Africa news – أفريكا نيوز
آخر الاخبار مساهمات

أي دور لأمريكا في خلط أوراق الشرق الأوسط !؟

  • بقلم الدكتور : رضوان بوهيدل

منذ منتصف القرن العشرين، أصبحت منطقة الشرق الأوسط محورا مركزيا في الاستراتيجيات الجيوسياسية للولايات المتحدة الأمريكية، وقد تميز هذا الدور بنهج مزدوج، الأول مرتبط بزعزعة الاستقرار الإقليمي من جهة، و الثاني هو دعم وجود الكيان الصهيوني كقوة إقليمية مهيمنة من جهة أخرى، وتعكس هذه الاستراتيجية مقاربة براغماتية تهدف إلى تحقيق مصالح طويلة الأمد للولايات المتحدة، لكنها في الوقت نفسه أسهمت في تفاقم الأزمات في المنطقة، ومن هنا سوف نستعرض أبرز المحطات والوسائل التي استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق هذا التوازن المضطرب.

تعود الجذور التاريخية للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، منذ أن بدأت محاولاتها الأولى لبسط نفوذها في الشرق الأوسط بشكل جدي بعد الحرب العالمية الثانية، ومع تراجع النفوذ البريطاني والفرنسي في المنطقة، سعت واشنطن إلى ملء الفراغ السياسي والعسكري في الشرق الأوسط، حيث شكل إنشاء ما يعرف ب “إسرائيل” في عام 1948 نقطة تحول رئيسية في السياسة الأمريكية، حيث أصبحت حماية الكيان الصهيوني هدفا مركزيا يوجه جميع السياسات الأخرى، فمنذ البداية، تبنت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة الدعم العسكري والدبلوماسي غير المشروط للكيان، وقد تزامن ذلك مع محاولات واشنطن للتحكم في المنطقة من خلال تقسيم الدول الكبرى، واستغلال الانقسامات الطائفية والإثنية، ودعم أنظمة استبدادية لضمان ولائها.

وفي هذا الإطار استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية أدوات مختلفة لزعزعة الاستقرار، من خلال السياسات والتكتيكات المتعددة، على غرار دعم الأنظمة الاستبدادية والانقلابات العسكرية، حيث

عملت واشنطن على تقوية الأنظمة الموالية لها، والتي غالبا ما كانت تفتقر إلى شرعية شعبية، مثلما دعمت، على سبيل المثال انقلاب 1953 في إيران للإطاحة برئيس الوزراء المنتخب محمد مصدق واستبداله بنظام الشاه محمد رضا بهلوي، الذي وفر لها قاعدة متقدمة في مواجهة الاتحاد السوفياتي وقتها وضمان تدفق النفط، وفي السياق نفسه، قدمت دعما لأنظمة استبدادية لعدد من الدول العربية، معتمدة على مبدأ أن الاستقرار السلطوي أكثر أمانا لتحقيق مصالحها مقارنة بأنظمة ديمقراطية قد تكون معادية لها، بالإضافة إلى خلق أزمات داخلية وصراعات إقليمية، فلطالما استغلت الولايات المتحدة الأمريكية الانقسامات الداخلية والطائفية في دول المنطقة، كما تمثل العراق مثالا صارخا، حيث أدى الغزو الأمريكي عام 2003 إلى تفكيك الدولة العراقية وتوطين الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة وهذا النهج ساهم في خلق بيئة خصبة مهدت لظهور الجماعات المتطرفة مثل تنظيم “داعش”، مما أتاح للولايات المتحدة الأمريكية تبرير وجودها العسكري المستمر في المنطقة ككل، وكذا التحكم في موارد الطاقة، حيث يمثل النفط والغاز أحد المحركات الرئيسية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، فإن زعزعة الاستقرار في الدول المنتجة للطاقة كانت استراتيجية لضمان عدم خروج هذه الموارد من تحت السيطرة الأمريكية، ونذكر على سبيل المثال الحرب الإيرانية-العراقية ما بين 1980-1988، والحصار الاقتصادي على إيران والعراق، حيث كانت أدوات واضحة لتحقيق هذا الهدف، فضلا عن دعم إسرائيل بشكل غير مشروط، حيث يعتبر الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني عنصرا أساسيا في استراتيجيات زعزعة الاستقرار، فالولايات المتحدة الأمريكية لم تكتف بالدعم العسكري والاقتصادي الهائل، بل عملت أيضا على تعطيل أي محاولات عربية أو دولية لحل القضية الفلسطينية، وهذا التعطيل، إلى جانب نقل سفارتها إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة للكيان الصهيوني، من طرف دونالد ترامب العائد للبيت الأبيض مجددا، زاد من حدة التوترات في المنطقة وأضعف موقف الدول العربية بشكل كبير وواضح.

ومن نتائج زعزعة الاستقرار على المدى الطويل، فقد تسببت هذه السياسات في تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة مضطربة سياسيا واقتصاديا، من الحروب الأهلية في سوريا واليمن، إلى الأزمة الليبية المستمرة، أصبح الشرق الأوسط يعاني من فراغ سياسي وأمني استغلته القوى الدولية والإقليمية لتحقيق مصالحها الشخصية الضيقة، أما على الصعيد الإنساني، فقد أدت هذه السياسات إلى مقتل الملايين ونزوح الملايين الآخرين، كما ساهمت في تدمير البنية التحتية لعدة دول، ما جعلها غير قادرة على تقديم خدمات أساسية لشعوبها، أما بالنسبة على المستوى الجيوسياسي، فقد أدت هذه الفوضى إلى تعميق الانقسامات بين الدول العربية وإضعاف قدرتها على مواجهة التحديات المشتركة، وخاصة التوسع الاستيطاني الصهيوني المستمر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويبقى الكيان الصهيوني هو المستفيد الأول، ففي ظل هذه السياسات، بقيت ما تعرف ب “اسرائيل” هي المستفيد الأول، فمن خلال دعم واشنطن، تمكنت “تل أبيب” من بناء قوة عسكرية واقتصادية غير مسبوقة في المنطقة بدعم غربي، كما أتاح الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني تجاوز العقوبات الدولية وإجهاض أي محاولات لمحاسبتها على انتهاكاتها لحقوق الإنسان، وارتكاب جرائم حرب، إضافة إلى ذلك، استفاد الكيان من حالة الفوضى لتوسيع مستوطناتها، وفرض سياسات الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، وتحقيق اختراقات سياسية مع دول عربية من خلال اتفاقيات التطبيع.

تبدو احتمالات تغيير هذا النهج الأمريكي في المستقبل القريب محدودة، حتى لا نقول منعدمة، ولا تزال الولايات المتحدة ترى في زعزعة الاستقرار وسيلة فعالة للحفاظ على نفوذها في المنطقة، خاصة مع تزايد نفوذ الصين وروسيا، ومن جهة أخرى، تتقاطع مصالح النخب السياسية والاقتصادية الأمريكية مع الكيان الصهيوني، مما يجعل من الصعب إعادة تقييم العلاقة بين الطرفين، ومع ذلك، يشير بعض المتابعين إلى أن الأزمات الاقتصادية والسياسية داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها قد تؤدي إلى تراجع اهتمامها بالشرق الأوسط، كما أن صعود قوى إقليمية مثل تركيا وإيران، وإمكانية تقارب الدول العربية في مواجهة التهديدات المشتركة، قد يحد من قدرة واشنطن، ألى حد ما، على الاستمرار في تطبيق استراتيجياتها التقليدية.

تمثل السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط نموذجا لتعقيد العلاقات الدولية، حيث تختلط المصالح الاقتصادية والسياسية بالقيم المعلنة حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، وزعزعة الاستقرار الإقليمي مع الحفاظ على بقاء الكيان الصهيوني كقوة مهيمنة، يعكس تناقضات هذه السياسات، ومع ذلك، يبقى التحدي أمام شعوب ودول المنطقة في بناء نظم سياسية مستقلة قادرة على مواجهة التدخلات الخارجية ووضع حد للاضطرابات التي أضعفت نسيجها الاجتماعي والاقتصادي لعقود طويلة.

طالع أيضا

تحديد موعد ومكان الكلاسيكو بين ريال مدريد وبرشلونة

Africa News

المغرب يغرق في بحر أوهام ووعود أسياده الكاذبة

Africa News

مولوجي في زيارة للورشات التكوينية في الفنون المسرحية لطلبة الجمهورية العربية الصحراوية

Africa News

اترك تعليق