بقلم الدكتور : رضوان بوهيدل
الجزء الثاني
في سياق متصل، قد يؤدي سقوط نظام بشار الأسد إلى تحفيز المعارضة الداخلية في إيران، خاصة مع تنامي الضغوط الاقتصادية والسياسية على طهران، مما قد يضعف النظام الإيراني نفسه، وبما أن روسيا هي الحليف الدولي الرئيسي للأسد، ووجودها العسكري في سوريا، خاصة في قاعدة “حميميم” الجوية وميناء “طرطوس”، يعتر جزءا من إستراتيجيتها للعودة إلى الساحة الدولية كلاعب قوي، لكن يبدو أن سقوط نظام بشار الأسد سيضعف هذا النفوذ، ويظهر روسيا كطرف غير قادر على حماية حلفائه، حيث استثمرت روسيا بشكل كبير في قطاعات الطاقة والبنية التحتية في سوريا، وكانت تأمل في جني فوائد اقتصادية من إعادة الإعمار، لكن اليوم، ومع سقوط نظام بشار الأسد، سيقضي على هذه الطموحات الروسية، أما بالنسبة لحزب الله اللبناني فيعتمد بشكل كبير على الدعم السوري، ليس فقط من حيث الإمداد العسكري، بل أيضا كمنطقة عبور للأسلحة القادمة له من حليفه الإيراني، وسقوط الأسد سيضعف قدرة الحزب على العمل بحرية، ويعرضه لضغوط أكبر من طرف الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية.
أما الخاسرون الإقليميون الآخرون، هم الصين، والتي قد تفقد أحد حلفائها المهمين في الشرق الأوسط، مما يحد من قدرتها على تعزيز وجودها الاقتصادي والسياسي في المنطقة، وكذا العراق، بحيث أن سقوط نظام الأسد قد يؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار في العراق، حيث ترتبط الحكومة العراقية بعلاقات وثيقة مع دمشق عبر المحور الإيراني.
أما الفائزون المحتملون، كما سبق الذكر تبقى على رأسهم تركيا، حيث ترى هذه الأخيرة أن سقوط نظام الأسد هو فرصة لإنهاء التهديد الكردي على حدودها، لكنها ستواجه تحديات في التعامل مع الفراغ الأمني، وطبعا الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج، حيث أن سقوط النظام سيضعف النفوذ الإيراني والروسي في المنطقة، مما يعزز موقف هذه الدول.
في ضوء التحليل، يبدو أن إيران هي الخاسر الأكبر المحتمل إذا سقط نظام بشار الأسد، نظرًا لأهميته الإستراتيجية في دعم مشروعها الإقليمي، ومع ذلك، الخسائر لن تكون حكرا على إيران، فروسيا، وحزب الله، وأطراف أخرى ستواجه تداعيات هذا السقوط.
على صعيد آخر، تشكل الطوائف في سوريا إحدى السمات الأساسية للبنية الاجتماعية والسياسية لسوريا، حيث تعكس التنوع الثقافي والديني الممتد عبر قرون طويلة من التاريخ، إلا أن هذا التنوع، الذي يمكن أن يمثل عنصر قوة وتعايش، تحول في كثير من الأحيان إلى عامل توتر وصراع، نتيجة لأسباب سياسية واقتصادية وتدخلات خارجية.
تعتبر سوريا واحدة من أقدم المناطق المأهولة في العالم، وقد كانت على مدى تاريخها ملتقى للديانات والحضارات، وقد تميز المجتمع السوري بتنوع طائفي يشمل المسلمين السنة وهم الأغلبية، العلويين، الدروز، المسيحيين، الإسماعيليين، والشيعة، بالإضافة إلى أقليات إثنية مثل الأكراد، الأرمن، والآشوريين، وهذا التنوع أثرى بشكل كبير البلاد من الناحية الثقافية، ولكنه أيضا جعلها عرضة للتوترات الطائفية عند غياب الاستقرار السياسي.
مع تأسيس الدولة السورية الحديثة بعد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي في سنة 1946، بدأت الطوائف تظهر بشكل أوضح في المعادلة السياسية السورية، حيث لعب الانتداب الفرنسي دورا في تعميق الهويات الطائفية، وذلك من خلال سياسات “فرق تسد”، ما مهد لاحقا لتعقيدات في العلاقة بين الطوائف والنظام السياسي، ومنذ استلام حزب البعث السوري السلطة في سنة 1963، لعبت الطوائف دورا متزايد الأهمية في بنية النظام السياسي، حيث برز العلويون كأحد المكونات الأساسية للنظام، خاصة بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة في سنة 1970، حيث اعتمد الأسد على دعم الطائفة العلوية كمصدر قوة، مع الحفاظ على واجهة سياسية علمانية قومية، لكن سياسات التمكين الطائفي أدت إلى تهميش بعض المكونات الأخرى، مما أسهم في تعزيز الانقسامات الاجتماعية، وعلى الرغم من المحاولات الرسمية لتعزيز الهوية القومية العربية، بقيت الهويات الطائفية كامنة وتظهر في الأزمات.
مع اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، انفجرت الهويات الطائفية التي كانت مكبوتة لعقود، حيث تداخلت المطالب الشعبية بالحرية والعدالة مع التدخلات الخارجية والانقسامات الطائفية، مما أدى إلى تصعيد الصراع.