ميكروسكوب
من الواضح أن كل محاولات فرنسا لاسترجاع ما تبقى لها من نفوذ في القارة السماء سقطت في الماء، فاليوم لم تعد الحكومات وحدها من يتخذ القرارات المصيرية، لاسيما تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية، حيث ظهرت معايير أخرى إلى السطح مؤخرا، صار يؤخذ بها من طرف الدول الإفريقية قبل اتخاذ أي خطوة، وهذا ما أظهرته تداعيات انقلاب النيجر، أين بات واضح أن “المعيار الشعبي” صار رقما مهما في المعادلة، وآخرها رفض ممثلي الشعب في نيجيريا (البرلمان) أي تدخل عسكري في الجارة النيجر، بعد أن حاولت السلطة الرضوخ الضغط الفرنسي لإنقاذ “بازوم” من أيدي الانقلابيين، فرفض ممثلي الشعب في نيجيريا يعتبر درس الباقي حكومات إفريقيا، التي تحاول أن تركب موجة باريس، خاصة بعد ان أكدت مالي وبوركينافاسو رفضها التام للتدخلات العسكرية في النيجر، رافضين بذلك عودة النفوذ الفرنسي، و عودة استنزاف ثروات القارة، وإن كانت بالنسبة لفرنسا مسألة حياة أو موت، قد تؤدي إلى افتعال الحروب، لخلق الشرعية والمبررات التي قد تدفع فرنسا التدخل عسكريا، لكل ما لم يكن في حسبان الإيليزيه هو هذا التحالف المفاجئ وغير المتوقع لحماية النيجر من البطش الفرنسي. بعد فشلها في اقناع حلفائها وعملائها بالقارة السمراء، لم يعد أمام باريس اليوم سوى الحروب الإعلامية لشيطنة فاغنر وروسيا والصين، خاصة بعد تسريب طلب المساعدة السلطة العسكرية الحاكمة اليوم في نيامي، لمؤسسة “فاغنر” الأمنية لمواجهة أي اعتداء عسكري على البلاد، ورفض دخول مندوبي “الإيكواس” إلى العاصمة نيامي للتفاوض من أجل مصير “بازوم” أو بمعنى أصح من أجل بقاء شركات اليورانيوم الفرنسية في البلاد. كل ما يحدث هي انتفاضة واستفاقة لم تحسب لها فرنسا أي حساب، مما أخلط أوراقها وقلب كل الموازين.