمات المناخية في تعزيز نفوذ الجماعات الإرهابية التي تقدم نفسها كبديل للسلطات الضعيفة، ما يزيد من تعقيد المشهد الأمني.
على صعيد آخر، تؤثر الهجرة القسرية الناجمة عن التغيرات المناخية أيضا على الاستقرار في القارة الإفريقية، حيث يضطر الملايين إلى النزوح من مناطقهم بحثا عن ظروف معيشية أفضل، كما يؤدي هذا النزوح إلى ضغوط على الموارد في المناطق المستقبلة، مما يزيد من حدة النزاعات بين السكان الأصليين والوافدين، كما أن التنافس على فرص العمل والخدمات الأساسية يؤدي في بعض الأحيان إلى أعمال عنف واحتكاكات بين الجماعات المختلفة، وفي بعض الدول، تستغل النخب السياسية هذه الانقسامات لتعزيز نفوذها عبر تأجيج الصراعات العرقية والسياسية، مما يفاقم الأوضاع الأمنية ويزيد من احتمالية اندلاع الحروب الأهلية، وتعتبر التغيرات المناخية أيضا عاملا محفزا لعدم الاستقرار السياسي في العديد من الدول الإفريقية، حيث يؤدي تدهور الأوضاع البيئية إلى احتجاجات شعبية ضد الحكومات التي تفشل في تقديم حلول فعالة للأزمات المتفاقمة، كما أنه في العديد من الحالات، تؤدي هذه الاحتجاجات إلى اضطرابات سياسية قد تتطور إلى صراعات مسلحة، خاصة إذا تم قمعها بالقوة، فضلا أن الحكومات الضعيفة أو الفاسدة تجد صعوبة في التعامل مع تداعيات التغير المناخي، مما يؤدي إلى تفاقم الفجوة بين الدولة والمجتمع وخلق بيئة مناسبة لنشوء حركات تمرد.
رغم خطورة التحديات التي تفرضها التغيرات المناخية على النزاعات في قارة إفريقيا، إلا أن هناك فرصا للحلول إذا تم تبني استراتيجيات مناسبة، ويمكن أن يلعب التعاون الإقليمي والدولي دورا مهما في الحد من تأثير التغير المناخي على الاستقرار، من خلال تبني سياسات إدارة مستدامة للموارد وتعزيز القدرات المحلية على التكيف مع التغيرات البيئية، وتحتاج الدول الإفريقية إلى تحسين سياساتها الزراعية والاعتماد على تقنيات حديثة في الري وإدارة المياه لضمان استدامة الإنتاج الغذائي وتقليل المخاطر المرتبطة بندرة الموارد، ويمكن أن تسهم الاستثمارات في الطاقة المتجددة والمشاريع البيئية في خلق فرص عمل جديدة تقلل من احتمالية اندلاع النزاعات، حيث يوفر الاقتصاد الأخضر بديلا مستداما للأنشطة التقليدية التي تتأثر بالتغيرات المناخية، كما أن تعزيز برامج التأقلم المناخي وتحسين البنية التحتية لمواجهة الكوارث الطبيعية يمكن أن يحد من تداعيات الأزمات المناخية ويقلل من احتمالية النزوح والصراعات المرتبطة به، في وقت تلعب المنظمات الإقليمية والدولية دورا محوريا في دعم الجهود الرامية إلى الحد من النزاعات المرتبطة بالتغير المناخي، حيث يمكن أن تسهم في تعزيز الحوار بين الدول والمجتمعات المحلية حول إدارة الموارد المشتركة بطرق عادلة ومستدامة، كما أن تطوير آليات إنذار مبكر للتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية يمكن أن يساعد في تقليل المخاطر المرتبطة بالأزمات البيئية والاستعداد لها بشكل أفضل.
يعتبر تأثير التغيرات المناخية على النزاعات في إفريقيا معقدا ويتطلب استجابات متعددة الأبعاد تشمل السياسات الداخلية، والتعاون الإقليمي، والدعم الدولي، ورغم أن التغير المناخي يمثل تحديا كبيرا لاستقرار القارة، إلا أنه يمكن أن يكون أيضا فرصة لتعزيز التعاون بين الدول وإيجاد حلول مستدامة للتنمية، حيث تحتاج الحكومات إلى تبني استراتيجيات شاملة لمواجهة هذه التحديات، مع التركيز على تعزيز القدرات المحلية، والاستثمار في البنية التحتية المستدامة، وتحقيق العدالة في توزيع الموارد، ومن خلال هذه الجهود، يمكن الحد من تأثير التغير المناخي على النزاعات وبناء مستقبل أكثر استقرارا وأمانا للقارة الإفريقية ككل.