بقلم الدكتور : رضوان بوهيدل
يعتبر انتشار الأسلحة في قارة إفريقيا من القضايا الأمنية والسياسية الخطيرة، والتي تهدد استقرار العديد من دول القارة السمراء، بل وتمتد تداعياتها إلى التأثير على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث تعاني القارة الإفريقية منذ عقود من تدفق الأسلحة على أراضيها، سواء عبر القنوات الشرعية، أو حتى عبر السوق السوداء، مما أدى إلى تصاعد النزاعات المسلحة بشكل كبير ومبالغ فيه، وكذا ظهور الجماعات الإرهابية، وزعزعة الأمن الإقليمي.
هناك العديد من العوامل التي ساهمت في انتشار الأسلحة على نطاق واسع في قارة إفريقيا، من بينها، النزاعات المسلحة والحروب الأهلية، حيث لطالما كانت النزاعات والحروب الأهلية المستمرة في قارة إفريقيا، مثل تلك التي شهدتها رواندا، السودان، والصومال، بيئة خصبة لتدفق الأسلحة، كما أن أطراف النزاع تلجأ إلى التسلح بكثافة، من أجل تأمين مصالحها أو تحقيق أهدافها العسكرية، ما يخلق دائرة مفرغة من العنف، بالإضافة إلى الحدود المفتوحة وضعف الرقابة، حيث تتسم معظم الحدود في إفريقيا بالانفتاح وضعف السيطرة الأمنية، مما يسهل تهريب الأسلحة بين الدول، ويعتبر الساحل الإفريقي مثالا بارزا على ذلك، حيث تنتقل الأسلحة بسهولة بين مالي والنيجر وليبيا وغيرها من بلدان المنطقة، فضلا عن تفكك الأنظمة الحكومية، حيث أدى انهيار الأنظمة السياسية في بعض الدول، مثل ليبيا بعد 2011، وتحديدا بعد سقوط نظام القذافي، إلى انتشار مخزون هائل من الأسلحة بالمنطقة، حيث تحولت ليبيا إلى مستودع مفتوح يغذي الجماعات المسلحة في المنطقة، سواء الإرهابية، الإجرامية أو الانفصالية، بالإضافة إلى التدخلات الخارجية، حيث تعتبر إفريقيا ساحة للصراعات الجيوسياسية بين القوى الدولية، مما يدفع بعضها إلى دعم جماعات أو حكومات بالسلاح لتحقيق مصالحها، وهذا التدخل يزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية في القارة، كما لعبت السوق السوداء وانتشار شبكات التهريب في القارة السمراء دورا مهما في انتشار الأسلحة بكثافة، حيث يشكل سوق الأسلحة غير القانونية مصدرا رئيسيا للتمويل بالنسبة للعديد من الجماعات المسلحة والميليشيات في إفريقيا، كما تتسم هذه الشبكات بالكفاءة والتنظيم العالي، مستغلة الفساد وضعف تطبيق القوانين في العديد من الدول الإفريقية.
الكثير من التحديات التي تواجه مكافحة انتشار الأسلحة في قارة إفريقيا، أهمها ضعف البنية التحتية الأمنية، أين تعاني العديد من الدول الإفريقية من نقص الموارد والخبرات اللازمة، لتأمين حدودها ومراقبة تدفق الأسلحة، وغياب التعاون الإقليمي، فرغم وجود منظمات إقليمية مثل الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المعروفة باسم “إيكواس”، إلا أن غياب التنسيق الفعال بين الدول الأعضاء يعوق جهود مكافحة انتشار الأسلحة، والفساد وضعف الحكم، حيث يعتبر الفساد الحكومي عاملا رئيسيا يساهم في تفاقم المشكلة الأمنية، حيث تتورط في كثير من الأحيان جهات رسمية في تهريب الأسلحة أو التغاضي عنه، بالإضافة إلى تزايد الجماعات الإرهابية:، والتي أصبحت على غرار “بوكو حرام” في نيجيريا و”القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، تعتمد على تجارة الأسلحة لتأمين نشاطاتها، مما يصعب من جهود مكافحتها.
لانتشار الأسلحة في قارة إفريقيا تداعيات مدمرة على دول القارة السمراء، بداية بتصاعد العنف والصراعات، حيث يؤدي انتشار الأسلحة إلى تغذية الصراعات المسلحة وإطالة أمدها، كما يساهم في ظهور نزاعات جديدة بسبب سهولة الوصول إلى الوسائل القتالية، وزعزعة الأمن الإقليمي، من خلال انتقال الأسلحة بين الدول، مما يخلق بيئة غير مستقرة، حيث تمتد آثار الصراعات من دولة إلى أخرى، ما يعوق جهود التنمية والاستقرار، فضلا عن التأثير على التنمية، حيث تتسبب الصراعات الناتجة عن انتشار الأسلحة في تدمير البنى التحتية، وتهجير السكان، وتعطيل الاقتصاديات المحلية، مما يدخل الدول في دوامة الفقر وعدم الاستقرار، واستغلال الأطفال في النزاعات، وهي إحدى الظواهر الأكثر مأساوية هي استغلال الأطفال كجنود في النزاعات المسلحة، حيث يتم تسليحهم وإجبارهم على الانخراط في أعمال عنف مروعة.
وعلى الرغم من كل ما سبق، تعكف العديد من دول القارة السمراء، سواء بشكل فردي، أو من خلال التعاون والتنسيق الإقليمي والدولي، على بدل العديد من الجهود للحد من انتشار الأسلحة في قارة إفريقيا، من بينها المعاهدات الدولية، حيث تعتبر معاهدة تجارة الأسلحة، والتي دخلت حيز التنفيذ في سنة 2014 من الجهود الدولية البارزة للحد من تدفق الأسلحة غير المشروعة، والدور الإقليمي كذلك، حيث أطلقت منظمات مثل الاتحاد الإفريقي مبادرات للسيطرة على انتشار الأسلحة، مثل “خارطة طريق الاتحاد الإفريقي للحد من الأسلحة الصغيرة والخفيفة”، وتعزيز التعاون الأمني، حيث يشكل التعاون بين الدول الإفريقية عنصرا حاسما، أين تسعى بعض التجمعات الإقليمية إلى تعزيز تبادل المعلومات والتنسيق الأمني لمكافحة التهريب.، فضلا عن برامج نزع السلاح، بحيث تبنت بعض الدول برامج تهدف إلى جمع الأسلحة غير القانونية من المدنيين والجماعات المسلحة، في محاولة لتقليل مخزون الأسلحة المنتشر في أيدي غير مشروعة.
للحد من انتشار الأسلحة في إفريقيا، يجب على الدول الإفريقية والمجتمع الدولي اتخاذ خطوات أكثر فعالية تشمل، تعزيز الحوكمة ومحاربة الفساد، حيث يعتبر بناء مؤسسات قوية وشفافة الخطوة الأولى نحو مكافحة تهريب الأسلحة والسيطرة عليها، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، فمن الضروري دعم آليات التعاون بين الدول الإفريقية وتكثيف الدعم الدولي للبرامج الأمنية والتنموية، وتشديد الرقابة على تجارة الأسلحة، حيث يتطلب ذلك التزام الدول المصدرة للأسلحة بمسؤولياتها وفقا للقوانين الدولية، والحد من تسليح الأطراف التي تسهم في زعزعة استقرار القارة، والاستثمار في التنمية، حيث يعتبر القضاء على الفقر والبطالة وتوفير التعليم من أهم الأدوات لمعالجة الأسباب الجذرية للصراعات، وبالتالي تقليل الطلب على الأسلحة.
في نهاية المطاف، يمثل انتشار الأسلحة في إفريقيا تحديا كبيرا، لكنه ليس مستعصيا على الحل، بالتزامن مع معالجة الأسباب الجذرية للنزاعات وتعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي، يمكن تقليص هذه الظاهرة المدمرة، وفتح آفاق جديدة لقارة تواجه تحديات وفرصا كبيرة على حد سواء.