مساهمة
سمير خلف الله
كما كان من المفروض ، أن لا تقحم المدرسة الجزائرية في معترك الخصومات السياسية، مما جعلها في بعض السنوات غارقة ، في وحل التجاذبات الأيديولوجية المتنافرة والمتصارعة ، والنتيجة خرابها شبه الكلي . وإن كنا نأمل أن يتفطن القائمون عليها إلى هذا الفخ المميت والمدمر ، وأن يسارعوا لتفكيك ما تبقى ، من شظايا هذه القنبلة . لأن مهمة المدرسة الأولى والأخيرة ، وكما يقول خبراء علوم التربية ، هي تحضير التلميذ للمستقبل عبر تزويده بكل ما يحتاجه لخوض غمار معترك الحياة بنجاح وإنتاج المعارف التي تتبوأ بها الدولة صدارة دول العالم وليس زج المدرسة في صراعات عقيمة ، لن يكون حصادها غير ، ضياع وخراب الوطن .
ومن جهة أخرى، فإن هناك فشلا ذريعا فيما يخص ربط التلميذ وجدانيا وعاطفيا بالمدرسة ويترجم هذا الرفض في سلسلة السلوكيات التي يأتيها التلاميذ عن عمد وقصد . ولعل أبرزها ظاهرة تكسير تجهيزات المؤسسات التربوية وتخريبها خلال أيام السنة الدراسية ، وتزداد حدة في نهاية كل موسم دراسي، تكسير يعبر على مدى حقدهم على المدرسة ، وعلى رفضهم الشديد لها . وعليه فالتلميذ يكسر ويحطم حتى يجد الأستاذ أو الطاقم التربوي ، مبررا لطرده من الفصل الدراسي أو المؤسسة ، فيبقي يتسكع في ساحتها أو خارجها . وأفظع ما في الأمر أن تقبل مؤسسة تربوية في آخر السنة الدراسية على طرد التلاميذ الذكور . وتمنعهم من دخول القاعات الدراسية بحجة أنهم ما أتوا إلى الثانوية إلا لإحداث الشغب والفوضى . وربما قد يهون الأمر بعض الشيء لو لم يكونوا مقبلين على شهادة البكالوريا . أي مصيبة ابتليت بها المدرسة الجزائرية أكبر من هذا المصاب الجلل .
عادة أخرى سيئة يقبل عليها التلاميذ ، في نهاية كل سنة دراسية ، تتمثل في خطيئة تمزيق الكتب والكراريس . أما يكفي محيط الثانوية أو المتوسطة ، أن ابتليت كل منهما بذلك الديكور الكريه من القارورات والأكياس البلاستيكية ، المنتشرة في كل مكان لتزيد المنظر بشاعة تلك الأوراق المتناثرة على مد البصر . بعد أن قام التلاميذ بتمزيقها ، وتركوها بين أيدى الرياح العابثة بها . إن المرض ليس في التلميذ وحده ، وإنما في كل العاملين ، في القطاع التربوي. إن سلوكيات التلاميذ الطائشة ، ما هي إلا المظاهر التي تتجلى فيها ، الامراض التي تنخر في جسد المنظومة التربوية الجزائرية والتي متى تم إصلاحها ، سيصلح معها حتما ، حال التلميذ بصورة تلقائية .
ولذلك فمعضلة فشل التلاميذ ، والانحدار المستمر لمستواهم لا يجب أن يلقى المجتمع اللوم ، عليهم وحدهم أو على أوليائهم وأساتذتهم. فهم ليسوا أصل المشكلة ، وإنما المظهر الذي يتجلى فيه ، حال المدرسة الجزائرية ، وإذا ما تم ابعاد من تسببوا ، في المشكلة فإنها ( المدرسة الجزائرية ) . ستنهض من كبوتها بسرعة البرق ، لتعانق مختلف مظاهر النجاح . وإن نحن هنا لا نبرأ التلاميذ ، من تحمل مسؤولية ما هم فيه ، وهذه مشكلة أخرى تتطلب مقالا خاصا بها .
وما جعل التلاميذ يكرهون المدرسة ، ويتصرفون بعدائية تجاه كل ما يمت لها بصلة هو أن بعض أهل التعليم ، هم من دفعوهم في كثير من الأحيان إلى ذلك دفعا . فأسئلة بعض الامتحانات ، لا تخلو من الأخطاء القاتلة للتلاميذ . وهم من قتلوا أنفسهم ، وسهروا الليالي وحرموا أنفسهم مما يحبون ، وفي الأخير تكون تلك الأسئلة الصادمة . ورد الأستاذ جاهز لمن يستغرب تلك الأخطاء . فيخبره في الحال ، بأنها وردت هكذا في شهادة البكالوريا . ويستشهد ببعض الأخطاء الواردة ، في الامتحانات الرسمية ، وهي كلمة حق يراد بها باطل . وبعض أساتذة مادة التاريخ والجغرافيا ، يرفقون خريطة العالم اليوم مع أسئلة مادة التاريخ . ويطلبون من التلميذ أن يوقع ، عليها الدول العضوة . في الأحلاف العسكرية التي عرفتها ح ع 1 و 2 ، بالنسبة للسنة الثانية ثانوي ، وهذا خطأ قاتل من قبل الأستاذ . ذلك أن الخريطة السياسية ، لدول العالم في تلك الأيام ، ليست هي خريطة العالم اليوم . فكيف سيوقع عليها التلميذ ، الإمبراطورية النمساوية المجرية مثلا ، أو الدولة العثمانية أو ألمانيا ما قبل 1945 . هذا خطأ منهجي ومعرفي قاتل ، ولا نعلم أين هم السادة المفتشون . ولماذا لا يشيرون إلى مثل هذه الأخطاء ، التي لا يجب السكوت عليها بعد أن يرسل لهم الأساتذة أسئلة الامتحانات . أما أن بعضهم لا يتّطلعون على تلك الأسئلة ، كما قالت إحدى الأستاذات ممن وجه لها زميلها هذه الملاحظة فأخبرته بأن المفتش ليس له وقت لقراءة هذه الأسئلة . وهي تهمة خطيرة لبعض المفتشين ، وعليهم أن يثبتوا براءتهم منها . أم أن بعضهم هم كذلك مثل بعض هؤلاء الأساتذة الذين يشكلون قلة تعد على الأصابع لا يدركون تلك الأخطاء ، لأنهم لا يمتلكون مؤهلات الكشف عنها . وقس على هذا الأمر ، الوضع في بقية المواد الأخرى . وربما البعض لا يعبأ بتلك الأخطاء لأن له أجندات موازية ، وليذهب التلميذ والوطن إلى الجحيم . ثم بعد كل هذا نشتكي ، من ضعف المستوى؟ .
كارثة أخرى مفادها أن بعض الأساتذة لا يتقيدون بدليل بناء الامتحانات والاختبارات فالوضعية الإدماجية واضحة ، من حيث هيكل بناءها . فهي تتكون من السياق الذي يساعد التلميذ على الوصول ، إلى الإجابة المحتملة والمطلوب منه . ولكن بعض الأساتذة يعطون للتلميذ في اختبار مادة التاريخ والجغرافيا سندا أو حامل الوضعية أو السياق . والمطلوب يكون عبارة عن لغز أو تميمة أو أحجية ، وعليه يقع عبء حلها . ولو أننا نعطي نفس السؤال لبعض هؤلاء الأساتذة لمّا أجابوا عنه. فبأي حق يدوس البعض على النصوص الرسمية التي قررت أن يُرفق الحامل أو السند بالمطلوب الذي لا يجب أن يتجاوز العنصرين . ولكن مطلوب بعض الأساتذة ، يكون على هذا الشكل “انطلاقا من العبارة ، واعتمادا على ما درست عالج الإشكالية المطروحة ” ونقطة على السطر . وهذا طرح أثبتت الأيام عقمه ، فتجاوزته وزارة التربية الوطنية . لمَا هو معمول به في شهادة البكالوريا بيوم الناس هذا علما أنه من المفروض أن يتدرب التلميذ على طبيعة الأسئلة التي يمتحن فيها في البكالوريا من السنة الأولى ثانوي. وما دامت الأسئلة تأتي هكذا ، حسب مزاج بعض الأساتذة، فإننا نكون قد ظلمنا التلميذ ، ولا ننتظر منه غير الفشل ، والتمرد والثورة والكفر بالمدرسة .
وحتى لا نظلم أحدا فهذا الأسلوب يوحي بأن بعض الأساتذة نقولها ونكررها البعض ، وليس من حقنا التعميم أبدا بقوا أسرى الماضي ، وحتى لا يتعبوا أنفسهم بصياغة أسئلة جديدة تواكب التطورات الحاصلة في المنظومة التربوية فهم يكتفون بالأرشيف حتى لو كان مدمرا للتلميذ . إن التلميذ عندما يمتحن بهذه الصورة الغامضة ويرى بأن كل تعبه نقولها ونكررها قد ذهب أدراج الرياح فهو حتما ، سيكفر بالمدرسة والتعليم ، وبكل ما يتصل بهما .
كما أن صياغة الوضعية الإدماجية ، بتلك الصورة الغامضة والمبهمة والتعجيزية وكأنها انتقام من بعض التلاميذ وعلى رأسهم المشاغبين وكأننا بعملنا هذا ندفع بهم صوب الرسوب لنجد مبررا للتخلص منهم . وهذه جريمة لا تُغتفر ، إننا نحن من صنَّعنا فشل التلميذ لأننا فشلنا في سحبه من عالم الفشل إلى عالم النجاح . إننا نحن من فشلنا في استقطابه إلى عالم التفوق والابداع والتميز علما أنه لا يوجد تلميذ فاشل وآخر ناجح ، أو تلميذ جيد وآخر سيء ، وإنما السوء والعجز والفشل فينا نحن . كما لا يوجد تلميذ موهوب ، وآخر بليد وإنما هناك جد واجتهاد ومثابرة ، والدليل التلميذ محمد الصادق الأمين من ولاية تيارت الذي فشل العام الماضي في نيل شهادة البكالوريا ، وتحصل فيها على معدل 6 من عشرين ولكن بقوة العزيمة والإرادة الفولاذية نجح هذه العام بمعدل 17.48 ، وهذه معجزة لا بد من الإشادة بها ، وجعلها قدوة ومضربا للمثل . نعود ونقول بأنه قد كان من المفروض على الأستاذ أن يتعالى عن المزالق المذكورة أعلاه . مزالق ستفقده كل شيء ، وخاصة الاحترام الذي هو أهم رأس مال يمتلكه داخل وخارج مؤسسة عمله . كما أن صياغة الوضعية الإدماجية بتلك الصورة الغامضة بعيدا عن دليل بناء الامتحانات والاختبارات سيعطي لهؤلاء الأساتذة مجالا للتلاعب بالنقاط ، وبالإجابة النموذجية كما يشاؤون . والنقطة تكون من نصيب من هم من الحاشية أو ممن يمتلكون مالا أو نفوذا ، أما مبدأ تكافئ الفرص فليذهب إلى الجحيم . فالأستاذ هنا يضع إجابة نموذجية ، حسب هواه طالما أن السؤال يحتمل عدة قراءات وتأويلات ليتحكم في النقاط كما يشاء ، فالمقربون في عليين أما بقية التلاميذ فيتم ، سحقهم وتدميرهم بلا رحمة . لهذا السبب أو ذاك والويل لمن ما كان اسمه مسجلا في قائمة التلاميذ الذين يدرسون عنده الدروس الخصوصية . ومتى احتج التلميذ فالرد جاهز إن إجابتك خاطئة ، وخارجة عن الموضوع . وهو من وضعها هكذا عن عمد ليتم التلاعب بها . وهذا المنحى يدمر العلاقة بين التلميذ والمدرسة ، ويحدث بينهما شرخا وجفوة ، عادة ما تنتهي بانقطاعه عن الدراسة ، وبعد هذا نتحدث عن التسرب المدرسي . ولو أن الوزارة الوصية ، كانت حريصة على مصلحة التلميذ لضربت بيد من حديد كل العابثين بمستقبل أمة بكاملها ، فهذا ما يهدد الأمن القومي للدولة في الحاضر والمستقبل .