بقلم الدكتور : رضوان بوهيدل
تمثل الهجرة غير الشرعية واحدة ومن أبرز التحديات التي تواجه القارة الإفريقية في العقد الأخير، فالظاهرة التي بدأت كحركة فردية للبحث عن فرص اقتصادية أفضل أو هربا من النزاعات، أصبحت تشكل تهديدا أمنيا واقتصاديا وسياسيا متزايدا، سواء للدول المصدرة أو المستقبلة، حيث يتناول هذا المقال العوامل التي تقف وراء تصاعد الظاهرة أو الآفة، مع التركيز على تداعياتها الخطيرة على الأمن والسلام في إفريقيا، ومن أسباب تصاعد الهجرة غير الشرعية في إفريقيا، نذكر الأسباب الاقتصادية، والتي
تعتبر الظروف المتدهورة في معظم الدول الإفريقية السبب الرئيسي للهجرة غير الشرعية، مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر، إلى جانب الفجوة الهائلة بين الشمال والجنوب في مستويات التنمية، مما يدفع ملايين الشباب إلى المخاطرة بحياتهم بحثا عن حياة كريمة في أوروبا، أو في مناطق أكثر استقرارا داخل القارة نفسها، بالإضافة إلى النزاعات المسلحة وانعدام الأمن، أين تشهد العديد من الدول الإفريقية نزاعات مسلحة طويلة الأمد، مثلما هو الحال في منطقة الساحل الإفريقي، وجنوب السودان، والصومال، وهذه النزاعات لا تتسبب فقط في تدمير البنية التحتية للدول، بل تجعل الحياة مستحيلة بالنسبة للمواطنين، مما يدفعهم إلى الهجرة بحثا عن الأمان، فضلا عن التغيرات المناخية، حيث أدى تغير المناخ إلى تفاقم الجفاف والتصحر في دول مثل تشاد ومالي والنيجر، مما تسبب في تدمير مصادر العيش التقليدية كالزراعة والرعي، مع تزايد عدد السكان وندرة الموارد، حيث يجد الكثيرون أنفسهم مجبرين على الهجرة كخيار وحيد للبقاء، وضعف الحكومات وانعدام الاستقرار السياسي، كما
تؤدي السياسات الحكومية الضعيفة والفساد إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، مما يدفع السكان للهجرة غير الشرعية، كما أن ضعف سيطرة الدول على حدودها يسهل حركة المهاجرين غير الشرعيين وعصابات التهريب التي تستفيد من الظاهرة، وفي سياق متصل، تختلف طرق الهجرة غير الشرعية وعصابات التهريب، حيث يتبع المهاجرون عدة طرق رئيسية للهجرة غير الشرعية، أبرزها، الطريق الصحراوي، حيث يعبر المهاجرون من دول غرب إفريقيا إلى ليبيا أو الجزائر عبر الصحراء الكبرى، وهي رحلة مليئة بالمخاطر حيث يفقد كثيرون حياتهم بسبب الظروف القاسية أو جرائم عصابات التهريب، بالإضافة إلى الطريق البحري، خاصة من السواحل الليبية أو التونسية نحو جنوب أوروبا، وهذا الطريق محفوف بالمخاطر، حيث تزداد حوادث الغرق بسبب استخدام قوارب غير مؤهلة السفر لهذه المسافات، والهجرة الداخلية، التي تحدث داخل القارة نفسها، حيث يتوجه مهاجرون من دول مثل إثيوبيا وإريتريا إلى جنوب إفريقيا أو دول شرق القارة بحثا عن فرص اقتصادية، كما أن عصابات التهريب أصبحت لاعباً رئيسيا في الظاهرة، حيث تستغل حاجة المهاجرين لتحقيق أرباح طائلة، وهذه العصابات لا تكتفي بتهريب البشر، بل غالبا ما تكون متورطة في تهريب الأسلحة والمخدرات، مما يساهم في زعزعة الأمن الإقليمي في أرجاء القارة.
بالعودة إلى التداعيات الأمنية للهجرة غير الشرعية في إفريقيا، نلاحظ زيادة الأنشطة الإجرامية، فالهجرة غير الشرعية توفر غطاء لعصابات التهريب والمنظمات الإجرامية العابرة للحدود، حيث تعمل هذه العصابات على تهريب البشر، وتجارة المخدرات، وتوفير الأسلحة للجماعات الإرهابية، مما يؤدي إلى زيادة التوترات الأمنية في الدول المصدرة والمستقبلة، وكذا تعزيز تواجد ونشاط الجماعات الإرهابية، حيث تستغل الجماعات الإرهابية مثل “بوكو حرام” و”القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” حالة الفوضى الناجمة عن الهجرة غير الشرعية، فهي تستخدم المهاجرين كمصادر تمويل نشاطها أو للتجنيد، مما يؤدي إلى تمدد نشاطها في مناطق جديدة، من قارة إفريقيا، فضلا عن تفاقم النزاعات بين المجتمعات المحلية والمهاجرين
في الدول المستقبلة، أين تزداد التوترات بين المجتمعات المحلية والمهاجرين بسبب التنافس على الموارد المحدودة وفرص العمل، وهذه التوترات قد تتصاعد إلى مواجهات عنيفة، كما حدث في جنوب إفريقيا، حيث تعرض المهاجرون الأفارقة لهجمات من السكان المحليين، وهو ما يخلق نوع من الضغط على الحدود والمؤسسات الأمنية، كما تعاني العديد من الدول الإفريقية من ضعف القدرات الأمنية، وهو ما يجعلها غير قادرة على إدارة تدفقات المهاجرين والسيطرة على الحدود، وهذا الضعف يزيد من سهولة تحرك العصابات المسلحة والجماعات الإرهابية عبر الحدود، بالإضافة إلى التداعيات الاجتماعية والاقتصادية عبر استنزاف الموارد البشرية للدول المصدرة، فالهجرة غير الشرعية غالبا ما تستهدف الفئات الشابة، مما يؤدي إلى استنزاف القوى العاملة المنتجة في الدول المصدرة، وهذا يؤثر سلبا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، دون إغفال الأزمات الإنسانية المتفاقمة التي يتعرض لها المهاجرون غير الشرعيين، أين يواجهون مآسي إنسانية عديدة، بدءا من الاستغلال والابتزاز، وصولا إلى التعذيب والموت خلال رحلاتهم، وهذه الأزمات تضع ضغطا إضافيا على المنظمات الإنسانية والدول المستقبلة، والتأثير على العلاقات بين الدول، حيث تؤدي الهجرة غير الشرعية إلى توترات سياسية بين الدول الإفريقية نفسها، خاصة عندما تتهم الدول المستقبلة جيرانها بعدم بذل جهود كافية للحد من تدفق المهاجرين.
على صعيد آخر، وفي إطار الجهود المبذولة للتصدي للهجرة غير الشرعية، ولمواجهة هذه الظاهرة، تم اتخاذ عدة مبادرات على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، منها تعزيز التعاون الإقليمي، حيث أطلقت دول الاتحاد الإفريقي مبادرات تهدف إلى تحسين إدارة الحدود وتعزيز التعاون الأمني بين الدول، ومشاريع تنموية، حيث تسعى بعض الدول، بالتعاون مع الشركاء الدوليين، إلى تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الأكثر تصديرا للمهاجرين، ومكافحة عصابات التهريب، بحيث يتم ذلك من خلال برامج تدريب ودعم للقوات الأمنية المحلية لمواجهة شبكات التهريب، لكن على الرغم من ذلك، تبقى الجهود المبذولة محدودة جدا، أمام حجم المشكلة، خاصة في ظل نقص الموارد وضعف الإرادة السياسية في بعض الدول الإفريقية.
إن تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية في إفريقيا يعكس أزمات أعمق تتعلق بالاقتصاد، الأمن، والاستقرار السياسي في القارة، وعلى الرغم من الجهود المبذولة للتصدي لهذه الظاهرة، فإنها تتطلب مقاربات أكثر شمولية واستدامة، حيث ينبغي على الدول الإفريقية تعزيز التنمية الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية كأولوية قصوى، كما أن التعاون الإقليمي والدولي ضروري لمواجهة العصابات الإجرامية وتعزيز الأمن، وفي النهاية، فإن الهجرة غير الشرعية ليست فقط أزمة تهدد الأمن والسلام، بل هي أيضا دعوة للعمل على معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع ملايين البشر للهروب من أوطانهم.