في واحدة من روائع الديمقراطية الإفريقية الحديثة، قرر فخامة رئيس الانقلابيين في مالي، العقيد أسيمي غويتا، حل جميع الأحزاب السياسية، لكن لا تقلقوا، فقد فعل ذلك بشكل ديمقراطي جدا، حسبه، فالحجة جاهزة، وهي الأحزاب التي تعرقل المرحلة الانتقالية، والمرحلة الانتقالية تعرقل أيضا الاستقرار في مالي، والاستقرار يعرقل بقاء غويتا في السلطة،
وهذا طبعا أمر لا يمكن قبوله في جمهوريته الثورية، فغويتا، الذي دخل القصر الرئاسي على ظهر دبابة وليس عبر صناديق اقتراع، يبدو أنه اكتشف أن الحكم صعب حين تشاركه فيه أحزاب تتجرأ على الحديث باسم الشعب، فقرر بشكل فردي أن يختصر الطريق، فلا أحزاب، ولا معارضة، ولا إزعاج ديمقراطي، فقط صوت واحد، وزي عسكري رسمي، وعبارات وطنية محفوظة من عهد الانقلابات الكلاسيكية ما يحكم باماكو، أما عن تنصيبه رئيسا لمدة خمس سنوات قابلة طبعا للتجديد، فهذه مزحة أخرى من مزاح الديمقراطية الإفريقية، نعم، خمس سنوات فقط، ويا له من تواضع !، فالرجل يطمح إلى حكم أبدي على الطريقة الفرعونية، لكن بشكل انتقالي، وللحديث بقية…