Africa news – أفريكا نيوز
آخر الاخبار أقلام بقلم الاعلامي : عمّـــار قـــردود

ابن تيمية المغرب العربي الذي قهر اليهود في جنوب الجزائر

  • الإمام الشيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني

  • الجزء الرابع

الإمام المغيلي وجهاده التاريخي ضد اليهود

 

يعتبر الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني (1425-1504) واحداً من أبرز الشخصيات خلال القرن العاشر الهجري وذالك لما عرف عنه من ثورة فكرية وإصلاحية امتد صداها على طول الساحل الإفريقي وحتى أدغال إفريقيا مروراً بمنطقة توات التاريخية محل إقامته النهائية وموطن جهاده التاريخي ضد اليهود.

الأمام محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي التلمساني، وهو من قبيلة مغيلة البربرية التي انتشرت في وهران وتلمسان والمغرب الأقصى، وهي إحدى فروع قبيلة صنهاجة العظيمة، ولد محمد بن عبد الكريم بمدينة تلمسان (790هـ -1425م ) من عائلة عريقة اشتهرت بالعلم والدين والشجاعة، وهو من سلالة الياس المغيلي حامل لواء الجهاد مع القائد الإسلامي الخالد طارق بن زياد الليثي فاتح الأندلس، والذي يسمى عليه جبل الفتح، جبل طارق.

تعليمه: حفظ القرآن الكريم وأخذ مبادئ العربية من نحو وصرف وبيان، وقرأ موطأ الإمام مالك وكتاب ابن الحاجب عن والده، كما تلقى العلم عن شيوخ أجلاء نذكر منهم:

– الفقيه بن أحمد بن عيسى المغيلي الشهير بالجلاب التلمساني ( ت 875هـ) أخذ عنه التفسير والقراءات والفقه المالكي، فقد ختم على يديه المدونة ومختصر خليل وابن الحاجب والرسالة.

– الشيخ عبد الرحمن بن محمد الحسني التلمساني (826هـ) أخذ عنه التفسير والفقه المالكي.

– الشيخ محمد بن إبراهيم الونشريسي صاحب كتاب المعيار وهو أبو الفضل التلمساني (845هـ).

لم تكن معارفه مأخوذة عن علماء تلمسان فقط، بل أيضا على علماء بجاية حيث تلقى عنهم علوما متعددة، منهم على سبيل المثال الشيخ أحمد بن إبراهيم البجائي (ت840هـ) أخذ عنه التفسير والفقه، وكان من تلاميذ هذا الشيخ الجليل سيدي عبد الرحمن الثعالبي.

كما تتلمذ أيضا على يد الشيخ منصور بن علي عثمان أبو علي الزواوي المنجلاتي وهو أحد كبار علماء وفقهاء بجاية، كما أخذ عن يحيى بن نذير بن عتيق أبو زكرياء التدلسي وهو من كبار فقهاء المالكية.

كما عاصر سيدي محمد المغيلي علماء أجلاء منهم: قاسم بن سعيد العقباني، محمد بن أحمد بن مرزوق، إبراهيم التازي، محمد بن يحيى التلمساني، ابن مرزوق الكفيف، أحمد بن يحيى الونشريسي، ويعد محمد المغيلي ابن تمية المغرب في جهاده وعلمه، ولم تقتصر حياته على الدعوة والإرشاد، بل تطاولتها إلى المراسلات والمناظرات مع كبار علماء عصره، منهم الإمام السيوطي كما ذكر ذلك ابن مريم في كتابه (البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان).

بعد أن تزود بكثير من العلوم الشرعية عن كبار علماء الجزائر، أم وجهه ناحية الصحراء منطقة أدرار توا، وكان حكام عصره في كل من تلمسان وبجاية لا يحكمون إلا ما تمليه عليهم أنفسهم أمام صمت العلماء، ساخطا على ما آلت إليه الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فكانت منطقة تمنطيط بداية لدعوته، واحتضنته قبيلة بني سعيد العربية حيث عاش بينها كواحد من أفرادها، بل أكثر من ذلك مبجلا محترما يدرسهم فيستمعون إليه ويتبعون دعوته.

لم تكن الصحراء الجزائرية خالية من السكان بل كانت عامرة تعج بهم، خوصا في الواحات، كما أنها لم تكن مقصورة على المسلمين وحدهم، بل كان اليهود يشكلون عنصرا بشريا نافذا وضع يده على منابع المياه واحتكر التجارة، وأكثر من ذلك تجاوز الحدود من خلال تخطيه للقوانين المعمول بها، والتي حددها الإسلام لأهل الذمة من خلال ما هو موجود في الفقه الإسلامي، وبهذه التصرفات خرق اليهود كل العهود والمواثيق، خصوصا عند بناء معبد لهم في واحة تمنطيط، هذا ما جعل الشيخ سيدي محمد المغيلي يشن عليهم حملة شرسة أراد من خلالها أن يعيدهم إلى القوانين التي حددها لهم الإسلام بعد أن أشتكى سكان المنطقة له تصرفات اليهود، وتفاقمت الأزمة أكثر ببناء المعبد اليهودي، وهذا ما رآه سكان المنطقة يخالف الشريعة الإسلامية التي تسمح لهم بترميم معابدهم القديمة فقط، غير أن بعض العلماء المحليين أجاز لهم ذلك وقال: “إن اليهود ذميون، لهم ما لأهل الذمة من الحقوق المنصوص عليها في كتب الفقه”، وهكذا تحولت المسألة إلى جدل فقهي بين علماء المسلمين، وكان من بين من عارض هذا القول بجواز بناء اليهود معابد لهم محمد بن عبد الكريم المغيلي، حيث أصدر فتوى أكد من خلالها: “أن سيطرة اليهود على عموم نواحي الحياة، ولهذا يجب محاربتهم وهدم كنائسهم وكسر شوكتهم” وقد أثارت هذه الفتوى ردود فعل كثيرة في أوساط معاصريه بين مؤيد ومعارض.

ولم تبق القضية متداولة بين الفريقين، بل راسل كل منهما أكبر علماء العصر في الحواضر المغاربية كتلمسان وفاس وتونس، فكان ممن عارض المغيلي علماء تلمسان وفاس وعلى رأسهم عبد الرحمن بن يحيى العصنوني وقاضي توات أبو محمد عبد الله بن أبي بكر الأسنوني، وممن أيد المغيلي من العلماء الفقيه محمد بن عبد الله بن عبد الجليل التنسي مؤلف كتاب “الطراز على ضبط الحراز” في القرآن الكريم، ومحمد بن يوسف السنوسي، وأبو عبد الله التلمساني الحسني، وأحمد بن زكري المانويو مفتي تلمسان أبو العباس المغراوي، وفور وصول هذه الفتاوى من هؤلاء العلماء لواحة تمنطيط حمل المغيلي وأنصاره السلاح وانقضوا على معابد اليهود فدمروها.

 

دور المغيلي في مقاومة يهود توات

 

استقر بمنطقة توات بالجنوب الجزائري ،التي ارتبط موقعها بطرق القوافل التجارية، البربر والعرب والزنوج وبعض الأقليات الإثنية كاليهود الذين سيطروا على الواقع الاقتصادي بتوات بداية من القرن 08 للهجرة، حيث احتكروا النشاطات التجارية والحرفية كصناعة الصابون والحلي الذهبية وغيرها، ولكن مع الحملة المغيلية على يهود توات التي انتهت إلى إجلائهم عنها، اختفت الكثير من الصناعات والحرف وتأثرت اقتصاديات المنطقة تأثراً واضحاً.

 

إقليم توات بالصحراء شهد تواجدا مهما للطائفة اليهودية

 

استوطنت طائفة اليهود في الجنوب الجزائري وتنفذت في شؤون البلاد والعباد وحاكت الدسائس ضد الإسلام والمسلمين فكانت نازلة يهود توات التي مست الجوانب الاجتماعية والفكرية والدينية لإقليم توات بل وحتى الجوانب السياسية والاقتصادية وبالتالي فهي تعد لحظة فارقة في تاريخ هذا الاقليم لأنها تؤرخ لأخطر نازلة المت بالمجتمع التواتي فاليهود كانوا ولا يزالون حتى الآن من أولويات مهامهم العمل على تفريق الشعوب عموماً والمسلمين خصوصاً وابعادهم عن دينهم واصالتهم حتى يكونوا عبيداً لشهواتهم وملذاتهم فيسود لهم الأمر في نهاية المطاف.

لما انتقل محمد بن عبد الكريم المغيلي من الشمال الى توات بالصحراء وجد اليهود يشاركون بنشاط كبير في حركة القوافل التجارية ويتصرفون بحرية تامة أكثر مما في الشمال ووضعوا ايديهم على التجارة العابرة للصحراء كما احتكروا صياغة الذهب والفضة والصرافة النقدية وكل هذا بسبب حسن الضيافة والتسامح الديني والمسالمة الاجتماعية هاته المواصفات التي كان يتميز بها المجتمع التواتي.

فأصبح لليهود نفوذ كبير فاستغلوا الحكام والعلماء للتعدي على الاحكام فانتشرت مفاسدهم وتقوى طغيانهم ومحاولة النيل من عواطف المسلمين الدينية وكرامتهم ببناء بيع كبيرة.

ومن منطلق أن اليهود اصبحوا  يسيطرون على توات ويتصرفون فيها بدون رادع يردعهم او يوقفهم عند حدهم سواء من زعماء القبائل او حتى من علماء المنطقة لذا جهر الشيخ المغيلي بدعوته الى اصلاح الوضع وأعلن معاداته لليهود فقد قال رضي الله عنه (ان يهود توات وتكورارين قد حلت دماؤهم و اموالهم ونساؤهم لان الذمة التي ترفع السيف عنهم هي الذمة الشرعية لا الذمة الجاهلية وانما تكون لهم الذمة الشرعية مع اعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون ويجب ان يلتزموا بجميع احكام اهل الذمة) وقال ايضا رضي الله عنه (وأما من ترك شيئا من ذلك واستمر على تركه وصمم عليه فلا خلاف في نقض عهده ووجوب قتله وسبيه لأن ذلك هو التمرد على الاحكام الشرعية).

فالشيخ المغيلي أنكر سيطرة اليهود على الاقتصاد وماخولهم ذلك من شفوف ودالة على رجال السلطة واستخفاف بالأحكام الشرعية واحتقار لفقراء المسلمين حيث رأى انهم نقضوا بذلك عهد الذمة المبني أساساً على الخضوع المطلق لسلطة المسلمين مقابل حمايتهم والسماح لهم بالعيش بين اظهرهم بأمان وسلام وقد ألف في ذلك كتابا جوابا عن سؤال من سأله عما يجب على المسلمين من اجتناب الكفار وما يلزم اهل الذمة والصغار وعما عليه أكثر يهود هذا الزمان التعدي والطغيان وسماه مصباح الارواح في اصول الفلاح.

وخلاصة رأي الشيخ المغيلي في يهود توات وسائر الاوطان في الشمال والصحراء والجنوب ان هؤلاء اليهود ليسوا باهل الذمة ولا تنطبق عليهم احكام اهل الذمة، بل هم نقضوا عهد الذمة بأعمالهم وتصرفاتهم الفعلية والقولية في ديار الاسلام المنافية لأحكام الشريعة الاسلامية التي تلزم المسلمين بالوفاء لهم بعقد الذمة فلذلك وجب جهادهم وقتلهم وهدم كنائسهم وبيعهمـ التي احدثوها في بلاد المسلمين وإلزامهم بالذل والصغار.

وكان أشد المعارضين له في هدم الكنائس قاضي توات الفقيه عبد الله بن ابي بكر العصنوني فقام كل من الشيخ المغيلي والعصنوني بمراسلة علماء فاس وتونس وتلمسان للفتوى وأخذ رأيهم في المسالة.

وقد كانت ردود العلماء الذين تمت مراسلتهم متباينة فمنهم من أجاز ومنهم من منع ذلك، ومن العلماء الذين اجازوا ذلك كبير علماء تلمسان ابو عبد الله محمد بن يوسف السنوسي فقد اثنى على الشيخ المغيلي وكتب له كتابا مطولا قال فيه “من عبيد الله محمد بن يوسف السنوسي الى الاخ الحبيب القائم بما اندرس في فاسد الزمان من فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي القيام بها لاسيما في هذا الوقت علم على الاتسام بالذكورة العلمية والغيرة الاسلامية وعمارة القلب بالإيمان السيد ابي عبدالله محمد بن عبد الكريم المغيلي حفظه الله تعالى في حياته وبارك في دينه ودنياه وختم لنا وله وسائر المسلمين بالسعادة والمغفرة بلا محنة يوم نلقاك”.

“بعد السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته فقد بلغني ايها السيد ما حملتكم عليه الغيرة الايمانية والشجاعة العلمية من تغيير احداث اليهود اذلهم الله كنيسة في بلاد الاسلام وحرصكم على هدمها وتوقف أهل تمنطيط فيه من جهة من عارضكم فيه من اهل الاهواء فبعثتم الينا مستنهضين همم العلماء فيه فلم ار من وفق لإجابة المقصد وبذل وسعه في تحقيق الحق وشفاء الغلة ولم يلتفت لقوة ايمانه ونصوع ايقانه لما يشير اليه الوهم الشيطاني من مداهنة من يتقي شوكته سوى الامام القدوة الحافظ المحقق علم الاعلام ابي عبدالله محمد بن عبد الجليل التنسي امتع الله به وجزاه خيرا”.

وممن كتب الشيخ المغيلي جوابا شافيا منصفا فقيه تونس ومفتيها الرصاع وشيخ الجامعة ابو عبد الله بن غازي، الذي لخص رده في جمل مسجوعة على ظهر كتاب الشيخ المغيلي “هذا كتاب جليل صدر عن نص عليل وعلم بالصواب كفيل وصاحبه غريب في هذا الجيل بيد انه اطلق الكفر على التضليل” ويعني ابن غازي بالتضليل ما استنتجه الشيخ المغيلي من الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(51)، فقال ان من يتعامل مع اليهود والنصارى فهو كافر مثلهم، كما اجاب كل من ابي مهدي الماواسي مفتي فاس وعبد الرحمن بن سبع التلمساني وذكر احمد بابا انه “ما إن وصل الى المغيلي جواب التنسي ومعه جواب السنوسي حتى امر جماعته فلبسوا آلات الحرب وقصدوا كنائسهم وأمرهم بقتل من عارضهم دونها فهدموها ولم يتناطح فيه عنزان ثم قال لهم من قتل يهوديا فله علي سبع مثاقيل”.

هذا ما حصل بين المغيلي وعلماء توات وتلمسان وفاس وتونس والمغرب في مشكلة كنائس اليهود وبيعهم في توات وغيرها، والمتتبع لما جرت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ومذاهب أئمة المسلمين يجد ان الحق في هذه المسألة هو ما ذهب اليه الشيخ المغيلي من وجوب هدم الكنائس المذكورة لاسيما ان تلك الكنائس محدثة في بلاد المسلمين.

والواقع ان الشيخ المغيلي كان قد قام في يهود توات مصلح سلفي لا غير وملخص رأيه ان على اليهود ان يحترموا وضعيتهم القانونية في بلاد المسلمين فمن هنا نلاحظ ان الشيخ المغيلي كان له كل الحق في محاربة اليهود.

  • يتبع

  • عمار قردود

طالع أيضا

حمزاوي: “كل فعاليات المجتمع المدني ستنخرط في مساعي إنجاح مبادرة لمّ الشمل”

Africa News

طريق للموت بين المشرية و ولاية النعامة

Africa News

بايدن يدعو الأفغان إلى تقرير مستقبلهم بعد حرب استمرت 20 عاما

Khalil Sanmar

1 comment

عبد الحميد 30/03/2024 at 09:16

مقال غني حفظك الله وجزاك كل خير
الحمد لله على ما أنعم الله علينا بالاسلام والعلماء
حقا أن منهم الطغاة، وحتى أئمة الطاغوت الذين يدعون الإسلام فقط لتحريف القرآن، وفعلا ان هذا ما قام به أحد الأئمة اليهود. فقد اشتكى من حضر دروسه تحريفه للقرآن وقراءته بما يخالف القراءات المعروفة
شكرا على المجهودات

رد

اترك تعليق