الجزء الثالث
بقلم الدكتور : رضوان بوهيدل
يعتبر الفقر وعدم المساواة الاقتصادية من بين التحديات الكبرى أمام الدول لمواجهة المعضلة الغذائية، حيث يعتبر الفقر هو عامل رئيسي يؤثر على الوصول إلى الغذاء، حيث لا يستطيع الملايين تحمل تكاليف الغذاء حتى عندما يكون متوفرا، ففي إفريقيا جنوب الصحراء، يعيش أكثر من 40 بالمائة من السكان تحت خط الفقر.، وتزيد الفجوة الاقتصادية بين المناطق الريفية والحضرية من ضعف الأمن الغذائي في المناطق الريفية، فضلا عن الأمراض والأوبئة، مثل فيروس كورونا، حيث أظهرت هشاشة النظم الغذائية العالمية، حيث أدت إجراءات الإغلاق إلى تعطيل سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الغذاء، مما زاد من معدلات الجوع، والاعتماد على الواردات الغذائية، حيث تعتمد العديد من الدول النامية على استيراد الغذاء من الخارج، مما يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية، وأزمات مثل الحرب في أوكرانيا أدت إلى نقص الحبوب وارتفاع أسعار القمح عالميا، مما أثر بشكل خاص على الدول الإفريقية، والتي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد.
العديد من دول العالم تواجد العديد من التحديات الإقليمية للأمن الغذائي، أهمها إفريقيا جنوب الصحراء، والتي تعاني من أعلى معدلات الجوع وسوء التغذية في العالم، كما تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لتحسين الإنتاج الزراعي، وتواجه تحديات تغير المناخ مثل الجفاف المتكرر، بالإضافة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من خلال الاعتماد الكبير على الواردات الغذائية يجعل المنطقة عرضة للتقلبات العالمية، والنزاعات المسلحة، كما في سوريا واليمن، والتي زادت من انعدام الأمن الغذائي، بالإضافة إلى منطقة آسيا الجنوبية والشرقية، وعلى الرغم من التقدم في الإنتاج الزراعي، إلا أن الفقر والهجرة الريفية إلى المدن تؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي في المناطق الريفية.
من بين أهم الاستراتيجيات الموجودة لمواجهة تحديات الأمن الغذائي، نذكر تعزيز الإنتاج الزراعي، عبر التقنيات الحديثة، من خلال استخدام تقنيات الري بالتنقيط، البذور المعدلة وراثيا، والأسمدة المحسنة، والزراعة المستدامة، عبر التركيز على الإنتاج الزراعي الذي يحافظ على الموارد الطبيعية ويقلل من الانبعاثات الكربونية، وتحسين البنية التحتية، من خلال بناء شبكات طرق ووسائل نقل فعّالة لتقليل الفاقد الغذائي، وإنشاء مستودعات تخزين متطورة تحافظ على جودة المحاصيل، وتقليل الهدر الغذائي عبر التوعية بأهمية تقليل الفاقد الغذائي على مستوى الأفراد والمؤسسات، وتحسين سلاسل التوريد الغذائية، والتكيف مع تغير المناخ، وتطوير محاصيل مقاومة للجفاف والآفات.، والاستثمار في تقنيات التنبؤ المناخي لمساعدة المزارعين على التخطيط للمواسم الزراعية.، فضلا عن عدد من السياسات الاقتصادية والاجتماعية من خلال دعم صغار المزارعين، عبر توفير القروض الميسرة، ووضع سياسات لحماية الفئات الأكثر ضعفا من ارتفاع أسعار الغذاء.
إن تحقيق الأمن الغذائي يتطلب مواجهة التحديات المترابطة بطريقة شاملة ومستدامة، حيث يجب على الدول والمؤسسات الدولية التعاون لتطوير نظم غذائية عادلة وقادرة على الصمود أمام التغيرات المناخية والاقتصادية، وذلك عبر الاستثمار في الزراعة، تحسين البنية التحتية، وتقليل الفجوات الاقتصادية، كما يمكن تحقيق الأمن الغذائي وضمان مستقبل أفضل للأجيال، وبالعودة للأرقام فوفق تقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة لعام 2023، بلغ عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع حوالي735 مليون شخص، كما شهد العدد ارتفاعا مقارنة بعام 2019، عندما كان العدد حوالي613 مليون شخص، مما يعكس آثار جائحة كورونا، والنزاعات المسلحة والتغير المناخي، كما يعاني حوالي 2.4 مليار شخص من انعدام الأمن الغذائي بدرجات متفاوتة، أي ما يقارب ثلث سكان العالم، كما يعاني أكثر من45 مليون طفل دون سن الخامسة من الهزال، وهو أحد أشكال سوء التغذية الحاد، و149 مليون طفل يعانون من التقزم، نتيجة سوء التغذية المزمن، في وقت يهدر حوالي1.3 مليار طن من الغذاء سنويا، أي ما يعادل ثلث الإنتاج الغذائي العالمي، مما يعادل خسائر تقدر بـ 940 مليار دولار سنويا، وأكبر نسب الهدر تحدث في الدول ذات الدخل المرتفع خلال مراحل الاستهلاك، بينما يحدث الهدر في الدول النامية أثناء الإنتاج والتخزين بسبب نقص البنية التحتية.
تعد منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الأكثر تأثرا بالجوع عالميا، حيث يعاني حوالي278 مليون شخص من نقص التغذية، أي أن أكثر من 55 بالمائة من سكان المنطقة يعانون من انعدام الأمن الغذائي بدرجات متفاوتة، التغير المناخي والجفاف من أبرز مسببات الأزمات الغذائية في المنطقة، أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فيعاني حوالي53 مليون شخص من نقص التغذية، وبالنسبة للنزاعات في دول مثل اليمن وسوريا فقد أدت إلى مستويات خطيرة من انعدام الأمن الغذائي، حيث يعتمد أكثر من 80 بالمائة من سكان اليمن على المساعدات الغذائية، كما أن الاعتماد الكبير على استيراد الحبوب على غرار القمح يجعل المنطقة عرضة لتقلبات الأسعار العالمية، كما حدث خلال أزمة أوكرانيا، وفي آسيا الجنوبية والشرقية، ورغم التقدم في الإنتاج الزراعي، يعاني حوالي425 مليون شخص في آسيا من نقص التغذية، فالهند وبنغلاديش هما من بين الدول الأكثر تأثرا بالجوع وسوء التغذية، حيث يعاني 35 بالمائة من الأطفال في الهند من التقزم، كما تساهم الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والأعاصير في تفاقم الأزمات الغذائية، ونفس الشيء في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، حيث ارتفعت معدلات الجوع في المنطقة بشكل كبير، حيث يعاني حوالي56.5 مليون شخص من نقص التغذية، كما أن أزمة التضخم في بعض دول أمريكا الجنوبية أدت إلى ارتفاع أسعار الغذاء، مما أثر على الطبقات الفقيرة.
الأرقام تؤكد أن الأمن الغذائي يظل تحديا عالميا كبيرا، يتطلب استراتيجيات شاملة ومستدامة لتحقيقه، والاستثمار في الزراعة المستدامة، تقليل الفقر، ومواجهة التغير المناخي يمكن أن تسهم في تحسين الواقع الغذائي وتقليل عدد الجياع حول العالم، وأن تحقيق الأمن الغذائي ليس رفاهية بل ضرورة لضمان استقرار المجتمعات وتحقيق التنمية المستدامة عالميا.